حدثان خطيران وقعا خلال المدة الزمنية القليلة الماضية. يتعلق الأمر برسالة مشفرة اختارت قيادة حزب العدالة والتنمية، حسب العديد من المحللين السياسيين، بعثها إلى الشعب المغربي وإلى السلطات العليا في البلاد عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا وعلى بعد أشهر معدودات عن الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر.
الرسالة واضحة ومفادها أن ما بات يعرف بكتائب العدالة والتنمية على أتم الاستعداد -في حالة عدم حصول حزبها على المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة- للإتيان على الأخضر واليابس، عبر المظاهرات والعنف الذي قد يصل حد القتل. قد يقول قائل إن هذه التحليلات مجرد افتراء وهراء وتدليس في حق هذا الحزب. أقول لهم حسنا تعالوا لنقرأ معا ما كتبه القيادي بشبيبة هذا الحزب المسمى عمر الصنهاجي. قال الصنهاجي في تدوينة له على صفحته الرسمية بالفايسبوك "الذين يكتبون الهراء ويظنون أنه يحقق ذواتهم ويميزهم في الفيسبوك أو المجتمع… هذه نماذج لأشخاص يتوجب قتلهم بلا رحمة. وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، وتعليقها بأحد الأماكن المشهورة كنوع من التهديد والترهيب للجميع لكي لا يسيروا على خطاهم". أليست هذه دعوة صريحة لقتل كل من يخالف العدالة والتنمية؟ أليست الرسالة واضحة؟ للإشارة فقط فإن القيادي بشبيبة بنكيران قد أقدم على حذف التدوينة خوفا من حجب إدارة الفيسبوك لصفحته بفعل التبليغات عن خطورة ما كتبه، لكنه لم يعتذر عن ذلك بل استمر في الدفاع عن موقفه.
لم يمض إلا زمن يسير على هذه الرسالة المشفرة حتى خرج المسمى عبد الصمد بنعباد القيادي الآخر بشبيبة حزب رئيس الحكومة ليمرر رسالة أخرى تغترف من نفس المعين. يقول بنعباد "اشنقوا أول انقلابي (يقصد انقلابيي تركيا) بأمعاء آخر اتحادي" في إشارة منه إلى أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي، واصفا هذا الحزب "بالمزبلة". جاء ذلك بعد الانتقادات التي وجهتها قيادات حزب "الاتحاد الاشتراكي" لـ "أردوغان" إثر عملية التصفية التي يقودها ضد المواطنين الأتراك من مُعارضيه.
السؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى أذهاننا الآن، بعدما وقفنا على هذا الخطاب "الداعشي" لقيادات شابة من التنظيم الشبابي لحزب العدالة والتنمية، هو التالي: هل اتخذ الحزب قرارا ما بشأن هذين القياديين؟ الجواب للأسف هو أنه لم يصدر أي قرار حزبي في حق المعنيين بالأمر، لأنهما بكل بساطة قد بلغا الرسالة المشفرة إلى من يعنيهم الأمر.
والدليل على دفعنا بأن الصنهاجي وبنعباد لم يؤديا في الواقع إلا دور "الرقاص" أو "المرسول" أو "الفاكتور" بلغة المستعمر الفرنسي، لن يعدمه من رجع منا إلى الرسالة الواضحة التي بعث بها رئيسهما عبد الإله بنكيران إلى السلطات العليا في البلاد في كلمته أثناء اختتام المؤتمر الاستثنائي لحزبه مؤخرا بالرباط. ماذا قال؟ لقد تساءل وهو يتحدث عن الانتخابات المقبلة قائلاً "هل تعرفون كيف سيصبح الشعب المغربي إذا سمع نتائج غير التي ينتظرها والآمال التي يعلق عليها قلبه؟". ليجيب بالقول أن "أي مناورة تلغي النتائج الحقيقية، ستكون لها كلفة سياسية باهظة الثمن على المغرب". لكن ما هي تلك النتائج الحقيقية التي يقصدها بنكيران وما هي انتظارات الشعب في نظره حتى قبل أن يدلي هذا الشعب نفسه بصوته في صناديق الاقتراع؟ النتائج الحقيقية لديه ليست سوى تصدر حزبه للانتخابات المقبلة وعودته لرئاسة الحكومة، لأن استطلاعات الرأي حسب بنكيران تشير إلى أن حزبه هو الوحيد الذي لديه شعبية لدى المواطنين المغاربة. (حسب هذا المنطق المعلول إذن، لماذا سنصرف ميزانيات ضخمة لإجراء انتخابات تشريعية يختار فيها المواطن المغربي من سيقوده خلال الولاية الحكومية المقبلة مادام بنكيران لن يقبل بأية نتيجة تصدر عنها سوى إذا كانت ستبوئه المرتبة الأولى؟).
كلام بنكيران كما تابعنا معا لا يحتاج، فيما أعتقد، إلى محللين استراتيجيين أو سياسيين أو خبراء في علم الخطاب وفنون التواصل. إنه كلام مباشر يهدد فيه زعيم حزب العدالة والتنمية الدولة، أو لنقلها صراحة، يهدد فيه بنكيران صاحب الجلالة بأنه لن يقبل بأية نتيجة للانتخابات ما عدا حصول حزبه على المرتبة الأولى ورجوعه إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى، وإلا فإنه سيجعل النظام الملكي ومعه الشعب المغربي "يدفعون كلفة سياسية باهظة الثمن"، حسب لغته.
كلام لا يصدر إلا عن ذي عقلية تسلطية تحكمية واستبدادية، لكنها أيضا عقلية إرهابية "بالنية القصدية" إذا ما ربطنا التصريح السابق لعبد الإله بنكيران بما تم تصريفه من رسائل من خلال تدوينتي القياديين الشبيبيين المشار إليهما آنفا. فهل يكون صناع القرار قد أخطأوا يوم عارضوا مطالبة المغاربة بحل هذا الحزب عقب أحداث 16 ماي الإرهابية قبل ثلاثة عشر عاما من الآن؟