لفظ "الميكا" يستعمله المغاربة بشكل مكثف. ولا يقتصر هذا الاستعمال على إحالته الحقيقية التي أُعِدَّت لها حربٌ تكشِف أعطاب مجتمعنا، حاكمينَ ومحكومين، بل تندرج فيه بالخصوص إحالةُ هذا اللفظ المجازية.
وعموما، فالدلالة الحقيقية المألوفة للفظ "ميكا" مشتقةٌ أصلاً من كناية، بحيث نكني عن أحد المنتوجات بالمادة التي صُنِع منها (معدن "الميكا").
أما مجازيا، فتعني "ميكا" العِلمَ بالشيء ومعاملتَه، رغم ذلك، على أنه غير كائن أو غير موجود. هذه هي "ميكا" المجاز.
هذا اللفظ اشتُقَّ منه الفعلُ "مَيَّكْ" (أي جَعْل الموجود غير موجود)، واشتُقَّ منه المصدر "تَـمْيَاكْ". وهذا الاشتقاق يبين رسوخ هذه الكلمة في الدارجة المغربية، مع ما أبداه النظامُ الصرفي من تجاوب إيجابي.
ولكن فعل "مَيَّكْ" وكل ما يمكن أن يُشتقَّ من "ميكا"، يبدو وكأنه يمثل مرحلةَ اشتقاق دلالي لاحقة سبقَتها مرحلة كانت فيه العبارة "أقل اقتصاداً".
فلفظ "ميكا" لم يكن هكذا لفظا واحدا، لقد اقترنت به عبارة "عين": "عين ميكا".. ولربما نوجَد الآن في مرحلة انتقالية تَحتفظ بالشكلين: "عين ميكا" و"مَيّك".. وسيثبُت في الغالب الشكلُ الثاني لاقتصاده ولاندراجه بسلاسة في النظام الصرفي.
ويحمل الفعل "ميَّك"، بوصفه فعل إبصار، ما تدل عليه كلمة "عين" التي تم التخفُّف منها، بعد أن انصهرَت دلالتُها في الفعل "ميَّكْ"، نظرا لتخصُّص هذا الفعل في هذا المعنى بها، وصارت "عين" كأنها حشوية. انفصل الفعلُ "مَيَّكْ" عن "عين" وتوسع دلاليا، ولم يعد مقتصرا على الإبصار.
"مَيَّكْ" فعل معقد صرفيا ودلاليا: فعلٌ جَعْلي انعكاسي جزئي: الذي "يُـمَيِّك" يجعل عينَه عين ميكا. "الـمُمَيِّك" يُنَفِّذ عملاً ضحيتُه جزءٌ منه (العين).
"ميَّك" في أصله فعلُ إبصار، ويعني النظرَ وكأن النظر لم يقع. يعني النظرَ بدون نقل معنى ما نُظِرَ إليه. مَن "يُميِّك" لا ينقل فحوى ما رآه إلى الآخرين، أو لم يُقيِّم ما رآه التقييم الذي يقتضيه السياق عادةً.
إنه النظر ومحوُ النظر. كأنك لم تُبصِر بعينك الطبيعية، كأن عينك عينٌ اصطناعية، عين "ميكا"، بلاستيكية.. إنها عين، ولكنها لا تنظر ولا ترى.. إنها عين زائفة.
هذا المجاز مجاز تكنولوجي، يكبح النظرَ ويمحوه بجعل العين الطبيعية عيناً اصطناعية.
أما العربية المعيار فاختارَت العينَ الطبيعية؛ إنها تقول، ببساطة، "غَضّ الطَّرف"..
آخر الكلام: لن "نُـمَـيِّـكَ" ولن نغضَّ الطرف عن النفايات السامة التي استُقدمَت من إيطاليا.. لا بد من فتح تحقيق ومحاكمة المسؤولين.
(عن صفحته بـ "الفيسبوك")