الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الهيني: رسالة لزملائي القضاة بمناسبة انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية

محمد الهيني: رسالة لزملائي القضاة بمناسبة انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية

زميلاتي زملائي

إنكم مقبلون على انتخاب ممثليكم بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لأول مرة بنفس دستور 2011 ،أعرف أن أغلبكم غير راض عن إشراف وزارة العدل على هذه الانتخابات بحكم رئاسة وزيرها فعليا  للمجلس الأعلى للقضاء ،لأنها أرادت حتى في خضم ولادة قيصرية لهذا المولود الذي طالما حلمنا به ،أن تكون لها موطأ قدم ،لتعكر صفو الاحتفاء والتأسيس الفعلي له تنزيلا للوثيقة الدستورية،لكن مع كل ذلك فإن تضحياتكم قادرة على معاكسة اختياراتها بانتخاب من ترونه مؤهلا لتمثليكم حقا وصدقا، إن صوتكم أمانة لنضالاتكم  وقوة مبادئكم وتعزيزا لاستقلاليتكم وصونا لاستقلالية مؤسستكم الدستورية التي يجب أن تعبر عن اختياركم الحر والنزيه وصوتكم المسؤول.

من هذا المنطلق فإني أعلم أنكم تقدرون المسؤولية حق قدرها ،وتعرفون بعمق من أخلص النضال وكان وفيا للرسالة، متمسكا باستقلالية القضاء عن هوى وزارة العدل، مدافعا عن قوانين ضامنة مؤسسة للسلطة القضائية، حاضرا في جميع المحطات النضالية ،متفانيا في الذود عن حرمة القضاء وتخليقه ،مناهضا لتبعيته ،مكرسا وقته للدفاع عن الحقوق والحريات منفتحا على المحيط القانوني والقضائي، مناصرا لحرية تعبير القضاة وحقهم في التنظيم، مؤمنا أن القاضي كائنا حقوقيا مواطنا في أحكامه واجتهاداته ومواقفه،مشيعا ثقافة التضامن والإخاء وسط الجهاز القضائي. 

ولا أحتاج لأذكركم، وأنتم خير العارفين، بمن كان صوت الوزارة وأبواقها، وسوطها، لا يتحرك إلا بتعليماتها، حاضا على الفرقة والشقاق، مناصرا لتبعية القضاء لها، عدوا لاستقلالية القضاء، وخصما للقضاة المدافعين عن استقلالية القضاء، نصب لهم العداء جهارا نهارا، من أيد عزلهم صراحة أو ضمنا، بدون أخلاق أو ضمير، من ذاكرته قصيرة، ويركب كل مرة نظارات باختلاف المناسبة، لا ييأس ولا يقنط ولا يمل من النظر لنفسه أو لزملائه بدون خجل، لا يعرف للحياء ولا للشهامة والشجاعة والشرف عنوان.

في انتخاباتكم ننتظر صدق القول والفعل بربط النضال بأمانة الصوت، لأن تعبيركم ورأيكم من يعيد للقضاة اعتبارهم وللقضاء هيبته، واحترام رسالة الحقوقية في الدفاع عن الحقوق والحريات، وصون حقوق القضاة في تدبير وضعيتهم وحكامتها، حتى لا يظلم قاض عن مجرد رأيه ولا ينتقم منه بسبب انتمائه الجمعوي أو يشتط في حقه بدون حسيب ولا رقيب ولا ينال المسؤولية أو الترقية من لا يستحقها ولا يحرم منها من هو أولى بها خلقا وكفاءة لا قرابة ولا موالاة ولا توددا وتعظيما للوزير وحاشيته.

أعرف أن هناك من قد تسول له نفسه  المس بنزاهة الانتخابات ومصداقيتها وبالاختيار الحر والنزيه والمسؤول للقضاة ،من خلال مختلف أصناف الحملات الانتخابية التي عفا عنها الزمن والتي يجمع فيها بعض القضاة مثل ما تجمع الدكاكين الانتخابية وما يرافقها من ولائم ووعود كاذبة بأموال ووسائل  مشكوك فيها وسائبة وبنزوع ومصالح أنانية ضيقة لا تليق بمؤسسة القضاء ولا برسالته ،فمن واجبكم فضح كل هذه الممارسات وغيرها  من وسائل التوجيه والتأثير غير المشروع المناف  لنزاهة الانتخاب سواء صدرت من وزارة العدل أو أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أو المسؤولين القضائيين أو المرشحين أو الناخبين. 

