ليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يظل فيها المسافرون، عبر قطارات "الخليع"، في انتظار "أبدي" وترقب "فنطاستيكي" للقطار ليقلهم إلى قضاء شؤونهم أو العودة إلى منازلهم وعائلاتهم.. يكون هذا على مدار السنة.. ولكن الأمر يزداد عذابا ومحنة في شهر رمضان، سواء كان السفر في الليل أو في النهار.. فلشهر رمضان خصوصيات لا تحتاج لكثرة الانتظار ساعة أو ساعتين.. الممثل المحبوب محمد الشوبي وقع في "مصيدة" انتظار قطار "الخليع"، أول أمس، وكتب "حرقة انتظاره" وحرقة انتظار طفل وأمه وعبرهما حرقة كل المسافرين (حرقة الاحتقار، كما سماها هو) للقطار عبر صفحته في الفيسبوك، نوردها لقراء "أنفاس بريس" كالتالي:
"أول أمس بعد أن أتممت مهمة حضوري في اجتماع يهم نقابتي التي أنتمي إليها فنيا ونضاليا، على الساعة الواحدة إلا ربع صباحا، قصدت محطة القطار، لأستقل قطار الواحدة وأربعين دقيقة صباحا، المتوجه إلى طنجة والذي سأستقله إلى القنيطرة فقط.. وبعد تناول كأس من القهوة بالمحطة، والتوجه إلى شباك التذاكر الذي لا يفتحونه إلا بعد منتصف الواحدة صباحا، سألت السيد المكلف بالتذاكر إن كان هناك أي تأخير مازحا "يمكن إلى اليوم التران غيجي قبل الوقت، حيت هاد ليام كلها وهو كيجي معطل بساعة"، فضحك وقال لي "لا اليوم عندو روطار ديال 10 دقائق صافي".. ففرحت وتوجهت إلى السكة رقم 2، لأجد أنه سيتأخر بـ 25 دقيقة، فقلت في نفسي "ما كاين باس غادي ندرك السحور بعدا". وبقيت كنتسنى، الثانية و5 دقايق، الثانية والنصف، الثانية و45 دقيقة، الثالثة، إلى أن وصلت الثالثة والنصف، وانتهى موعد السحور دون أن أشرب حتى الماء الذي لم يجده ولا راكب في هذا القطار المرعب المحتقر لمن يدعي أنهم زبنائه، ولم أصل إلى بيتي إلا بعد الرابعة والنصف صباحا، مفقوسا منهار القوى.. ولكن هنا سأقف عند ملاحظتين:
الأولى تتعلق بمفهوم الزبناء، أي متى أقول أن فلان زبون لشركتي، هي أظن عندما تكون هناك شركة أخرى تنافسني في عدد الزبائن، أما في حالة قطارنا فسأسمي الزبناء، المكرهون، ولي مابغاش يشرب زيت الفران..
والثانية تتعلق بقصة وقعت وأنا أنتظر القطار، بطلتها أم شابة وطفليها، الأول في التاسعة من عمره والثاني في العام الأول، وكانت المسكينة من هندامها وكلامها ومشيتها، تصرخ في وجه الكل فقرا وفاقة وطيبوبة الكادحات في هذا الوطن، لعلها كانت تعمل في بيت أناس أثرياء خادمة ولم يتركوها إلا بعد أن قضوا منها مأربهم في المطبخ والمنزل.. وكانت المسكينة متجهة نحو مدينة سلا تابريكت، ولم تجد طاكسي في ذاك الليل ليقلها، ومن الغبن أنها كانت تشرح لأبنها الذي كان يرقب القطار من الاتجاه المعاكس، ويقول لها " أمي راهو جاي"، فتقول "لا راه ما غيجيش من تم راه غايمشي من تم".. لكنه يعيد الكرة لأنه لا يعرف الاتجاهات.. فشرحت له "راه غيجي من كازا سيدي بليوط وغيدوز على المحمدية والسخيرات فين كاينة عمتك ويدوز لبوزنيقة وعاد أكدال وعاد غيجي للرباط لوداية هنا".. أحسست بأن هذا القطار يضرم النار في البسطاء من الشعب على حد سواء، ويحتقر الجميع ويجعل من طفل يسهر رغم أن نمو الأطفال يكون بالنوم المنتظم...
قبحك الله يا زمن قطارات الخليع"...