الأربعاء 27 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

الحسين الدومي: الصعوبات التي تواجه المدرسة المغربية وآلية التغلب عليها

الحسين الدومي: الصعوبات التي تواجه المدرسة المغربية وآلية التغلب عليها الحسين الدومي


       تعتبر المدرسة مؤسسة تربوية يقضي فيها أبناءنا جل أوقاتهم، وهي من سبل بناء الخبرات المتنوعة، و تهييئهم لاكتساب مهارات أساسية في ميادين مختلفة من الحياة، كما توفر الظروف المناسبة لنموهم الجسمي و العقلي والاجتماعي، وهكذا فالمدرسة تساهم بالنمو النفسي للمتعلمين و تنشئتهم الاجتماعية و الإنتقال بهم من الإعتماد على الغير إلى الإستقلال وتحقيق الذات.

بيد أنه في كثير من الحالات نرى أن المدرسة تنظر إلى المتعلمين  كما لو كانوا مجموعة متجانسة لا تمايز فيها و لا تفرّد، وبذلك فهي تغفل سماتهم العقلية و النفسية و الاجتماعية و لا تراعي الفروق في استعداداتهم  وقدراتهم وميولهم و اتجاهاتهم ورغباتهم وطموحاتهم، ولا تراعى التغيرات في النمو النفسي لدى المتعلمين في كل مرحلة من مراحل النمو، و في تلك الفترات يحدث لبعض الطلاب مشكلات نفسية و تغيرات قد تؤدى بهم إلى القلق والإحباط بل حتى درجة الاكتئاب، وكذلك هناك بعض المتعلمين الذين يتسمون بالخجل أو الخوف من المواجهة أومن يعانون من الاضطرابات النفسية نتيجة المشكلات العائلية أو بعض المشكلات الذاتية، فالمتعلم المثالي النموذجي هو الذي يبدي اهتماما بالدراسة واحتراما لقوانين وأنظمة المدرسة و العاملين فيها.

      ونجد في كثير من الأحيان أن المدرسة لا تفهم حاجات الطالب ومشكلاته الدراسية والمدرسية ، ولا تتهيأ لمواجهة متطلبات نموه العقـلي والمعرفي والاجتماعي، بل تقف في وجهه وتتهمه بالكسل ومن ثم يظهر الطالب سلوكيات لا تتناسب مع المعايير الاجتماعية السائدة ، وتؤخذ هذه السلوكيات أشكالاً مختلفة تظهر في القسم كالعدوان و السخرية واللهو و التمرد واللامبالاة أو الانطواء و العزلة  والتوترات الانفعالية وعدم الرغبة في المدرسة والهروب منها.

    كل ذلك يزيد من قلق المتعلم واضطرابه وينعكس سلباً على تحصيله الدراسي، وأما الأهل فهم يشتكون من حالات ضعف مستوى أبنائهم وتحصيلهم، غير مدركين للأسباب الحقيقية الكامنة وراءها أو سبل علاجها، و قد يلجأ البعض منهم إلى الأساليب القسرية وغير التربوية لحث أبنائهم على الاجتهاد وكثيراً ما تكون النتائج سلبية.

   من هذا المنطلق أصبحت الضرورة ملحة لاعتماد المدرسة على خدمات المستشار النفسي المدرسي  كوسيلة فعالة من أهم وسائل التربية المتطورة والحديثة، في عصر تتغير فيه الاحتياجات بتسارع مذهل، وتتصاعد فيه المشكلات في البيئة المدرسية والعائلية و الاجتماعية والحياتية.

وتعتبر خدمات الإرشاد النفسي أداة تربوية نفسية شاملة تساعد على إشباع احتياجات أبنائنا وتقوية حوافزهم وإثراء خبراتهم، وهي تسهم بشكل كبير في تحقيق النمو السوي لديهم وفقاً لميولهم و قدراتهم واستعداداتهم، وتقدم لهم إرشادات تساعدهم على حل مشكلاتهم الدراسية بأسلوب علمي تربوي، وعلى تجنيبهم الشعور بالفشل وعدم القدرة على التكيف الدراسي و الشعور بالنقص وغير ذلك، وهي تحقق لهم إمكانية الاستمرار في الدراسة و متابعتها و حل ما قد يعترضهم من صعوبات تعليمية وتعلمية مختلفة تحول دون نجاحهم.

     ويركز التوجيه والإرشاد الذي يقوم به المستشار النفسي المدرسي على إمداد الطالب بالمعلومات المتنوعة والمناسبة وتنمية شعوره بالمسئولية بما يساعده على فهم ذاته والتعرف على قدراته و إمكاناته ومواجهة مشكلاته واتخاذ قراراته، وهو العملية التفاعلية التي تنشأ عن علاقة مهنية بناءة بين مرشد (متخصص) ومسترشد (متعلم) يقوم فيها المرشد من خلال تلك العملية بمساعدة المتعلم على فهم ذاته ومعرفة قدراته وإمكاناته، والتبصير بمشكلاته ومواجهتها وتنمية سلوكه الايجابي، وتحقيق توافقه الذاتي والبيئي للوصول إلى درجة مناسبة من الصحة النفسية في ضوء مجموعة من الفنيات والمهارات المتخصصة والتي تستخدم في العملية الإرشادية.

  ويتطلع العاملون في المجال التربوي إلى إيجاد حلول للارتقاء بالمدرسة عموما في كثير من   الجوانب، والتي ينبغي أن تبنى على أساس ضبط العلاقة المضطربة بين المعلم والمتعلم، والتي  تداعت بشكل خطير وغير مسبوق، ومن الممكن أن  تكون للمستشار النفسي بصمة ودور في هذا البناء.

وهنا قد يتساءل أحدهم هذا كلام منطقي وجميل، ولكن هل يوجد في المغرب من هم مؤهلين لهذه العملية ولهم من الكفاءة ما يمكنهم من هذا الدور؟ نعم هناك أصحاب الكفاءة المهنية تخصص الاستشارة النفسية والأسرية، والذين تكونوا لأجل هذا الغرض، وهذا التخصص هو من بين كثير التخصصات التي برمجتها الحكومة فيما يعرف بـ ''برنامج 25 ألف مجاز".