السبت 18 مايو 2024
مجتمع

ما معنى أن تكون قزما في المغرب..؟

 
 
ما معنى أن تكون قزما في المغرب..؟

ما معنى أن تكون قزما في المغرب؟ وأية ضريبة مجتمعية ونفسية تُفرض عليك به مقابل أن تولد قصيرا للقامة؟ سؤالان قد تتفرع عنهما مجموعة استفسارات لا تجد لها جوابا إلا بالنظر إلى الظروف التي تعيشها هذه الشريحة، بداية بالوسط الأسري، ومرورا بالشارع، ووصولا إلى طبيعة الصورة الاعتبارية التي يعكسها تعامل مؤسسات الدولة  لهم. إذ وعلى جميع المستويات، لم يعد من باب كشف الأسرار التأكيد على معاناة كل من أصيب لسبب أو لآخر بمرض القزمة في بلدنا من صعوبات حقيقية تذيقه جرعة هَم إضافية إلى همومه، وتؤجل بالتالي تحقيق أمنيته بالشعور كمواطن عادي إلى إشعار آخر، خاصة في ظل عدم لمس ما يؤشر على  ملامح الارتقاء بمكانته الإنسانية في الواقع العملي، وتكريس، تبعا لذلك، كافة مظاهر تهميشه، أو في أحسن الأحوال التعامل معه ك"كومبارس" أهمله معظم المخرجين على مسرح هذا الوطن. "أنفاس بريس"، اقتربت من الفئة المعنية، فاتحة لها منفذا للتنفيس عما بداخلها من آلام وآمال، قبل أن تعرج على رجال الاختصاص في العمل الجمعوي وتوجه الطب العضوي، فضلا عن شقه النفسي، دون القفز عن تقفي مراحل تحول المشكل من حالات فردية إلى أزمة أخلاق وسلوك مجتمع  برمته.

 

الساعة في حدود الثامنة إلا الربع صباحا، والمكان درب الحجر بإحدى المناطق الشعبية في مدينة الدار البيضاء. أما الرابط بين هذين الظرفين فهو مغادرة الأقزام الأربعة لغرفتهم في اتجاه شارع الكمندار إدريس الحارثي، وتحديدا موقف الحافلات الذي يتوزع فيه الأب عمر رفقة أبنائه الثلاثة ، ابنان وبنت، على خطوط الحافلات المارة من هناك. إذ يصعد رب الأسرة الضرير رفقة خديجة البالغة 13 سنة في أول حافلة تصل المحطة، فيما يركب مصطفى، البالغ 16 سنة، وعبد الكبير، البالغ 21 سنة، الحافلتان الملتحقتان بعين المكان على التوالي. لتبدأ رحلة الجميع مع التسول وبيع علب العلك إلى جانب المناديل الورقية، قبل أن تنتهي مع المغيب بالالتقاء عند العربي، صاحب محل لبيع المسمن والحرشة، الذي يواضب منذ أكثر من ثلاث سنوات على منحهم كل مساء بعضا من منتوجه مجانا. يقول العربي، بأن ما يقوم به لأجل هؤلاء الأقزام لا يعدو أكثر من واجب تضامني في الوقت الذي تخلى عنهم الجميع، وتركهم يصارعون قدرهم دون سند، متأسفا على الظروف التي رافقت الأم قبل أن تلتحق بالرفيق الأعلى بعد مرض عضال، ودون التفاتة من أي جهة. مع أن الأب أيضا، يستطرد العربي، يعاني علاوة على فقدانه البصر، مرض القصور الكلوي ولو أنه لا يهتم بألمه مقابل ضمان قوت يومه ويوم أبنائه المتخلفين عن الدراسة منذ سن مبكرة، والسائرين في طريق مصير والدهم. وليس الطعام هو الوحيد الذي يخرج الأقزام الأربعة كل صباح إلى معترك التقاذف بين هذه الحافلة وتلك، وإنما كذلك متطلبات واجب الكراء (450 درهم) والماء والكهرباء. وكلها التزامات تثقل كاهلهم حد الاختناق، في حين، يستدرك المتحدث، لا أحد تخفى عليه شدة محنتهم وسبل التخفيف من حدتها، كما فعل أحد المنتخبين وإن لأغراض استعراضية، حين سدد يوما مقابل كراء الغرفة لسنة بأكملها. أو مثل رئيس إحدى الجمعيات الذي قدم لعبد الكبير مؤونة شهر رمضان، على الرغم من شبهة الغاية التي كانت استغلاله في دور  تهريجي لإحدى المسرحيات المدرجة في برنامج أنشطة الجمعية خلال الشهر الفضيل. وعلى الرغم من الوعي التام لهؤلاء الأقزام الأربعة بتخفي نوايا مستترة وراء أي مبادرة لمساعدتهم، إلا أنهم لا يجدون بديلا عن مد اليد، والتخلي عما تبقى من كرامتهم الإنسانية التي تسلبها منهم نائبات الزمان يوما بعد يوم، متخذين من الغرفة التي تأويهم على مساحة 7 أمتار مربعة الملاذ الذي يفرغون فيه كل ليلة مواجعهم استعدادا لحلول صباح بات في حكم المؤكد لهم حمله لمواجع أعمق.

