الجمعة 22 نوفمبر 2024
ملفات الوطن الآن

من هي اليد القذرة التي تحرك الأمم المتحدة وأوربا للتحرش بالمغرب؟!

من هي اليد القذرة التي تحرك الأمم المتحدة وأوربا للتحرش بالمغرب؟!

جدل مقلق يحيط بعلاقات المغرب بمحيطه الدولي، فكلما تحقق لنا انتصار ما في حلبة ما من حلبات الصراع العالمي كلما برز في الأفق تشوش بطعم الانكسار يربك خطواتنا، ويعيدنا إلى الخلف. لقد راكمت بلادنا عددا من المكتسبات التي كرستها كبلد لحوار الثقافات والشعوب، ولفض المنازعات الدولية والإقليمية، وكمصدر ثقة المجتمع الدولي لكن تتفجر بين أيدينا، من حين لآخر، جمرات خبيثة من دول أو هيئات مختلفة بهدف التأثير على قضيتنا الوطنية والنيل من مكونات سيادتنا. فهل هي ضريبة تواجدنا في عالم متناقض المصالح؟ أم هي اختيارات القدر لاختبار مناعتنا الداخلية والخارجية؟ أم هو تعثر ذاتي خالص؟ أم هي «تقويسات» عين لعينة كما قد يتبادر إلى ذهن المغربي البسيط الذي يتوق إلى أن يرى وطنه آمنا ومسالما؟
يجب القول إن وضع الجدل المقلق الذي نعيشه على امتداد السنوات الأخيرة ليس حالة شاذة قياسا إلى باقي دول المعمور، فكل دولة مهما علا شأنها أو تقلص تتعرض للهزات، ومع ذلك فمن حقنا أن نتساءل حول حقيقة ما يعوق تطورنا بقصد التجاوز واستشراف آفاق أكثر سلاما لوضعنا الإقليمي والدولي.
ربما التوتر الأشرس الذي عشناه في السنوات الأخيرة هو قيام السلطات الفرنسية، في فبراير 2014، باستفزاز مكشوف من خلال الانتقال إلى مقر السفارة المغربية بباريس لإبلاغ المسؤولين هناك بدعوى قضائية تفيد اتهام مدير جهاز «الديستي» المغربي بممارسة التعذيب، وإمعانا في الاستفزاز أخضعت أجهزة مطار شارل دوغول، في مارس 2014، وزير الخارجية صلاح الدين مزوار لتفتيش مهين. حادثتان لا تضربان فقط الأعراف الدبلوماسية المنتهجة، ولكنهما تسيئان إلى الإرث الإيجابي المشترك بين المغرب وفرنسا ثقافة وتاريخا ومصالح مشتركة. ولذلك كان لا بد أن ينتفض المغرب، وكان من نتائج ذلك وقف التعاون القضائي بين البلدين، ومن حسن الحظ أن الحكمة قد انتصرت في الأخير بعد دخول قائدي البلدين على الخط.
تحرش آخر يطال المغرب في الثلث الأخير من سنة 2015، وهذه المرة من مملكة السويد التي قادها تنامي قوة أحزاب اليسار الراديكالي والخضر إلى الضغط على الحكومة لإشهار ورقة الاعتراف بـ«دولة الجمهورية الصحراوية»، ضدا على السياسة الحيادية التي كانت تطبع سلوك الساسة الإسكنداف تاريخيا. والأخطر في هذا التحرش أنه لم يجعلنا فقط نقف على بياضات الأداء الدبلوماسي المغربي، وعدم قدرته على التأثير في سياسات دولة عريقة كالسويد، ولكنه وضعنا إزاء فضيحة صارخة تمثلت في كون النازلة نبهتنا إلى أن بلادنا لم تكن تتوفر على سفير هناك منذ سنة 2014 إثر استقدام السفير المغرب من ستوكهولم ليشغل مهمة والي مدينة العيون. لكن النازلة نبهتنا، من جهة ثالثة إلى أهمية المقاربة التشاركية في البناء الدبلوماسي الموازي، بعد أن قامت وفود الأحزاب الوطنية من المعارضة والموالاة بزيارات إلى المنتديات السياسية السويدية لوضع المعنيين بالأمر هناك إزاء حقيقة جذور القضية الوطنية والتباساتها، وكشف حقائق الأمر، وهو ما أثمر نتائج إيجابية عجلت بتراجع الحكومة السويدية عن قرار الاعتراف يوم 14 يناير الماضي.
