الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يونس مليح: الخطاب الملكي بين الصرامة الواقعية والصراحة البناءة

يونس مليح: الخطاب الملكي بين الصرامة الواقعية والصراحة البناءة

بداية، يجب القول بأن الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس أمام أنظار زعماء الدول الخليجية في إطار القمة الخليجية-المغربية، لم يخرج عن إطار باقي الخطابات الملكية السابقة التي اتسمت دائما بطابع الصراحة والصرامة والواقعية، كما أن هذا الخطاب بالذات يعكس مدى التلاحم والانسجام الذي يطبع العلاقات المغربية الخليجية، وهو ما عبر عنه العاهل المغربي بقوله :" لقد تمكنا من وضع الأسس المتينة لشراكة استراتيجية، هي نتاج مسار مثمر من التعاون، على المستوى الثنائي، بفضل إرادتنا المشتركة. فالشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة. لذا، نجتمع اليوم، لإعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، التي بلغت درجة من النضج، أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها المؤسسي، وآلياتها العملية. وهي خير دليل على أن العمل العربي المشترك، لا يتم بالاجتماعات والخطابات ولا بالقمم الدورية الشكلية، أو بالقرارات الجاهزة، غير القابلة للتطبيق، وإنما يتطلب العمل الجاد، والتعاون الملموس، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها، وفي مقدمتها التجربة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي".

فالخطاب الملكي الخاص بالقمة الخليجية-المغربية تناول ثلاث محطات رئيسية، تكمن الأولى في المكانة التي تحتلها دول الخليج بالنسبة للعلاقات المغربية، ومسار التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، وتطابق وجهات النظر في شتى المستويات السياسية والاستراتيجية، والعمل على تعزيز التجارب الناجحة. كما تناول الخطاب الوضع الحرج وعملية التمزيق التي يعرفها الشرق العربي، والوضعية المتأزمة التي يعرفها العالم العربي بصفة عامة، والمؤامرات التي تحاك لهذه الدول من خلال تحليل جيوسياسي لمستقبل الشعوب العربية.

فلا شك وأن توقيت هذه القمة يأتي في زمن تعيش فيه المنطقة العربية مشاكل عديدة، خصوصا الحرب التي تعرفها اليمن، والتقلبات التي تعرفها هذه الاخيرة والصراعات المختلفة من أجل إرجاع الشرعية لليمن. بالإضافة إلى العلاقات الخليجية الإيرانية المتأزمة، والعلاقات القطرية المصرية غير المتوازنة، والأزمة السورية التي تتزايد يوما بعد يوم وتؤثر بشكل مباشر على باقي دول المنطقة، وما تعيشه دول ليبيا والعراق من وضع متقلب ومن حرب على الإرهاب. فالقمة حسب ما جاء في خطاب الملك محمد السادس "تأتي في ظروف صعبة. فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل و تشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي. فبعدما تم تقديمه كربيع عربي، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز".

بالإضافة إلى ما تم ذكره، فالمغرب عمل على تنويع شراكاته مع حلفائه الاستراتيجيين، وهو ما يتبين بالملموس من خلال الزيارات الملكية التي قام بها العاهل المغربي إلى العديد من الدول، من بينها روسيا والهند، والتي عرفت المصادقة على اتفاقيات في تهم شتى المجالات، وذلك من أجل تعميق الشراكة بين هذه الدول، ومن أجل فتح قنوات جديدة للتواصل مع دول تعتبر رائدة في مجالات اقتصادية، تكنولوجية، وعسكرية، وسيعمل المغرب في الأيام القادمة على إطلاق شراكات مع دول أخرى من قبيل الصين الشعبية، وهو ما أكده الملك بقوله: "كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها". الشيء الذي يعزز طرح حرية المغرب في اختيار أصدقائه وحلفائه الاستراتيجيين الذين سيشكلون ركيزة أساسية ومساهمة في تنمية اقتصاديات الدول، وسيشكل نموذج جديد من العلاقات المبنية على تعزيز آليات الأمن والأمان والسلام، فالمغرب كما جاء على لسان الملك "حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه ، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم".

النقطة الأخرى في هذا الإطار، وهي العلاقات الأمنية الخليجية-المغربية، والتي اعتبرها الملك محمد السادس علاقات مشتركة، يجب أن يتم بلورتها وتطويرها عن طريق تضافر جهود جميع دول التعاون الخليجي، من أجل المشاركة الفعلية والفعالة في خلق مجموعة متحدة من الدول العربية، هدفها الدفاع عن حوزة التراب العربي، ومواجهة الإرهاب الذي أضحى وباءا وجب مواجهته والتصدي له بكل حزم، عن طريق شراكة خليجية- عربية-مغربية. فالمغرب كما جاء على لسان الملك " نواجه نفس الأخطار، ونفس التهديدات، على اختلا ف مصادرها ومظاهرها .فالدفاع عن أمننا ليس فقط واجبا مشتركا، بل هو واحد لا يتجزأ. فالمغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم. وهو ما يحر ص على تجسيده في كل الظروف والأحوال، للتصدي لكل التهديدا ت، التي تتعرض لها المنطقة، سواء في حرب الخليج الأولى، أو في عملية إعادة الشرعية لليمن، فضلا عن التعاون الأمني والاستخباراتي المتواصل".

النقطة الأخيرة التي ركز عليها الملك في خطابه، هي القضية الأولى التي تشغل بال كل المغاربة منذ أكثر من 40 سنة، وهي قضية الصحراء المغربية، إذ وجه الملك ردا صريحا، قويا، ومباشرا للأمين العام للأمم المتحدة، على تصريحاته التي تمس بمغربية الصحراء، بحيث أكد جلالته بأن الأمين العام ضرب وجه الحائط كل الأطروحات التي وضعها المغرب من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء المغربية.

فالمغرب حسب خطاب الملك، لم ولن يتنازل على شرعية تواجد المغرب في صحرائه، إذ نوه المغرب بالدور الفعال والجدي الذي لعبته دول الخليج في قضية المغاربة الأولى، بحيث كانت دائما قضية الصحراء المغربية هي قضية دول الخليج، وفي المقابل ندد بالتصريحات غير المسؤولة والمنحازة للأمين العام للأمم المتحدة، وتصرفاته غير المقبولة، التي تنم على شن حرب بالوكالة على المملكة المغربية، حيث جاء في الخطاب بأنه: "قد بلغ الأمر إلى شن حرب بالوكالة، باستعمال الأمين العام للأمم المتحدة، كو سيلة لمحاولة المس بحقوق المغرب التاريخية والمشروعة في صحرائه، من خلال تصريحا ته المنحازة، وتصرفاته غير المقبولة، بشأن الصحراء المغربية .ولكن لا تستغربوا. فإذا عرف السبب، بطل العجب. فماذا يمكن للأمين العام، أن يفعله وهو يعتر فبأنه ليس على اطلا ع كامل على ملف الصحراء المغربية، مثل العد يد من القضايا الأخرى. بل إنه يجهل تطوراته الدقيقة،وخلفياته الحقيقية. وماذا يمكن للأمين العام القيام به، وهو رهينة بين أيدي بعض مساعديه ومستشاريه، الذين يفوض لهم الاشراف على تدبير عدد من القضايا الهامة، ويكتفي هو بتنفيذ الاقتراحات التي يقدمونها له"، وهو الأمر الذي يؤكد على تشبث المغرب بمغربية صحرائه، وبمخطط الحكم الذاتي الذي أكد العالم على جديته وفعاليته في انهاء النزاع المفتعل.