الأربعاء 27 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

أحمد فردوس:رثاء الرجال

أحمد فردوس:رثاء الرجال الزميل أحمد فردوس ( وسطا)
أخط إليك رسالتي الأخيرة قبل توديعك اليوم.
صديقي مونير، أخي سلامي، الشهم، الصادق والأمين، أصررنا جميعا على أن تعود لبيتك ، أمس الخميس الأسود، بعد الحادثة المفجعة على بعد 13 كلم من أبي الجعد، وأنت في الطريق من اليوسفية صوب بيت العائلة هناك، لتقضي يوم العيد بين أحضان الوالدة والإخوة والأخوات، رفقة الطاهرة المناضلة زوجتك الشاهقة القامة، وابنتك كوثر الجميلة. لا بأس، سأسميه قضاء وقدر ومشيئة الله.
حين حملت الأيادي تابوتك الخشبي من سيارة الاسعاف القادمة من خريبكة الأبية، وعبرت باب البيت باليوسفية نحو الغرفة التي ستستريح فيه بضع ساعات، قلت مع نفسي، يا الله، ذهب حيا وعاد ميتا، أهكذا هو الموت، لا يعطي قيمة للأشياء، لا يمنحنا حتى لحظة الوداع، يسرق منا قلوبنا النابضة بالحب والعشق . يا الله. هل فعلا مات الصديق هل فعلا رحل.؟؟؟
مونير علمنا ما لم نكن نعلم، لقنننا دروسا في الوفاء والإخلاص، سواء داخل الإطار أو خارجه..... أتعلم أيه الموت أن الذي سرقته منا إنسان لا يعوض في زمن المذلة والنذالة والحقارة والرداءة؟
أتعلم أيها الموت أنه كان أول من يستيقظ في المدينة الفوسفاطية ليرتب جدول أعمالها وينطلق نحو العطاء:
ـ يسأل عن حال وأحوال صديقنا خالد مصباح، المبحوث عنه من طرف بوليس الوطن.
ـ يبتاع جريدته المفضلة لقراءة عمل الكاريكاتير ليستنبط موضوع فقيدنا حمودة.
ـ يستقبل المطرودين من عمال الفوسفاط وزعيمهم الراحل السي محمد معامير.
ـ يفتح باب مكتبه لتنفيذ التزاماته المهنية الفوسفاطية في زمن القمع، محاولا أن يجد حيزا من الوقت ليشتغل مع فعاليات المدينة ويجهز لها طلبياتها ( لافتات، دعوات، صور ..)
ـ يعرج على مقر النقابة العمالية، والحزب السياسي إن كان هناك ما ينتظره من كتابة على الأوراق البيضاء، والسؤال عن مشوار النضال في عز أيام السيديتي والاتحاد الاشتراكي.
ـ قبل غروب الشمس يرتشف قهوته السوداء، ليخطط منهجية العمل بجمعية الشعلة. وبين المغرب والعشاء يمارس طقس المحبة والوفاء في حضرة الأسرة تواصلا وسؤالا.
ـ قبل العشاء يلج لمحراب الفن متخشعا صامتا حتى لا يزعج فرشات الصباغة ولوحاته الناطقة بهم الطبقة العاملة، وعشق الحياة، وواقع المجتمع.
ـ وفي منتصف الليل نحكي سيرة الأجداد والأولياء الصالحين، ونستمع لقصاصات العمل التاريخي للأستاذ حمزة مصطفى، وروايات علي المدرعي عن المخيمات وعمل الشعلة المنير.
أتعلم أيها الموت الشقي أنه أول من :
ـ علمنا تقبيل كسرة خبز تخلى عنها صبي على حافة الطريق. ووضعها قريبة من أعشاش العصافير.
ـ علمنا أن نقول الحقيقة، في المسرح والسينما وورشات التربية على المواطنة في حضرة الأطفال واليافعين والشباب.
ـ علمنا أن نتكلم قليلا ونعمل كثيرا، ونغلق آذاننا، كلما بدأ الضجيج والزعيق .
مونير هو أول من علمنا الحرف الجميل كتابة، ولقننا مبادئ الفن في صمت، وحب الفقراء، وعشق الأنبياء، واحترام عمال مناجم الفوسفاط. ومد جسور الإخاء بين من نتقاسم معهم هم الفكرة في المدرسة.
عشق الخيول وفرسانها. هام في سماء البارود مع جمعية التراث، واعطى كل ما في جعبته من أفكار عملية لجمعية الشعلة منذ التأسيس، ألم يكن هو أول من أدخل مفهوم معرض للتعريف بالمدينة على جميع المستويات.؟
أيها الموت تذكر:
أن الراحل كان بيته زاوية ومحج لجميع الأقلام الصحفية المناضلة حقا. وكان بنية استقبالية للشعراء و للفنانين والموسيقيين ورجال الدين والفاعلين الجمعويين، والسياسيين والنقابيين. من الماء إلى الماء.
تذكر أيها الموت:
أن مونير كان أول المناضلين، و المحسنين، والمتضامنين، والمتكافلين مع الجميع دون استثناء.
أكتب رثائك والدموع تغالب نظري، وتحجب عني الورقة البيضاء التي تبدو ناصعة مثل كفنك البهي، لأن ذكراك وذاكرتك التي رسمتها على طريق العطاء والإخاء والصبر والأنفة، لن تمحى من ذهن الإخوة والأصدقاء والرفاق والزملاء.... سيبكيك الجميع ويشهد على روحك الطيبة بأنك ستبعث مع الأنبياء و الصديقين والشهداء.