 

الأقزام غاضبون

رغم أن نسبة الإصابة بمرض القزمة تنحصر في 1 من بين 10 آلاف مولود، حسب مصادر طبية، إلا أن المعنيين به ومهما بلغ عددهم به يعيشون في المغرب أوضاعا اجتماعية يصفها مراد الذي يبلغ طوله 1 متر و42 سنتيم بالتحقيرية. مضيفا بأن مجتمعنا لم يصل بعد إلى درجة الإيمان بالاختلاف، ومازال ينظر للشخص القزم وكأنه كائن غريب يستدعي تتبع حركاته بنوع من الاستغراب، مما يجعله يحس بعدم المساواة مع باقي المواطنين مهما حاول إقناع نفسه بعكس ذلك. وأشار مراد، حلاق، إلى أنه يعد أكثر حظا من مجموعة من قصار القامة بعد أن مكنته مهنته من التغلب نسبيا على الفراغ الذي يعانيه أمثاله "أنا على الأقل ساعدتني مساندة الأسرة من الحصول على دبلوم الحلاقة وفتح هذا المحل لأحصل على مصدر للعيش من جهة والاندماج ولو نسبيا مع باقي الناس من جهة ثانية". وتأسف مراد، البالغ 32 سنة، للحرج الشديد الذي يلقاه وهو يبتعد عن حي إقامته ومكان اشتغاله الذي يحس فيهما بقليل من الراحة، موضحا بأن القزم ليس معاقا بطبيعته ولكن المحيط المجتمعي هو الذي يضعه في تلك الخانة. ومن جهتها، قالت حادة المعروفة بلقب "البزيوية" بين أصحاب دكاكين و"فراشة" قيسارية "اسباتة" بالبيضاء، أنها تجاوزت منذ سنين عقدة النعوت التحقيرية التي كانت تواجهها عند كل مجيء وذهاب، واستطاعت وهي في عمرها البالغ الآن 54 سنة أن تعيش حياة طبيعية بممارستها لمهنة التجارة لما يزيد عن 30 عاما. لكن بالمقابل تصر هذه المرأة ذات الأربعة أبناء على النظر بعين الموضوعية للناس قصار القامة والاقتناع بعدم وجود أي دخل لهم فيما وجدوا عليه أنفسهم وخاصة الشباب منهم وسريعي التأثر. فصحيح أن هؤلاء، تؤكد حادة، يختلفون عن بقية الناس شكلا، إنما ليسوا أقل منهم شأنا. وعن مظاهر ما عبر عنه جواد بالحصار المضروب عليهم قال هذا الشاب البالغ 24 سنة: "عندي مشكل بعدا غير فالكيشي ديال البنك والطوبيس صعيب نطلع فيه، وحتى ملي نطلع كنلقى الحديدة عالية"، مستطردا على سبيل المزاح الجدي "دابا أنا فالطول ديالي متر و44 سنتيم بالطالون. كيفاش بغيتيني ما نكعاش ملى كنشوف كلشي مصاوب للناس الطوال وبحال إلى احنا أبصون وماكاينينش".