في عام 2013 طالبنا بإحضار الجيش لتسيير الدار البيضاء، وتعالت أصوات محذرة من العودة إلى سنوات الرصاص والانتهاكات، معللة ذلك بأن إحضار الجيش يتعارض مع الخيار الديمقراطي الذي ارتضاه المغرب، والحال أن المناداة على الجيش لا ترتكز على هذا الفهم السطحي، بل تستند بالأساس على ما يتميز به الجيش من انضباط وتقيد بالأوامر وتنفيذ الالتزامات واحترام الوقت والبحث عن المردودية والنجاعة، وهي صفات للأسف أضحت مفتقدة في الساهرين على تدبير شؤون الدار البيضاء، الذين يتعاملون مع الصفقات وأوراش التأهيل الحضري ببرودة تفوق صقيع سيبيريا، بشكل أدى إلى تعطيل مصالح المواطنين وجعل التنقل بالدار البيضاء شبيه بحصة تعذيب في جهنم.
لنأخذ مثالين بارزين يفضحان عجز منتخبي ومسؤولي العاصمة الاقتصادية عن الإشراف والتتبع للأوراش:
المثال الأول يهم تهيئة مدار عزبان قرب كلية الحقوق بطريق الجديدة.
المثال الثاني يهم تهيئة قنطرة مرجان كاليفورنيا.
فرغم حساسية الموقعين وأهميتهما في حركية التنقل بالدار البيضاء، -بالنظر إلى أن مرجان كاليفورنيا يمثل الشريان الرئيسي نحو المطار ومراكش، ومدار عزبان يمثل عصب التنقل إلى الأحياء الصناعية بجنوب غرب المدينة والربط مع جنوب الواجهة الأطلسية للبلاد- فإن الأشغال تسير بوتيرة سلحفاتية مما عطل الورشين، وزاد من عذابات مستعملي الطريق.
فالدار البيضاء جربت التسيير المباشر للمرافق، وجربت التعاقد، وجربت شركات التنمية المحلية، ومع ذلك أخفقت في تمكين السكان من الحق في جودة العيش، كما جربت الدار البيضاء اللجوء إلى انتداب وزارة التجهيز لإنجاز الأوراش، ومع ذلك واجهت الإخفاق والفشل.
فما المانع إذن من اللجوء إلى خدمات الجيش؟ ما المانع من الاستنجاد بالقوات المسلحة الملكية؟ أليس من حق الدار البيضاء طلب تدخل فرق الهندسة العسكرية للإشراف على الأوراش الكبرى مثل عزبان ومرجان ونفق الموحدين ونفق عين السبع، وما بقي عالقا من أوراش لم تخرج للوجود بعد، رغم التوقيع عليها أمام الملك في 2014 (نفق غاندي والزرقطوني مثلا).
خذوا الجدار الأمني بالصحراء، ألم تنجزه فرق الهندسة العسكرية في رمشة عين رغم سقوط القنابل والقذائف والصواريخ التي كان يطلقها العدو الجزائري والبوليزاريو على المغرب؟
خذوا الفيضانات التي ضربت الدار البيضاء عام 2002، ألم تكن سامير والمحمدية على وشك الحرق لولا تدخل فرق الهندسة العسكرية التي أنقذت المغرب من جحيم رهيب؟
خذوا الفيضانات الأخيرة التي ضربت الشمال، ألم تتدخل عناصر الهندسة العسكرية لنصب القناطر لربط الريف الشرقي بالريف الغربي في لمح البصر؟
نعم الجيش مسخر لحماية المغرب من أي هجوم لعدو محتمل أو عدو فعلي (لا ننسى أننا مازلنا في حالة حرب مع الجزائر والبوليزاريو)، لكن العدو ليس دائما هو الجيوش الأجنبية المتربصة بالحدود. فالتخلف والبيروقراطية وتكاسل المسؤولين وفشلهم و«غياب الكبدة» لديهم على العباد والبلاد يعد أيضا عدوا للشعب المغربي.
لا يعقل أن نهيئ مدار عزبان بـ "مطرقة" و"ملاسة" بمنطق «سير ضيم»، في الوقت الذي تمر من هذا الممر حوالي 120 ألف سيارة في اليوم، وفي الوقت الذي يؤمن مدار عزبان المرور نحو عمالة الحي الحسني التي تقطنها ساكنة توازي ساكنة العاصمة الرباط!
لا يعقل أن نتفرج على تهيئة قنطرة مرجان كاليفورنيا بـ "طورنوفيس وبيران" (tournevis et burin) وبمنطق «للي زربو ماتوا»، في الوقت الذي تعبر من هذا الممر أزيد من 120 ألف عربة في اليوم..
ها هي بريطانيا (مهد الديمقراطية) تستنجد بالجيش لفك العزلة عن مطار لندن بسبب العواصف الثلجية، لإيمان حكام بريطانيا أن كل توقف للمطار هو توقيف لنبض قلب البلاد.
فليتم إخراج الجيش من الثكنات لدحر كل من يرغب في إيقاف نبض قلب المغرب. الكرة الآن، في ملعب الجنيرال عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للجيش للتقدم بملتمس الإنقاذ لملك البلاد.