Tuesday 14 October 2025
مجتمع

بنرهو مصطفى: التخييم بالمغرب.. رهان تربوي في حاجة إلى رؤية استراتيجية لا إلى مناظرات

بنرهو مصطفى: التخييم بالمغرب.. رهان تربوي في حاجة إلى رؤية استراتيجية لا إلى مناظرات بنرهو مصطفى

يعد التخييم التربوي في المغرب من أبرز الوسائط غير النظامية للتنشئة الاجتماعية والتربية على القيم، إذ يشكل فضاءً حيويًا لترسيخ روح المواطنة، وتقوية الحس الجماعي، وتنمية مهارات الأطفال واليافعين. غير أن هذا الرهان التربوي، الذي راكم تاريخًا طويلاً من الممارسة منذ منتصف القرن العشرين، ما يزال يواجه تحديات بنيوية وتنظيمية تحول دون قيامه بوظائفه كاملة. فالمناظرات واللقاءات الوطنية التي عقدت منذ سنة 1963 إلى اليوم، رغم غناها النقاشي وتنوع توصياتها، لم تنجح في إحداث التحول المنشود نحو رؤية استراتيجية شاملة ومندمجة تجعل من التخييم جزءًا من السياسة العمومية للتربية والتنمية البشرية، لا نشاطًا موسمياً يرتبط بالعطلة الصيفية فقط.

منذ أول مناظرة وطنية حول التخييم سنة 1963، ثم مناظرات سنوات 1973 و1978 و1982 و1987، ظل الخطاب المهيمن يؤكد على مجموعة من القضايا الجوهرية، أبرزها ضرورة تأهيل البنيات التحتية للمخيمات، وتوسيع طاقتها الاستيعابية، وتوفير التجهيزات الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي، إضافة إلى تحسين جودة التأطير التربوي عبر برامج تكوين مستمرة للأطر، وتجديد المناهج والمضامين لتواكب التحولات الاجتماعية والقيمية. كما دعت تلك المناظرات إلى اعتماد مقاربة تشاركية بين الدولة والجمعيات " التسيير المشترك التسيير الذاتي احدات صندوق انعاش المخيمات "والقطاع الخاص، وإلى إرساء حكامة فعالة قائمة على الشفافية والمساءلة. غير أن الملاحظ، بعد مرور عقود من هذه اللقاءات، أن جزءًا كبيرًا من التوصيات ظلّ حبيس التقارير الختامية التي تُعتبر في حد ذاتها منجزًا شكليًا، دون آليات متابعة أو تقييم للأثر. لقد أظهرت التجربة أن كثرة المناظرات لا تعني بالضرورة نجاعة السياسات، إذ ظلَّت العلاقة بين الخطاب والتطبيق مفصولة بغياب الإرادة التنفيذية، واستمرار الرؤية التجزيئية التي تتعامل مع التخييم كحدث موسمي لا كمنظومة تربوية مستدامة.

في محاولة لتجاوز الإشكالات المتراكمة، شهدت سنة 2008 تنظيم المنتدى الوطني للتخييم الذي أفضى إلى إعداد الاستراتيجية الوطنية للتخييم في أفق 2020، بعد مشاورات جهوية استمرت لأشهر. وقد تمحورت هذه الاستراتيجية حول خمس أولويات كبرى: تأهيل وتوسيع البنيات التحتية للمخيمات؛ مراجعة المناهج والمضامين التربوية بما يتلاءم مع قيم العصر؛ تطوير تكوين الأطر وتأهيل الكفاءات؛ تنويع مصادر التمويل وتعزيز الشراكات؛ تحديث منظومة الحكامة والتدبير. ورغم أهمية هذه الوثيقة من حيث وضوح الرؤية وشمولية المقاربة، فإن تنفيذها الميداني ظل محدودًا بسبب ضعف التنسيق بين الفاعلين، وغياب التمويل الكافي، وغياب إطار قانوني ملزم لتفعيل مضامينها. وهكذا بقيت الاستراتيجية في حدود الوثيقة التوجيهية، دون أن تتحول إلى سياسة عمومية ذات أثر ملموس في الميدان.

إن التحدي المطروح اليوم هو الانتقال من منطق الخطاب والمناظرة إلى منطق التنفيذ والتقييم. فالتخييم ليس نشاطًا ترفيهيًا، بل هو فضاء تربوي مواطن يسهم في بناء الشخصية وتنمية القدرات، ويتقاطع مع أهداف التربية غير النظامية والتنمية البشرية. ولذلك، فإن إعادة الاعتبار لهذا القطاع تستدعي تأطيرًا قانونيًا وتنظيميًا يحدد أدوار ومهام كل المتدخلين، وربط التخييم بالسياسات العمومية التربوية والشبابية، واعتماد مؤشرات لقياس الأثر التربوي والاجتماعي، وتطوير آليات للحكامة تضمن الشفافية والمساءلة في التدبير والتمويل. كما أن الإصلاح المنشود يجب أن يرتكز على رؤية سياسية واضحة تعتبر التخييم مكونًا من مكونات التربية الوطنية، وأن تعمل على تأهيل الفضاءات وتجهيزها وفق معايير السلامة والأمن، وتكوين الأطر وفق كفايات بيداغوجية حديثة، مع تعزيز ثقافة الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني.

إن التخييم بالمغرب يقف اليوم على مفترق طرق بين الاستمرار في إنتاج المناظرات والتوصيات، أو الانتقال إلى مرحلة البرمجة والتنفيذ والتقييم. فالمطلوب ليس مزيدًا من الأوراق المرجعية، بل إرادة سياسية ومؤسساتية تُحوّل الرؤية إلى ممارسة، وتُرسّخ قناعة بأن التخييم استثمار في الإنسان، لا في البنية فقط. حينها فقط يمكن للمخيم المغربي أن يستعيد مكانته كمؤسسة للتربية على القيم، ويصبح أداة فعالة في بناء المواطن وتنمية المجتمع، انسجامًا مع رهانات النموذج التنموي الجديد للمغرب الذي يجعل من الإنسان محور كل السياسات العمومية.