الأربعاء 24 إبريل 2024
في الصميم

والي الدارالبيضاء وسياسة "فرِّق تسُد"!

والي الدارالبيضاء وسياسة "فرِّق تسُد"! عبد الرحيم أريري

بعد الأحداث الإرهابية التي هزت المغرب في 16 ماي 2003، انتبهت الدولة إلى الكاريانات المزروعة في هوامش المدن، بالنظر إلى أن إرهابيي 16 ماي كانوا كلهم ينحدرون من أحياء صفيحية بالدار البيضاء (خاصة بكاريان طوما وكاريان السكويلة).

هذه الأحداث الإرهابية ولدت صحوة لدى السلطة العمومية، أثمرت برنامجا ضخما أطلقت عليه الحكومة اسم برنامج: «مدن بدون صفيح». وحدد سقف زمني لاجتثاث الكاريانات بالمدن المغربية دون أن يتم احترام الآجال من طرف السلطات، سواء لما حدد سقف 2012 أو في 2015 أوفي 2017. البرنامج المذكور عهد بتنفيذه إلى وزارة الإسكان في 85 مدينة بحكم الاختصاص وبحكم توفرها على آلية تقنية متمثلة في شركة "العمران".

وحدها الدار البيضاء تم استثناؤها من إشراف وزارة الإسكان، وأحيل الملف على وزارة الداخلية التي قامت بإحداث شركة خاصة لإيواء ساكنة دور الصفيح وهي: «شركة إدماج سكن»، بمبرر أن الدار البيضاء تضم أكبر نسبة من الكاريانات بالوسط الحضري بالمغرب (400 كاريان عام 2004)، وبمبرر أن العاصمة الاقتصادية لها وضعية خاصة مقارنة مع باقي المدن. وبالتالي وجوب تمتيعها بآلية مستقلة عن وزارة الإسكان تكون تابعة مباشرة لوالي الدار البيضاء.

وهذا هو بيت القصيد، إذ بعد إعداد وثائق التعمير وفتح أقطاب حضرية جديدة بضاحية الدار البيضاء لاستقبال المرحلين من الكاريانات تبين للمسؤولين أن شركة «إدماج سكن» لن تقوى على التكفل بكل البرنامج من جهة ولن تتمكن من احترام الجدول الزمني لإيواء كل ساكنة صفيح الدار البيضاء من جهة ثانية، فتمت المناداة على شركة «العمران» لتعطي «يد الله»، وهكذا تم تقسيم الدار البيضاء إلى «شرق-غرب»: الشرق تولته وزارة الإسكان في شخص «العمران»، ورسمت لها الحدود في كاريان طوما والسكويلة وكاريان سنطرال، عبر فتح قطب «سلام أهل الغلام» والقطب الحضري الهراويين، فيما أمسكت وزارة الداخلية، في شخص شركة «إدماج سكن»، بغرب وجنوب غرب الدار البيضاء وتولت مهام ترحيل كاريانات وسط المدينة أو بالطريق الساحلية بدار بوعزة لتعبيد الطريق لكبريات الشركات العقارية لإنجاز مشاريعها الفاخرة، وأسند لـ «إدماج» القطب الحضري الرحمة (أو مدينة الرحمة كما يحلو للمسؤولين النطق بها).

وبدل أن يرتدي المسؤولون والمدبرون المحليون «كاسكيطة» وطنية في التعامل مع الأقطاب الحضرية الجديدة على قدم المساواة في كل ما يلزمها من تهيئة وحاجيات أولية وضرورية، قام المسؤولون بارتداء «جبة الطائفية»! واكتفوا بأن «ينشوا على كبالتهم فقط»، أي استغل الولاة والعمال المتعاقبون على الدار البيضاء الموارد الدستورية والرمزية والقانونية التي يتمتعون بها واهتموا فقط بأوراش شركة «إدماج سكن» على حساب تتبع شركة «العمران» وقاموا بتذليل الصعاب لـ "إدماج سكن" وباتباع سياسة «عين ميكة» بالنسبة لشركة «العمران». فرأينا كيف هب ممثلو الدولة بالدار البيضاء إلى الاهتمام بـ «مدينة الرحمة» على حساب مدينة الهراويين من تعبيد الشوارع وتوسيع لبعض المحاور الطرقية بالرحمة وتعزيز شبكة الإنارة العمومية وفتح المؤسسات التعليمية وتمديد لخطوط الحافلات (وها هي حافلات الجودة العالية BHNS مبرمجة في الرحمة عما قريب) وتهيئة فضاء وملاعب القرب، في حين تم ترك «مدينة الهراويين» وسكانها يصارعون «طواحين الهواء»، ويتدبرون أمورهم بطرق بدائية ومهينة لكرامتهم.

نعم، مدينة «الرحمة» ليست رحيمة بسكانها، بحكم افتقارها للمزيد من مقومات التمدن وحاجتها للكثير من المرافق والخدمات، ولكن السؤال الحارق الذي يؤرق المتتبعين هو لماذا فتحت السلطات مدينتي الرحمة والهراويين في وقت واحد وبوثيقة تعميرية واحدة ولهدف واحد، وبدل أن يحظى القطبان الحضريان باهتمام متكافئ، نجد المسؤولين يهتمون فقط بالرحمة ويشطبون على الهراويين؟

هل لأن الرحمة تشرف عليها «إدماج سكن» التابعة لوالي الدار البيضاء والهراويين تشرف عليها «العمران» التابعة لوزير الإسكان؟ هل يريد مسؤولو البيضاء إبراز أن المشاريع التي يشرفون عليها «فيها البركة» ومشاريع شركة «العمران» يتبعها «النحس»؟ إن كان الأمر كذلك فهذا سلوك مقرف وخطير: فهل والي الدار البيضاء عين للإشراف على ضمان تكافؤ الفرص والمساواة بين كل مجالات تراب نفوذه وبين كافة السكان التابعين لولايته، أم تم تعيينه لتأجيج الصراع بين مؤسسات عمومية (واحدة خاضعة لوزارة الداخلية والثانية تابعة لوزارة الإسكان)؟ وهل والي الدارالبيضاء يمثل الحكومة ككل أم يمثل فقط وزارة الداخلية؟! هل شركة «إدماج سكن» تحمل الراية المغربية وشركة «العمران» تحمل راية العدو؟