"عذرا زميلي الوزير، فقد تجاوزتم اختصاصكم وتجردتم من حيادكم وتقمصتم دورا غير دوركم.."، هكذا خاطب الاستاذ محمد الساهيد، عضو هيئة المحامين بالعيون وأكادير، وزير العدل والحريات الأستاذ مصطفى الرميد، وذلك على خلفية بلاغ صادر عن هذا الأخير بشأن جوابه على شماية وجهها حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال بشأن حكم غير نهائي صادر عن المحكمة الإدارية لأكادير، بخصوص النزاع بين المستشارة الجهوية اعزوها الشكاف (الاصالة والمعاصرة) والخطاط ينج (رئيس جهة الداخلة، الاستقلال)، إذ جاء في جواب الوزير نا يلي:
"أفيدكم أن الحكم الصادر لم يبت في المركز القانوني لرئيس الجهة سلبا أو إيجابا، مكتفيا بالبت في مدى صحة القرار الإداري السلبي للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
من أجله، أخبركم أنني راسلت السيد وزير الداخلية في الموضوع، قصد التفضل باتخاذ القرار الملائم وبتبليغه للمدعية."
جواب اعتبره الأستاذ الساهيد، "خروجا غير محسوب وغير مسموح به، من وزير أولا، ورجل قانون ثانيا"، وأضاف في تدوينة له على صفحته الاجتماعية،
أن ما يقع بجهة الداخلة وادي الذهب، أكثر خطورة مما وقع بجهة سوس ماسة، إذ بدل أن يلتزم حزب الإستقلال مبدأ الإستقلال، ويمارس حقه في الطعن استئنافيا ونقضا ضد القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير وهي تبت في الطعن المقدم ضد وزير الداخلية والسيد رئيس الجهة، نحى منحى حليفه السابق وغريمه الحالي حزب التجمع الوطني للأحرار معتمدا استراتيجية الضغط غير القضائي بواسطة شكاية بدل مقال إسئنافي،
والأنكى في الأمر أن السيد وزير العدل والحريات بدل تجاهل الشكاية المرفوعة إليه من طرف حزب الإستقلال، مادام أنها تنصب حول حكم إبتدائي يقبل الطعن وليس تقديم شكاية، وأيضا بحكم منصبه الحكومي وإشرافه المباشر على قطاع العدل، والذي يشتغل تحت لوائه السادة القضاة باستقلالهم المفترض بقوة الدستور، خرج خروجا غير محسوب وغير مسموح به".
وفي مناقشة قانونية لبلاغ الوزير، قال الاستاذ الساهيد: "إن الوارد في الفقرة الأولى من جوابكم أعلاه، اختصاص أصيل للقاضي أو المحامي، اختصاص للقاضي لأنكم تقدمون تفسيرا لحكم قضائي وتكشفون عن الآثار القانونية له، والحال أن الأمر حدد له المشرع مسطرة خاصة، منصوص عليها وعلى شكلياتها بموجب قانون المسطرة المدنية، ويصدر بشأنها حكم قضائي تفسيري وليس رأي وزاري، وهو كذلك اختصاص للمحامي لأنكم تقدمون استشارة قانونية حدد لها المشرع ممارسا وصاحب اختصاص، بموجب القانون المنظم لمهنة المحاماة، وهو القانون الذي يجردكم من صفتكم المهنية كزميل لي إلى حين..
أما الوارد في الفقرة الثانية من جوابكم، فهو يدخل إجرائيا في باب طلبات التنفيذ، وهو طلب يستأثر بممارسته المحكوم لفائدته، بعد إثباته سلوك مسطرة التبليغ وحصوله على إشهاد بعدم الطعن، فضلا عن أدائه الرسوم القضائية اللازمة لذلك، وأنتم من رفع لواء التحصيل زميلي الوزير..
عذرا زميلي الوزير، ماحدث ويحدث يقتضي إعادة النظر في المواقف، ولما لا الإعتراف بالأخطاء وتداركها من الجميع وبدون استثناء، أحزابا سياسية وسلطة تنفيذية، دفعا لكل شك قد يعترينا حول إستقلال السلطة القضائية، ويلقي بضغط الساسة وطموحاتهم على القضاة وأحكامهم".
واعتبر الأستاذ الساهيد أن هناك تطورات خطيرة، تشهدها الساحة العامة هذه الأيام، حيث أنه وفي ظرف أقل من أربعة أشهر تم خرق مقتضيات أسمى قانون أي الدستور، مرة من طرف حزبين سياسين كبيرين وتاريخيين، أحدهما كان طرفا في الحكومة والآخر عوضه بعد الإنسحاب منها، ومرة ثانية من طرف وزارتين وازنتين في المشهد الحكومي، كانتا وإلى عهد قريب تصنف من وزارات السيادة..
"خرق دستوري يرخي بتبعاته الخطيرة على مبدأ فصل السلط، ويضع موضع الشك والريبة مبدأ استقلال السلطة القضائية، كواحد من المبادئ الضامنة لتوازن العلاقات داخل نظام الدولة، المحتاج أصلا لكثير من إعادة التوزيع في الإختصاصات والصلاحيات.
