المدن هي كالأشخاص منهم من لا ترتاح له وتنفر منه ومن التعامل معه ومنهم من تستأنس بالإرتباط به، ومحبته والعيش معه؛ لما يوفره لك من نشوة وسعادة، كما شرح ذلك الفارابي في كتابه حول المدينة الفاضلة عندما اعتبر المدينة التي يعنيها هي التي يجتمع فيها الناس من أجل التعاون على الأشياء التي تحقق السعادة ، ونحن في هذه الحلقات التي ستنشرها تباعا في "الوطن الآن" لن تكلم عن كيفية نشوء وارتقاء بعض المدن المغربية ولا عن مشاكلها وطرق تدبيرها و تخطيطاتها العمرانية لكن سنحاول أن نرى ماضي هذه المدن بعين الحاضر بحثا عن سعادة مفقودة، وكيف خلقت المدن هذه الحميمية مع ساكنتها رغم ما يسببه فضاؤها الممتد والمتعدد من إكراهات وضغوطات من خلال تجارب معاشة لبعض الباحثين والكتاب وهي نظرة تروم فتح نقاش حول المعرفة بالتاريخ المحلي و إغناء تمثلنا للمحيط القريب.،،،والحلقة الأولى منشورة في العدد الحالي 663 لأسوعية "الوطن الآن "، ليوم الخميس 9 يونيو 2016 هي للباحث الزميل والكاتب المصطفى جماهري بعنوان " دفاتر الجديدة من أجل ذاكرة متسامحة "حيث جاء في بحثه :
(...فكلما كانت معرفتنا بمحيطنا أفضل إلا واستطعنا التفاعل معه بشكل إيجابي لما فيه المصلحة العامة. ثم إن هذه المعرفة لا تخص الماضي بل تعني الحاضر قبل كل شيء وكما يقول المؤرخ "مارك بلوش"، أحد مؤسسي مدرسة الحوليات، التي أعطت دفعة كبيرة للتاريخ المحلي، إن "عدم فهم الحاضر ينتج حتما عن جهل بالماضي". وتتحقق الإفادة عمليا عبر إغناء مناهج التعليم ونقل المعرفة من جيل إلى آخر. وأضاف جماهري بأن كتابة التاريخ المحلي كثيرا من الوقت والجهد والتطوع. فبحكم انصبابها على التفاصيل والجزئيات، فإن الباحث لن يظفر منها في سوى بالنزر اليسير. وليس ضروريا أن يكون المرء مؤرخا للاهتمام بهذا التخصص، بل هو يحتاج، كما يقول ذ. عبد السلام الشدادي، الإلمام كذلك بالسوسيولوجيا والاثنوغرافيا والقانون والفلسفة والعلوم الاجتماعية. وقد تولد اهتمامي بالبحث في تاريخ مدينة الجديدة منذ ثمانينيات القرن الماضي. حصل ذلك بعد زيارة العلامة محمد المنوني للجديدة قصد المشاركة في المهرجان الثقافي لسنة 198، والذي قدم بالمناسبة اقتراحا لمشروع كتابة تاريخ المدينة والجهة يقوم على إنشاء خزانة توثيقية لدعم المشروع. وللأسف فإن اقتراحه لم يجد آذانا صاغية ممن يعنيهم الأمر. بقيت فكرة العلامة تراودني، فقمت بتعاون مع المعهد الفرنسي بالجديدة بتنظيم لقاءات مع بعض قدماء سكان المدينة للحديث عن ذكرياتهم زمن الحماية. وقد حظيت هذه اللقاءات الشفوية التي جرت لثلاث سنوات من 1987 إلى 1989 باهتمام شريحة الشباب...).