رغم أن تاريخ علاقة حكام الجزائر بالمغرب مليء بالمناورات والدسائس، فإن سنتي 2005 و2008 تمثلان محطتين بارزتين في حرب الاستنزاف التي تخوضها الجزائر ضد المغرب.
فبعد فشل كل مخططاتها منذ استرجاع المغرب لصحرائه، سواء فشلها العسكري أو فشلها في التحايل على قرار وقف إطلاق النار أو في عملية تحديد هوية الناخبين أو في فرض رؤيتها الحاقدة ضمن مخطط التسوية الأممي وما تلا ذلك من استقالة جيمس بيكر، انتقلت الجزائر بعد 2005 إلى خطة جديدة تقوم على تسييس ورقة حقوق الإنسان من جهة والترويج المسموم لشعار «استغلال ثروات الشعب الصحراوي» من جهة ثانية.
وإذا كانت الجزائر قد استوعب تداعيات انتهاء الحرب الباردة عام 1989 وانعكاسات ذلك على ملف الصحراء طوال التسعينات من القرن 20، بشكل قادها إلى إخراج ورقة حقوق الإنسان وقضية «الثروات الطبيعية» عبر انتداب المكاتب الدولية للمحاماة ووكالات الاستشارة العالمية، فضلا عن تمويل منظمات غير حكومية، منذ بداية الألفية الثالثة، فإن طرح المغرب لمخطط الحكم الذاتي عام 2005 كأعلى سقف يمكن التفاوض بشأنه لطي ملف الصحراء، جعل الجزائر تمر إلى السرعة القصوى لتوظيف الورقتين المذكورتين بشكل محموم قصد جر ملف الصحراء من الحقل السياسي إلى الحقل القانوني والقضائي (La JUDICIARISATION du Conflit).
الجزائر، التي خلقت ذراعين لتنفيذ استراتيجيتها (La JUDICIARISATION) رسمت لنفسها هدفا أسمى ألا وهو أن تضمن للبوليساريو «نشوة» عبر دفع الأمم المتحدة إلى إعمال إحدى الآليات الأممية لحقوق الإنسان بخصوص المغرب: إما بإرسال مقرر أممي أو تحديد مبعوث أممي لحقوق الإنسان خاص بالمغرب أو بعث لجنة من لجن المفوضية السامية.
هذا المسعى الجزائري ظهرت ملامحه منذ عام 2005 في تقرير الأمين العام الأممي الذي ساير الجزائر في طرحها بقوله إنه «منشغل بحقوق الإنسان شرق وغرب الجدار الأمني»، لينتقل عام 2006 إلى «التنظير» لما سيأتي لاحقا حول توسيع صلاحيات المينورسو بتضمينه لأول مرة في تقريره (817/2006/5) فقرة خاصة سماها «حقوق الإنسان» أعلن فيها الأمين العام الأممي آنذاك دعمه للمفوضية السامية لحقوق الإنسان لمأسسة آلية للمراقبة الدائمة لحقوق الإنسان تسند لفاعلين أكفاء. وفي 2007 تم التصعيد في اللهجة بقول الأمين العام إن الأمم المتحدة ستبقى مستمرة في الحرص على «تطبيق المعايير» الدولية في حقوق الإنسان».
في عام 2008 سيحدث التحول، إذ بدأت الجزائر تجر المنظمات غير الحكومية الأجنبية لزيارة الصحراء (خاصة هيومن رايتس ومركز كينيدي المساندتين للطرح الجزائري بالمطلق)، ووقع تناغم بين هذه المنظمات وتقرير الأمين العام الأممي بشأن رفع مطلب «توسيع صلاحيات المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
وتمت تزكية هذا التسييس في تقارير لاحقة ليصل إلى ذروته عام 2013، بعد أن بادرت واشنطن إلى «الانتقام» من تحفظ المغرب على كريستوفر روس، الذي اعتبرته (أي التحفظ) إهانة لها كقوة عالمية! فقدمت واشنطن مسودة تطالب بتوسيع صلاحيات المينورسو، بشكل قادت الأمين العام بدوره إلى اعتماد قاموس متشدد مطالبا بـ «إجراء عملي دولي قوي بالصحراء الغربية» دون أن يذكر بالاسم تندوف، مما أكد أن الأمين العام تبنى رسميا موقف الجزائر والبوليساريو.
وبعد أن فشلت كل المساعي الجزائرية لتسييس حقوق الإنسان بالصحراء طوال عقد (2005-2016) بفضل إصرار المغرب على إبراز أنه يكرس المنظومة الأممية لحقوق الإنسان في كافة ترابه الوطني، فضلا عن تجويد حكامته الأمنية وتصديقه على كل المواثيق الدولية ذات الصلة، أضحت الجزائر تركز الآن على ورقة «الثروات الطبيعية» باستغلال الشق القانوني لابتزاز المغرب. وهي ورقة ستحترق بدورها، مثلما احترقت باقي أوراق الجزائر، بدليل أن المغرب لما استرجع الصحراء عام 1975 كانت جرداء قاحلة، وتم بذل مجهود كبير كلف موارد مالية باهظة لإعمار مدن الصحراء التي أضحت في ظرف وجيز تتفوق على عواصم جهات جزائرية فأحرى عواصم دول إفريقية عديدة.
ورقة «الثروات الطبيعية» لم تكسب فيها الجزائر سوى معركة ولم تكسب الحرب التي سيكسبها المغرب، كما كسبها عسكريا وأمنيا، بدليل ما قاله الملك محمد السادس في خطابه ليوم 6 نونبر 2014: «مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم» وما تضمنه تقرير المقررة الأممية المعنية بالحق في التغذية «هلال إلفر» الذي قدمته لمجلس حقوق الإنسان عقب زيارتها للداخلة في أكتوبر 2015، وهو التقرير الذي سجل التحول الملموس بالمغرب منذ اعتماد دستور2011.