الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: في ظل منع ندوة الحراك وسؤال الديموقراطية، هل تعيش الحسيمة حالة استثناء؟!

محمد المرابط: في ظل منع ندوة الحراك وسؤال الديموقراطية، هل تعيش الحسيمة حالة استثناء؟! محمد المرابط

منع سلطات الحسيمة لتظاهرة حقوقية لـ "منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب"، حول "الحراك وسؤال الديموقراطية وحقوق الإنسان"، ليس جديدا بالنسبة لذاكرة الحسيمة و"المنتدى"؛ إذ للخزامى ذاكرة مع المنع، كما للمنتدى، فهناك "ألفة" في هذا الباب، لن تزيد الذاكرة إلا إصرارا على درب النضال الديموقراطي. لذلك سأقف على موضوع هذا المنع من زاوية أخرى.

في نفس اليوم 12/1/2018 الذي تم فيه إشعار المنتدى بقرار منع هذه التظاهرة المبرمجة في العشرين من هذا الشهر، خرج من بلجيكا، الجمهوري/ اليميني/ الليبرالي، كما يعرف نفسه، مصطفى ورغي (من مؤسسي منظمة "أنزوف" الحقوقية)، لينتقد الدكتور التدموري والمنتدى، في سياق الدعوة إلى مقاطعة اللقاء الأوروبي بفرانكفورت في 3 و4 فبراير 2018، لتوحيد اللجن الأوروبية لدعم الحراك، باعتبار أن المنتدى -وهو يمثل في نظر الورغي الذراع الحقوقي لحزب "البام"- هو من يقف وراء هذا اللقاء المرتقب. وبهذا يكون الالتقاء الموضوعي بين المخزن والجمهوريين في مناهضة "المنتدى". وبالرغم من أن الورغي لا يعرف التدموري، كما يقر بذلك، فإنه لم يتردد في نسبة التدموري ومنتداه الحقوقي إلى المخزن، مع انتقاد المنسق الأوروبي للمنتدى، عبد المجيد الحقوني، مما يبين أن هناك جهات وراء الأكمة توحي بالأراجيف للوجوه الجمهورية التي تطل علينا من أوروبا، عبر المباشر/ اللايف. لكن حسب هذا التوصيف  الذي طال التدموري، يكون المخزن هنا ضد التدموري "الممخزن". وهذا يعبر عن بؤس الأفق المخزني وهو يناهض المنتدى الذي يمثل جزءا من التوجه الديموقراطي في أوروبا، في مواجهة الجمهوريين هناك. وبهذا يكون قرار منع تظاهرة الحسيمة يضعف الجبهة الداخلية، ومن ثم فهو يزكي أطروحة الجمهوريين من ملف الحراك. والملاحظ أن منع هذه التظاهرة أحرج أراجيف الورغي فتم حذف الفيديو من اليوتوب، بعد ذلك. فهل سيحرج في المقابل الآن العقلية المخزنية المتحجرة؟

لا أخفي أن قرار هذا المنع، قد أربك انسياب كتاباتي، وأنا أقف على هذا المستجد الذي يعيدنا لنقطة الصفر بالتساؤل: هل لظهير العسكرة تعبيرات أخرى غير تلك التي "حسم" فيها نظريا وزير الداخلية؟ كنت أظن أن الجهات المعنية برصد اتجاهات الرأي العام، ستلتقط عمق إشاراتنا ونحن نواكب فكرة "التظاهرة" في ظل معادلة الداخل والخارج ، من منطلق حشد التأييد اللازم لأفق الحل السياسي لملف الحراك، لكن يظهر أنها لم تستوعب جيدا متطلبات هذه اللحظة الوطنية التي تستوجب بتجردها، النفير العام لتأليف القلوب ،في مناخ من الثقة المتبادلة، على أرضية "سددوا وقاربوا وأبشروا"، من منطلق تعاقدات سياسية جديدة.

من هنا، حملني هذا المنع على استعادة جانب من ذاكرة الكتابة؛ فقد كتبت مرة منذ بضع سنوات، في شأن الذين يسوقون لأمير المؤمنين وهم الإصلاح لا استحقاقاته في الحقل الديني، أنه بعد أن يرحل الراحلون بفيئهم سيبقى أمير المؤمنين لوحده يواجه سؤال المشروعية. وكان خطاب العرش 2017، على وعي بجانب من هذا المعنى، لما أشار إلى تنصل مختلف المسؤولين من مسؤولياتهم وإلقائها على القصر، بقوله: "عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه".. فعجز المخزن البين في التعاطي الايجابي مع تداعيات حراك الريف وغيره من باب الاستيعاب الواعي، ومساس السياسة الحكومية بالتوازنات الاجتماعية، سيجعل الملك في مواجهة سؤال المشروعية، الملتهب على أسنة رماح الجمهوريين .

في تقديري، أن منع تظاهرة المنتدى -بالرغم من كون دلالة السياق، تجعلها مندرجة ضمن مقاصد خطب عاهل البلاد مؤخرا، وهو يعلي من فضيلة النقد والنقد الذاتي، ومن إرادة إصلاح أعطاب سيرنا الجماعي استنادا إلى صلاحياته الدستورية- يبين من جهة ،أن الحسيمة تعيش بالفعل حالة "استثناء" غير معلنة، بالرغم من تفاؤلنا من رمزية الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الانسان والمنتدى بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والتي قلنا بشأنها إن الحسيمة بدأت تستعيد حياتها الطبيعية على مستوى التأطير السياسي. كما يبين من جهة أخرى  طبيعة النخب المخزنية التي تخشى من تحمل مسؤولية سلطة الملاءمة، بدفع الأمور إلى الحائط، سواء بالمنع أو بنوع تكييفات المتابعات أو بسقف الاحكام، لدرء هاجس المساءلة بدعوى التقصير أو شبهة التعاطف. ولعل هذه العقلية تعقد من إصلاح الدولة لأخطاء المخزن لاحقا. لذلك تنتصب في ورش الملك الإصلاحي مهمة إصلاح المخزن أولا لبناء منطق للدولة الديموقراطية. وهذه فكرة سبق أن ألمحت إليها في كتابات الحراك، وأعيدها من باب الأمل في أن يساهم النقاش السياسي في الحد من تغول المخزن المتخم بعقلية "لا أريكم إلا ما أرى" الاستبدادية.

وفي كل الأحوال، لن يخسر الديموقراطيون إلا حسن نيتهم، كما أعلن من قبل هذه الخسارة، مهندس استراتيجية النضال الديموقراطي في البلاد، الفقيد العزيز سي عبد الرحيم بوعبيد. وفيما عدا ذلك تبقى "قافلة التحرير تشق طريقها بإصرار"، كما صدحت بذلك حناجر عنفوان شبابنا. وتلك الأيام نداولها بين الناس!