السبت 18 مايو 2024
مجتمع

صافي الدين البدالي: إن تفشي ظاهرة الفساد يخلق عدم الثقة في أجهزة الدولة ومؤسساتها

 
 
صافي الدين البدالي: إن تفشي ظاهرة الفساد يخلق عدم الثقة في أجهزة الدولة ومؤسساتها

توصلت "أنفاس بريس" من صافي الدين البدالي، رئيس المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام لجهة مراكش تانسيفت وعضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة، بتقرير مطول تحت عنوان "الفساد ونهب المال العام ومسؤولية القضاء في المغرب، نعرض بعض ما جاء فيه بتصرف في مايلي:

إن مايحصل من نهب لماليات المؤسسات الاجتماعية ومن استغلال للنفوذ، وكذلك ما تعرفه القطاعات الحكومية من فساد إداري في التدبير المالي والرأس المال البشري من خلال تمرير الصفقات بطرق ملتوية وتبذير المال العام خدمة للنزوات الشخصية كاقتناء السيارات الفارهة من لدن بعض رؤساء  الجهات،( جهة  درعة  تافلالت ، جهة العيون)، التوظيفات المشبوهة والتحكم في القرارات بالقطاعات المنتجة وقطاعات المراقبة، يجعل البلاد تدخل في نفق مظلم ينذر بمخاطر اجتماعية عاجلا أم آجلا. علما  بأن المال العام هو كل مال غير قابل للتملك الخاص وهو ملك للدولة، و يتكون من ضرائب مباشرة وضرائب غير مباشرة ومن مداخيل القطاعات المنتجة التابعة للدولة ومن الثروات البحرية والبرية والمعدنية. وتعمل الدولة على صيانته وحمايته من التبديد ومن النهب والفساد عبر آليات المراقبة والجزر، وإلى ذلك عرفت "منظمة الشفافية الدولية" الفساد بأنه هو "كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه او لجماعته".

وذكر التقرير أن  من بين مظاهر الفساد نجد 1 - نهب المال العام، أي الحصول على أموال الدولة والتصرف فيها من غير وجه حق تحت ذرائع مختلفة و 2 - تبذير المال العام من خلال منح تراخيص غير قانونية أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق إرضاء لبعض الشخصيات في المجتمع أو بعض النافذين في الدولة أو بعض الأشخاص    مقابل رشوة، و 3 -  الابتزاز الممارس للحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بمكانة المسئول أو بوظيفته،  مثل إسناد الصفقات  لمن لا يستحقها بطرق ملتوية، و 4 - كذلك التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو التأثير على قرارات المحاكم من أجل الإفلات من العقاب، أو شراء ولاء الأفراد والجماعات كما هو الشأن في الانتخابات وفي  تشكيل المجالس الجماعية  المحلية والإقليمية  والجهوية  والغرف المهنية.                                

وعرج التقرير إلى عرض عوامل أسباب مظاهر الفساد، فذكر من أهمها  ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته، و كذلك ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها والتي رغم قانونية   وجودها و دستوريتها، إلا أنها تظل شكلية من حيث الفعل. وعدم  تقدير تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تعتبر من حيث الإعداد مهمة وتشكل مرجعية للمحاسبة وللمسائلة، وغياب النزاهة والشفافية من لدن الحكومة في إسناد المناصب أو الإمتيازات، وغياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد  كما تنص على ذلك الاتفاقية الأممية  لمكافحة الفساد و ذلك عبر اتخاذ إجراءات وقائية وعقابية جادة ضد  عناصر الفساد و نهب المال.  

هده الأسباب وغيرها كلها تشجع على تفشي ظاهرة الفساد ونهب المال العام وتبديده، مما يحول دون تقدم البلاد ويخلف لدى  الرأي العام انعدام الثقة في أجهزة الدولة وفي مؤسساتها. تلك ظروف مناسبة للوبيات الفساد ونهب المال العام كي يستمروا في تأزيم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وزرع اليأس والإحباط والاستسلام وسط االجماهير المغربية. 

ووقف التقرير على دور القضاء في مكافحة الفساد ونهب المال العام  فأبرز بأن المشرع المغربي   خص منحى متميزا في تحديد محل الجرائم المرتبطة بالفساد وبنهب المال العام "حيث لم يشترط توفر عناصر معينة في المال محل الاعتداء، بل سعى إلى التوسيع من مجاله ومن مكوناته". وبناء على   القانون رقم 03.79 المتعلق بتغيير وتتميم القانون الجنائي تم بإلغاء محكمة العدل الخاصة، التي كانت تهتم بالجرائم المالية، وتخصيص غرف الجنايات لجرائم الأموال لدى محاكم الاستئناف بالمملكة للنظر  في الجنايات المنصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي، وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها. وبناء على المرسوم رقم 2.04.471 الصادر بتاريخ 15 شتنبر 2004، تم تحديد تسع محاكم للاستئناف للنظر في جنايات الارتشاء والغدر واختلاس وتبديد الأموال العامة واستغلال النفوذ إلى غاية 4 نونبر 2011 تاريخ صدور المرسوم رقم 2.11.445 ليتم تقليص العدد المذكور إلى أربع محاكم للاستئناف محدثة بها أقسام للجرائم المالية بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش. ويعهد لهذه المحاكم النظر في قضايا الفساد ونهب المال العام. وتعتبر هذه المحاكم آلية من آليات الجزر و الردع و التصدي للفساد وأبطاله وحماية للمال العام وتخليق الحيات العامة وعدم  الإفلات من العقاب، واستدرك التقرير أنه من خلال مجموعة من الملفات المرتبطة بالفساد ونهب المال العام التي تم عرضها على هذه المحاكم، يتبين بأن هناك عدة عراقيل تعرفها هذه المحاكم ومنها البطء  في المساطر وإصدار أحكام مجانبة للصواب، مثل ملف التعاضدية العامة حيث أصدرت المحكمة بالرباط البراءة في حق المتابعين بتهمة بتبديد أموالا عمومية تعد  بالملايير، أو اتخاذ سبل مساطر التأجيل لصالح المتابعين حتى وإن كانت الجرائم ثابتة مثل ملف الفرض العقاري والسياحي، ملف سوق إنزكان ، ملف ما أصبح يعرف بملف البنين ومن معه بمراكش والملف المعروف بإكراميات عمدة مراكش السابق عمر الجزولي, وملف بلدية قلعة السراغنة وملفات أخرى لا زالت تنتظر، الشيء الذي  يتعارض والأهداف النبيلة من إنشاء هذه المحاكم والتي تتجلى في حماية المال العام ومكافحة الفساد ..

ويخلص للتقرير إلى إن تفشي مظاهر الفساد ونهب المال العام أمر يسيء إلى سمعة البلاد وإلى    العلاقات الخارجية خاصة مع الدول التي تقدم له  الدعم المادي، مما يجعل هذه الدول تضع شروطا قد تمس بسيادة الدولة لمنحها  مساعدات .كما تساهم هذه المظاهر في العزوف السياسي وضعف المشاركة في الانتخابات نتيجة غياب الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة. وهذه كلها عوامل تتسبب في تخلف البلاد اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا وسياسيا.