إن المخزن المغربي ومنذ قرون ،إستقر سياسيا شمال الصحراء ، نتاج حسابات تاريخية و مجالية و بشرية ،بسبب عدم توافر شروط الإستقرار لبناء دولة في الجنوب ،و الفاعل السياسي/الحاكم، إتخد من مجال شمال الصحراء ، الغرب الأوسط ( الرباط ) أحيانا مع الموحدين و العلويين ، أو من الجنوب اﻷوسط (مراكش )حينا أخر مع المرابطين ، أو من الشمال الأوسط ( مكناس و فاس ) العلويين و الإدارسة .... ذات شرط تاريخي ، عواصم إدارية للسلطة ! لكن القوة المؤسسة لحقل التدبير ، كانت دائما في جزء كبير منها ، رهينة لتوازنات التفاوض مع النخب الصحراوية ، و المراهنة على توظيف الولاءات القبلية الجنوبية ،من أجل ضمان إستمرار الدولة ، من خلال الجهاد ضد الأخر الكافر/ (المسيحي ) المستعمر ، أو من خلال شعارات الوحدة و الإجماع الوطني أثناء الصراع حول الحكم ، و بناء الديمقراطية ، و مرحلة الصراعات الإيديولوجية بين المعسكر الإشتراكي و المعسكر الليبيرالي . ..
إن خطاب "شرعية الحكم " ، كان باستمرار يوظف" الجنوب "، من أجل الإستمرار في السلطة . و في التاريخ المعاصر ، كانت الصحراء من خلال شعارات: الوحدة الوطنية و الإجماع الوطني و تمتين الجبهة الداخلية ، مرتكزا اساسا للخطاب الرسمي . و مجالا تنتهي فيه السياسة، و تبدأ فيه مرارا الحرب و المواجهة. بل إن أحد أهم مداخل تنزيل دستور 2011، من خلال الجهوية التي يراد لها أن تكون بوابة : الحكم الذاتي ، كاقصى تنازلات الدولة المغربية ، في صراعها مع البوليزاريو ، و كتمرين ديمقراطي أول لمرحلة مابعد التناوب و حكومة الإسلاميين ، إتخدت من الحضور الملكي في العيون و الداخلة ، كمناطق متنازع عليها في العرف الأممي ، مجالا رمزيا لتدشين ورش الجهوية على أرض الواقع ! . إن الصحراء/ الجنوب ، كانت و لازالت حقلا أساسا لتصريف المواقف و بناء الشرعية لدى النخب الحاكمة ولدى مختلف الفاعلين في المشهد السياسي المغربي .
إن قراءة سريعة ،في وجهة رأينا ، لمايقع الآن في حلبة إنتخابات أكتوبر 2016، بالمغرب عموما و مايقع في الجنوب خصوصا ، يجعلنا مؤمنين بأن مراهنات مكون من مكونات الدولة العميقة ، و أحزاب تاريخية و أحزاب إدارية على حسابات لاعبين سياسيين في المنطقة ، فيه كثير من قصور النظر السياسي من جهة ، وسوء تقدير لعمق التوازنات الانتخابية في المنطقة من جهة أخرى . مما يجعل رهان خلق تحالف حكومي جديد ، غير ذي جدوى .
- حزب الإستقلال التاريخي ، لا أحد يجهل اليوم بان توازناته الداخلية و التدبيرية الحالية ، كانت عبر التنسيق مع تيارات الجنوب المتواجدة كقوة ضاربة في الحزب و في الصحراء ، ( آل قيوح وتحالفهم بسوس و آل الرشيد في ارض الركيبات و اولاد الدليم .... و آل بولون بجهة واد نون ، و آيت باعمران في جهات الصحراء الثلاث ) . إن مراهنة حزب الإستقلال على الركيبات من خلال آل الرشيد و شبكتهم الإنتخابية و القبلية و الإقتصادية و المدنية . رهان أكثر من رابح ، ﻷنه ببساطة يستحضر الحزب كما يستحضر القبيلة .
-حزب الإتحاد الإشتراكي حزب التاريخ و النضال الديمقراطي ، راهن خصوصا في مؤتمره الأخير على نخبة إنتخابية و إقتصادية من ( آيت باعمران)، رهان كانت له أسباب تاريخية و نضالية ، و واقعية ، بحكم أن المنافس التاريخي و القبلي و السياسي و الإقتصادي .... للركيبات هم قبائل آيت باعمران . لكن هذه النخبة ، ورطت الحزب التاريخي في خطيئة إختصار آيت باعمران و الحزب في : العائلة ( ال بلفقيه و ال الدرهم .... ) و هذا سيكون له أثر سلبي سواء على الحزب أو على آيت باعمران . فالانتقال من آل الحزب ، ومن آل القبيلة ، الى آل العائلة ، ستتجاوز أضراره الخريطة الإنتخابية الصحراوية ، الى نتائج حاسمة و فاصلة ، ستتشكل على إثرها تحالفات الحكومة المقبلة .
حزب الإستقلال في الصحراء كانت لديه فراسة وشجاعة استقطاب النخب و توسيع دائرة التحالفات و تنويعها ... هذا الذي إنعدم في حزب الإتحاد الإشتراكي ، من خلال مايروج عن أسماء و كلاء اللوائح،و إذا لم يتدخل الحزب مركزيا ، لتصحيح إختياراته ، سيدفع الثمن . و الحكومة المقبلة ستكون وفقا لنتائج و تحالفات المركز مع نخب صناع الخرائط الإنتخابية في الجنوب كما هي الحالة منذ عقود . و هذا يصح على الأحزاب كما يصح على مكونات الدولة العميقة .
هناك مسافة زمن قصيرة ، ربما قد لا تكون كافية ،لتصحيح الوضع .أضف الى ذلك ، استقالة البام الذي يراقب من بعيد و يراهن على حلفائه في الجنوب و المتواجدين داخل أحزاب أخرى ، وانسحاب تاريخي موجه ! لباقي الأحزاب لحساسية الصراع القبلي و خطورة المنطقة ،كل هذا و غيره ..... يجعلنا نقول و هذا مجرد رأي : الإتحاد الإشتراكي سيتخد قرارات انتحارية ! و البام لن يحصد مع أغلب الأحزاب الأخرى غير حصيلة ضعيفة ، و أن الوضع الحالي سيترتب عنه حكومة تحالف بين حزب العدالة و التنمية و حزب الإستقلال و أحزاب من التحالف الحكومي الحالي .
كتاب الرأي