إن الانتخابات ليست غاية بل وسيلة لتدبير سلطة من سلطات الدولة، وهي السلطة القضائية، فلا يليق بها ولا بأعضائها ما يخدش فيها ويمس بها، فالوعود هي خدمة مصالح قضاء وقضاة الوطن بمعايير الكفاءة والاستحقاق وليس ترضيات ومنافع شخصية بترقيات ومسؤوليات وتأديبات هنا أو هناك عانينا منا طيلة عقود حتى كدنا أن نحبس المصالح والوظائف والمسؤوليات عليهم أو نكتبها باسمهم.

إن طموحنا لا حد له في الاختيار الصحيح والسليم والمنسجم مع قناعات الاخيار منكم، لأنكم لن تقبلوا أن تظلموا أنفسكم وزميلاتكم وزملائكم بأي اختيار لا قدر لها يتنافى مع تضحياتنا ونضالاتنا المقدرة، فأكيد ستختارون أجود الطاقات القضائية وأقدرها على الالتزام بالمبادئ والوفاء لقسم القضاء ولرفعته وتقدمه، دون مجاملة، بشجاعة ومسؤولية وضمير وأخلاق قضائية رفيعة.

إننا نريد مجلسا أعلى للسلطة القضائية بنفحات حقوقية وديمقراطية وفق آليات الحكامة الجيدة، ينتصر للقانون ولمبادئ استقلال السلطة القضائية المكرسة دستوريا ودوليا، ويدافع عن تخليق مرفق القضاء من الفاسدين والمفسدين، ويبتعد عن التصورات الرجعية المكرسة للتحفظ، ويقطع مع العقليات الماضوية المغرقة في التقليدانية، التي تنظر إلى القضاة كموظفين، وفي الحقوق والحريات ترفا، وفي التحكم منهجا وطريقا.

إن الامر يتجاوز علاقات الصداقة والزمالة القضائية، لأن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريف، رجائي أن تصوتوا على من لن يبيعنا الوهم، فلنصوت على الأفعال التي عايناها وليس على النوايا التي لا نعلمها، على القادر على إيصال صوته بنزاهة وشجاعة وكفاءة، وليس على من اختار فيما مضى أو سيختار منهج الانطوائية والانعزالية سبيلا له، من لا يقدر على تناول الكلمة دون استئذان مسبق، من يؤمن أن دوره تقديم الشهادة على ما يدور لا المساهمة في صنع التاريخ القضائي.

أعلم أن عدد المترشحين وصل حدا لا يطاق، وأن البعض أخطأ في اعتبار المجلس الأعلى للسلطة القضائية غاية وليس وسيلة، لان النضال ليس هو نضال الترشح بل نضال تقديم الحصيلة السابقة لسنوات الحراك القضائي، فالأمر يتعلق بنتيجة وليس بمحاولة نضالية، ويمكن لأي شخص أن يميز الحسن من المرشحين عن الأحسن والأفضل، من كان يعمل ويجتهد لسنوات خلت ومن كان خلف الستار أو خلف الحاسوب.

إنكم في مرحلة تاريخية حاسمة، ارجوكم أن تحسنوا الاختيار، ودعموا من يستحق وتجنبوا بآلاف الأميال من لا يستحق ،فلن أحتاج أن أذكر الأسماء، لأن لكل اسم دالة عليه ،فالوسط القضائي يعج بالأخيار ،فتحية نضالية قضائية لكم يا أشرف الناس، يا من يشدني الحنين إليهم، ويقربني فؤادي منهم، ويشتاق لرؤيتهم، ويفرح لفرحهم ويقرح لقرحهم، فطوبى لكم أيها الاخيار، يا من يسعون لإسعاد الناس قبل إسعاد أنفسهم ،يا من ينتصرون للمظلوم ويكبحون جماح الظالم، فاكبحوا جماح من لا يستحق، قبل أن يعزلوكم فرادى أو جماعات بدون ضماناتأو يعتبرونكم حمقى في احسن الأحوال.  

زميلاتي زملائي، إن صوتكم أمانة، وقراركم قرار قضاء الوطن والمواطنين، فتلك ضمانتنا وقوتنا.