بسبب ظروف تاريخية واجتماعية معينة، نجد المرأة في جل المجتمعات مهمشة وغير فاعلة في صنع القرار. الحكومات، البرلمانات، المجالس المحلية، الجمعيات، النقابات، الأحزاب وغيرها من الهيئات يقودها الرجال والرجال وحدهم أو بأغلبية مطلقة. المجتمعات التي انطلقت نحو التنمية والبناء الديمقراطي فهمت أنه لا يمكن لها بناء مجتمعاتها بنصف مشلول، فقررت بذل كل ما في وسعها من أجل تبويء المرأة المراكز التي تستحقها. إذ لاحظوا أنه لا يعقل أن يكون بالمجتمع خمسون في المائة من النساء، بينما بالمؤسسات المنتخبة ثلاثة أو عشرة في المائة! أكيد أن هناك خللا ما. هذا الخلل هو موروث ثقافي واجتماعي يقف حاجزا بين المرأة ومشاركتها الكاملة في دورة صنع القرار. فإما أن ننتظر أن تتغير الثقافات والظروف الاجتماعية عبر قرون من الزمن لتجاوز هذه الحواجز وضمان مشاركة المرأة مشاركة فعلية، وإما يجب العمل من اليوم لرفع هذا التهميش. إذا انتظرنا الزمن سنضيع عقودا من حياة مجتمعاتنا وفرصها في التنمية, بل من شأن ذلك أن يزيد الوضعية تقهقرا وظلامية.
وإذا تدخلنا اليوم، من خلال الأنظمة والقوانين، سنتمكن من تجاوز هذه المثبطات ومساعدة المرأة على احتلال الأماكن التي يجب احتلالها لتسريع وتيرة المشاركة النسائية. ومن خلال ذلك، تسريع التطور الثقافي والمجتمعي الذي يسمح بالمشاركة النسائية بشكل تلقائي.
لذلك، عمل الديمقراطيون والمدافعون عن هذه المشاركة بمفهوم "الكوطا" أو الحصة والمحاصصة. مفهوم الكوطا مفهوم بسيط انتخابيا وعميق ثقافيا.
العمل بنظام الكوطا -في مجال المشاركة النسائية- يعني أننا نتفق مسبقا على تمثيلية للنساء لا يجوز النزول أدنى منها. فمثلا، إذا كنا نريد انتخاب مجلس من 100 فرد، نقول إننا اتفقنا على كوطا نسائية 40%. معنى ذلك أننا نجري الانتخابات والمجلس المقبل سيضم على الأقل 40 امرأة، وعلى الأكثر 60 رجلا طبعا.
لماذا التذكير بهذه البديهيات البسيطة؟ لأن جل الأحزاب تمارس نظام الكوطا بالخطأ!
في نظام الكوطا، الترشيح يكون حرا، والتصويت حرا. يمكن للرجال والنساء أن يترشحوا على حد سواء، وفي نفس اللائحة، والمصوتون يصوتون على من أرادوا رجالا أو نساء، دون أن يعتبروا في التصويت أي شيء. المصوتون يصوتون بحرية دون الاهتمام بالجنس، لأن الكوطا تطبق في النتائج، وليس خلال الترشيح أو التصويت. عند فرز الأصوات، إذا وجدنا مثلا أن 45 امرأة فازت، أي أكثر من الكوطا، فذلك جيد ونعتبر أن ثقافة المصوتين تجاوزت الكوطا، وهذا تطور مهم. فيتكون المجلس من 45 امرأة و55 رجل. أما إذا وجدنا مثلا أن 70 رجلا هم الفائزون وفقط 30 امرأة، فإن نظام الكوطا يقتضي حذف الرجال العشرة الأواخر من بين السبعين لصالح النساء العشر الأوائل في لائحة الانتظار بحيث نحصل على 40 الحد الأدنى.
من الخطأ تخصيص لائحة خاصة بالنساء. نتحدث عن الانتخابات داخل الهيآت (الانتخابات البرلمانية والبلدية لها ضوابط وظروف أخرى). إذا خصصنا لائحة خاصة بالنساء، فمعناه أننا حكمنا على النساء بعدم تجاوز الكوطا. لا يمكن لهن في حالتنا مثلا الحصول إلا على 40 مقعدا، لا أقل ولا أكثر. بينما روح نظام الكوطا هو أن لا تقل التمثيلية عن هذه النسبة، لكن يمكن تجاوزها، بل يجب العمل على تجاوزها.
هناك نساء ورجال يقومون ضد الكوطا، باعتبارها تمييزا. والجواب على ذلك سهل. هو تمييز إيجابي لتطوير المجتمع، كما يمكن استعماله كنظام لصالح الشباب أو المعاقين أو أي فئة اجتماعية ندرك أنها مهمشة. بل إن الفكرة تطورت ولم تعد تمييزا ولو كان إيجابيا. كيف؟ اليوم، لا نقول إننا اتفقنا على أن لا تقل نسبة النساء عن كذا وكذا (40% مثلا)، بل نقول "..على أن لا تقل نسبة أي جنس عن 40%". أي أننا نعطي ضمانة للجنسين معا دون تمييز، ونهدف إلى تواجد الجنسين دون تهميش طرف على آخر. وإذا فازت 80 امرأة سنطبق الكوطا وتصبح النتيجة نجاح 60 امرأة و40 رجل. انتقلنا إلى كوطا النوع بدل الكوطا النسائية.
المشكلة في بلادنا أن الكوطا لم تساعد لحد الساعة على تشجيع النساء على الانخراط بالأحزاب والجمعيات والمؤسسات، بل إن كثيرا من النساء داخل الأحزاب أضحين يجدن راحتهن في عدم تواجد نساء من جنسهن تنافسهن على المناصب المحصل عليها عن طريق الكوطا.! وهذا تحريف خطير لغايات نظام الكوطا، واهم غاية هي توسيع مشاركة النساء في تدبير الشأن العام.
لذلك، سيكون من المفيد التنصيص على أن كل امرأة استفادت من نظام الكوطا في أحد الاستحقاقات، لا حق لها في الاستفادة من هذا الحق مرة أخرى، بل عليها التعويل على عملها ونضالها ومشاركتها للفوز مرة أخرى وترك الفرصة أمام امرأة غيرها ربما لم تساعدها الظروف بعد لمنافسة أقرانها الرجال ندا لند. هكذا، نضمن أن لا تتكون عندنا "نخبة الكوطا" أو تجار الكوطا، مثلها مثل المعاديين للمرأة، لا مصلحة لهن في المشاركة النسائية!! تجار الكوطا فرز انتهازي لنظام الكوطا سواء في موضوع النساء أو الشباب أو أي مضمار آخر. من فازت مسفيدة من نظام الكوطا عليها تطوير مشاركتها لتتمكن مستقبلا من الفوز بدون هدا الدعم حتى تترك الفرصة لغيرها، وهكذا.. حتى تتوسع المشاركة النسائية يوما بعد يوم.