شاء من شاء وأبى من أبى، يبقى الدعاء من جملة الخيوط الرابطة ما بين سائر الديانات السماوية، والوسيلة التوسلية الموحدة بينها مهما تباعدت الأمكنة وتحولت الأزمنة واختلفت اللغات. لذلك، كان الميول بديهيا إلى الاستعانة بهذا المدخل التعبدي لاسترجاع حق، أو تفريج ضيق، أو جلب رزق، أو حتى التعجيل بجزاء مسؤول صَدَق. إلا أن مصطلح "الجزاء" هذا والذي يجد معناه بعامية بلدنا في "الله يخلصك" كثيرا ما يثير اضطرابا داخل نفسية البعض، فيبدو من ردة فعل ملامحه وكأن الداعي يريد به مكروها، أو أنه يدعو عليه لا له. مع أن كلمة "الجزاء" لا تؤدي منفردة شرحا تاما إن بالسلب أو الإيجاب، بل تظل نوعيتها رهينة بجنس العمل المترتبة عنه سواء كان يستحق الأجر أو العقاب. وبالتالي، فالحاجة إلى الإضافة ضرورية حتى تتبين حقيقة خاتمة هذا الفعل.
وعطفا على ما يميز الفترة السابقة لأي موعد انتخابي من تناثر وسخاء للوعود والتطمينات الوردية لمقتنصي التزكيات برؤية جنة الأرض وفردوس الحياة في عهدهم إذا ما نالوا ثقة المقترعين، فإن المواطن المغربي وبفعل التلقائية المجبول عليها في التعبير عن الامتنان لـ "المتفاني" في خدمة مصالحة، و"المضحية" الموصلة الليل بالنهار بين جبال الملفات لغرض تحسين مستواه المعيشي ولو بـ"جوج فرانك". وأيضا من لا يهدرون الوقت في الذهاب بعيدا ويعمدون إلى تأسيس "كوبل حكومي" من قلب المؤسسات الوزارية وفاء لمقولة "حج وحاجة" على طريقة "أنا وراجلي في عشق السياسة وسياسة العشق"، وكذا شكر من تأسره "نخوة" المواطنة، فلا يرضيه سوى تنقل مواليه في السيارات الفخمة حفاظا على سمعة واجهتهم التي هي من سمعة المصوتين عليهم من دافعي أجورهم.
لأجل كل هذا، (فإن المواطن)، أول ما يسبق إلى لسانه هو الدعاء للمسؤول أو حتى مشروع مسؤول بعبارة "الله يخلصك" وكله يقين كونه اختار أجمل ما في الأدعية للرد على النية بأفضل منها. ولو أن تلك الطيبوبة المفرطة تُخفي عنه ما يحركه دعاءه من "فعفعة" وخلل بالتوازن النفسي للمقصود بالدعاء، في الوقت الذي تُستنفر خفية كافة هواجس الصد الداخلية لديه بأسلحة "الله يخرج الطرح بسلام" و"اللهم اجعل دعاء هذا الناخب حُلما لا عِلما".
وحتى لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فبقدر ما تزعج "الله يخلصك" من يقولون ما لا يفعلون، ويفبركون الصور المزيفة قبل أن تأتي الوقائع صادمة ومخيبة للآمال، فإنها، أي "الله يخلصك"، يمكن توظيفها كـ"تيرمومتر" لقياس مستوى صدق وكذب المنتخبين عندما يخرجون من مكاتبهم بعد اعتكاف خمس سنوات، لا تقطعه سوى سفرية سياحية تحت يافطة "زيارة دبلوماسية" بالدفع الشعبي المسبق، أو دعوة لوليمة "مضخمة" مخططة بحروف من "الكافيار"، أو الحضور و"يديهم فوق ريوسهم" لنشاط ملكي تنموي برسائل التوبيخ لمن حسبهم العاهل أدرعا، فكانوها إنما لأعداء التقدم والرقي.
فينزلون للشارع أخيرا وملاقاة الكادحين "إخوانهم بقدرة قادر" زائد 60 شهرا غير محسوبة من أعمارهم، ينتمون لوطنهم، يتكلمون لغتهم، ويعتنقون نفس ديانتهم، ويخضعون لذات دستورهم، ويملكون بطاقات تعريف وطنية تشبه، سبحان الله، بطائقهم. فيُقبِّلون المعاقين منهم، ويحضنون أطفالهم الملطخين بأوحال مجاري المياه المتسخة، مع أكل الكرموص المعصوم من الوباء على قارعة الطريق، وطرح الخبز بـ"فرارن" شعبية تجاهد من أجل إطعام المهمشين، وشرب اللبن من "فم" قارورات بلاستيكية بُرأت بحكمة وحيطة مما اتهمت به "الميكا" من جرم تلويث البيئة، ولِما لا "التزغريث" في حضرة 40 مليون متفرج مغربي، للإشارة بالدليل المشهود إلى أن المترشحات وملهميهن المستنجدين بهذه الحيلة في اللعب على الوتر العاطفي للناخبين والناخبات مقابل تغييب منطقهم المستقل وتخدير إدراكهم العاقل، هم فعلا من يجسد التجني المتابعة به ظلما "النكافات" المخلصات في أداء واجبهن، المتمثل في كون رأس مالهن يُختزل في أصواتهن، وأن "اللي أمه نكافة ما يباتش بلا عشا"، بعد أن تجاهلن من أدخلهن غمار "تنكافت"، واقتصر شغلهن الشاغل في أول فرصة لتسلم مَهمة من أهم مهام التسيير الفرجوي، على التملق لمن صار في أمسية واحدة "مولاي السلطان"، واعتلى الجميع بركوب "العمارية" وسط تصفيقات المقربين منه، وأيضا من يتمنون في قرارات أنفسهم سقوطه منها و"ترياب الحفلة" من أصلها.