الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: تجريم الاعتداء على الخيار الديموقراطي بدل تجريم التشكيك فيه

مصطفى المنوزي: تجريم الاعتداء على الخيار الديموقراطي بدل تجريم التشكيك فيه

تجريم التشكيك في الاختيار الديموقراطي هو حق أريد به باطل ، صحيح أن الدستور ضم الخيار الديموقراطي إلى « التوابث » ، لكن يبدو أن هناك محاولة لتوظيف هذا الضم من أجل تبرير عودة طابع « القداسة » والذي تخلت عنه المؤسسة الملكية لصالح الخيار الديموقراطي كمدخل لهيكلة مقتضيات الملكية البرلمانية بمثابة توليفة توفيقية بين النظام الوراثي و الديموقراطية نفسها ، وعوضت بالتوقير ، في حين لا أحد ينازع في بقية مكونات شعار الدولة ، وتوابث الأمة الأخرى ، تأسيسا على أن الخيانة ليست وجهة نظر .

إن الخيار الديموقراطي يبقى مسلسلا مفتوحا ومتحولا ومتراكما ، و ممتدا ، نظرية وممارسة في الزمان والمكان ، كالهوية الجدلية ، ويخضع للتقييم والتقويم ، حيث لا يتصور أنه تابث لا يتغير ، خاصة وأن مطلب الدمقرطة لازال يعثر أمام مقاومة محافظة ، لا تؤمن بالإصلاح والأحرى تغيير الوضع ، فالديموقراطية وسيلة وغاية ، ولا يعقل أن نعتبر من ينتقد الوسيلة ، في سيرورتها ، مجرما « يشكك » فيها ، وبالأحرى إذا اعتبرنا أن انتقاد أو نقد الديموقراطية كصيرورة لا تنسجم مع الغاية التي كانت منشودة ، وهذا يتنافى مع قاعدة « تناغم النتائج مع المقدمات » ، وإن كان يعزز النزعة الميكافيلية المؤطرة والمهيكلة لثقافة « الغاية تبرر الوسيلة » ، لذلك فإن تجريم التشكيك في الخيار يمهد لتجريم الحق في الاختلاف وبالأحرى حرية الفكر والمعتقد والتعبير ، مما يعني أن المقتضى غير دستوري ، ويتعارض مع الخيار الديموقراطي نفسه والذي تمت دسترته ليساهم في تزكية نوايا المشرع الدستوري والتي لم تتجاوز ، لحد الساعة ، عتبة الإعلان . لذا وجب الحرص ، في سياق الانتقالات السياسية والثقافية ، على حماية الخيار الديموقراطي بإبداع آليات تربوية وحقوقية وثقافية ، دون أن تكون حماية « جنائية » ، فهناك ما يستوجب هذه الأخيرة عدا الخيار الديموقراطي كحلم وفكرة لا زالت تتبلور ، فالتعاقدات والالتزامات الناجزة والنافذة والمبرمة كالأحكام القضائية القطعية والمكتسبة لقوة الشيء المقضي به ، هي من يتطلب الحماية القانونية ، والجنائية على الخصوص ، في زمن لا زال مطلب « ربط المسؤولية بالمحاسبة » يراوح المكان . وحتى نكون منسجمين مع حسنا الديموقراطي ، نقر بأننا لا نمانع في تجريم من يعتدي على الخيار الديموقراطي ، اعتداء ماديا ، باستعمال كل وسائل الإكراه والقوة والعنف المادي والرمزي وغيره ، باعتبارها وسائل تتنافى مع خيار التدبير السلمي للصراع ، والذي يعد نفسه جزء من بنيات نسق وصيرورة المسار الديموقراطي . من هنا وجب استدعاء علم الاجتماع القانوني لدعم مشروع سن استراتيجية وضع حد الإفلات من العقاب ، كتوصية من بين توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، صادقت عليها الدولة في شخص ممثلها الدستوري ، ولا زالت في رف انتظار تفعيل مسطرة الإلزام وترتيب جزاء عدم الإلتزام.