الأمر هنا ينطبق على ما وقع بجهة سوس ماسة ويقع بجهة الداخلة وادي الذهب، فبعد إدانة رئيس جهة سوس ماسة من أجل جنحة إستمالة الناخبين عن طريق الوعود والهبات، بموجب حكم إبتدائي صادر عن المحكمة الإبتدائية بأكادير، خرج حزب التجمع الوطني للأحرار متناسيا كونه جزء من الحكومة، ببيان يمس بأدنى مايمكن أن يتحلى به حزب حكومي من واجب التحفظ والتجرد بخصوص حكم لازال في مرحلته الإبتدائية، وينتظر عرضه على محكمة الإستئناف ومحكمة النقض قبل صيرورته نهائيا حائزا لحجية الشيء المقضي به، موجها سهام نقده للحكم والمحكمة على حد سواء..
خروج غير محسوب أعطى الفرصة السانحة للخصوم السياسيين لحزب التجمع الوطني للأحرار، للتشكيك في القرار الإستئنافي الصادر بعد الحكم الإبتدائي والبيان الإستنكاري تواليا، بل وشكك في حياد الهيئة الإستئنافية المصدرة للقرار المبرئ للسيد رئيس جهة سوس ماسة، وهذا في نظري أخطر من التبعات السياسية لمنطوق القرار، وما يعنيه من تتبيث الحزب الحكومي على رأس الجهة.."
ويبدو أن الوزير الرميد، تنبه لهذا الخطأ القانوني وهو يعطي تفسيرا لحكم قضائي مازال يتداول في المحاكم، ليصدر بلاغ ثاني يوم 27 يونيو الماضي، من قبل رئاسة المحكمة الإدارية بأكادير، تعطي فيه تفسيرا لحكمها الابتدائي الصادر بتاريخ 31 ماي الماضي، تفسير اعتبره المحامي الساهيد، "خارج القانون"، وقال:
"كنت أعتقد أن ما شاب جواب السيد الوزير من تجاوزات قانونية، يمكن استساغته ولو على مضض، باستحضار انتمائه السياسي وحساسية المرحلة الراهنة، على بعد أشهر قليلة من الاستحقاق الانتخابي، وكسب ود حزب سياسي، يبدو أكثر قربا مرجعيا، من حزب السيد الوزير، مقارنة طبعا مع حزب الأصالة والمعاصرة، الطرف المدعي في الحكم القضائي موضوع كل هذا الشد والجدب،
ولغاية الأسى والأسف، وقع اليوم ما حذرت من وقوعه وتمنيت صدقا وغيرة عدم حدوثه، بأن خرجت علينا المحكمة الإدارية بأكادير ببلاغ منسوب لما اصطلح عليه ب: " الناطق الرسمي باسم المحكمة " وهو منصب لا أجد له سندا قانونيا واضحا، مادام أن الناطق الرسمي، ليس سوى السيد رئيس المحكمة الإدارية مصدرة الحكم، والذي يستمد إختصاصاته من مقتضيات المادة 19 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية والتي جاء فيها ما يلي:
" يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه، بصفته قاضيا للمستعجلات و الأوامر القضائية، بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية "
صراحة لأول مرة أسمع بالناطق الرسمي باسم المحكمة، مع أن إزالة حرف الميم، وإضافة حرف الواو بعد حرف الكاف، يرفع الإستغراب ويطرح أكثر من علامة استفهام، بعد الحذف والإضافة،
وبالرجوع إلى بلاغ السيد الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية، جدلا وعلى فرض وجوده، ومحاولة قراءته قراءة قانونية-نقدية، يبرز وبحدة مبدأ " نفاذ الولاية "
وهو مبدأ يعني أن القاضي بمجرد نطقه بالحكم يستنفذ ولايته في التدخل فيما قضى به، وينعقد الإختصاص للمحكمة الأعلى درجة، مع أن مبدأ " نفاذ الولاية " ترد عليه بعض الإستثناءات القانونية، التي تخول للقاضي مصدر الحكم أن يعيد النظر فيما أصدره،
من هذه الإستثناءات، نورد:
1- تعرض الغير الخارج عن الخصومة، طبقا للفصل 303 من قانون المسطرة المدنية،
2-طلب تأويل حكم، طبقا للفصل 26 من قانون المسطرة المدنية،
وعليه فما سمي بالبلاغ، ما دام أنه تجاوز مجرد تحديد مآل الملف، من كونه موضوع طعن بالإستئناف، وأحيل على محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش للبت فيه، فما تضمنه من الإشارة إلى أن الحكم لا يتعلق بإقالة السيد رئيس الجهة، يدخل في نظري في باب التأويل، وتأويل الأحكام يستلزم تقديم طلب بشأنه وصدور حكم يخضع لنفس طرق الطعن التي يخضع لها الحكم موضوع التأويل،
وما يؤكد حسب إعتقادي المتواضع، أن ماقامت به المحكمة الادارية اليوم ببلاغها يعتبر حكما قضائيا من دون طلب وخارج القانون، مايلي:
- ماجاء في البلاغ، من الحسم في أن الحكم لم يبت في أمر إقالة السيد رئيس الجهة بل فقط بإلغاء القرار الضمني للسيد وزير الداخلية، يعتبر في نظري تأويلا لعبارة غاية في الأهمية مضمنة في منطوق الحكم، وهي عبارة "مع ما يترتب عن ذلك قانونا "،
- ماسمي بالبلاغ مذيل بتوقيع السيد المستشار الذي ترأس الهيئة مصدرة الحكم، وشارك في مداولاتها، بل إنه هو القاضي المقرر في القضية"..