في الفترة نفسها، قررت المحكمة الأوربية، يوم 10 دجنبر2015، «الطعن في الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي المتعلق بإجراءات التحرير المتبادل في مجال المنتجات الفلاحية والمنتجات الفلاحية المحولة ومنتجات الصيد البحري». الأمر الذي أثار اندهاش المسؤولين المغاربة بالنظر إلى أن لا شيء يدعو إلى هذا الموقف ما دام برتوكول الاتفاق متطابقا مع الشرعية الدولية، ومع روح الشراكة التاريخية التي تربط بين الطرفين، وهو ما أدى بالمغرب إلى رفض القرار، وإلى تعليق الاتصال مع الاتحاد الأوربي في 25 فبراير 2016، وترك الوقت للوقت ليستعيد الاتحاد رشده بما يتناغم مع المشترك المغربي الأوروبي.
وكما لو أن هناك قائدا واحدا للأوركسترا، فقد صوت البرلمان الأوروبي، في 17 دجنبر2015، (أسبوعا واحدا فقط بعد قرار المحكمة الأوروبية) على مقترح توسيع صلاحيات البعثة الأممية «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. وكان واضحا أن المقترح مشحون بالأثر السياسي أكثر من الأثر القانوني على اعتبار أن تلك الصلاحيات من اختصاص الهيئة الأممية، ومع ذلك فقد أبان التصويت على المساحات الكبرى التي يشغلها خصوم وحدتنا الترابية في المنتظم الدولي، خاصة صمن منتديات اليسار وروافد المجتمع المدني.
وتكتمل آخر ملفات هذا الجدل المقلق في علاقتنا بالمحيط الدولي من خلال إقدام بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، في 5 مارس 2016، بزيارة تندوف، وإدلائه بتصريح يمس بالسيادة المغربية عبر وصف الوضع الراهن بأقاليمنا الجنوبية بـ«الاحتلال». وهو ما يتنافى كليا مع مقررات منظمته التي ظلت دوما تحترم معجما يراعي طبيعة الملف ويراعي حياد المنظمة. الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول حقيقة هذه الخطوة غير المتوقعة من أمين عام لا يمكن أن ننتظر منه إلا العمل على تصريف الاختيارات الدولية في الموضوع، وأن يقوم بالمطلوب موضوعيا، أي أن يجري إحصاء المقيمين في تلك مخيمات تندوف، وأن يفتح تحقيقا أمميا في حقيقة المساعدات الإنسانية الدولية التي تقدم للصحراويين انسجاما مع تقارير عدد من المنظمات الدولية التي فضحت مآل تلك المساعدات وأن يدفع في اتجاه حل سياسي متفاوض بشأنه.
باستعادة كل تمظهرات المد والجزر كما عاشها المغاربة على امتداد السنوات الماضية، وجوابا عن الأسئلة التي افتتحنا بها هذه الورقة، يتبين أن صناع القرار الخارجي باتجاه بلادنا لا يمكن أن يكونوا قد صدروا فقط عن أهواء السياسة في الغرب، ولا يمكن أن يكون ذلك قد تم وفق بناء منطقي للأسباب والنتائج، وإلا فسنكون إزاء مواقف عبثية معلقة في الهواء. إذ لا يقبل المنطق أن يكون المغرب الذي اكتسح مساحات هامة في آليات التعامل الدولي هو نفسه البلد الذي يتهدد بهذه الآليات. لقد نجح المغرب في نفس الفترة، موضوع هذه التساؤلات، في أن يعقد مع الاتحاد الأوربي عدة اتفاقات لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة الوافدة من الشرق والجنوب، وذلك بإقامة إجراءات حمائية عبر تحوله من بلد عبور إلى بلد إقامة، مع ما يعنيه ذلك من تكثيف المقاربة الاجتماعية والإنسانية بدل المقاربة الأمنية، ونجح في الوقت نفسه في إسناد الجهد الدولي بخصوص المسألة السورية عقب اندلاع «الربيع العربي». وفي الإطار نفسه احتضنت أرضه، في نونبر 2014، الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، وفي دجنبر الماضي، احتضن اتفاق المصالحة مع الأطراف الليبية المتنازعة. وفي السياق نفسه اختيرت بلادنا لاستضافة الدورة القادمة لقمة المناخ برعاية الأمم المتحدة في نونبر 2016 بمراكش، وهو البلد الذي تم انتقاؤه ليكون شريكا للحلف الأطلسي من خارج حدود هذه المنظمة.
هناك خلل ما في مكان ما. هذا المكان لا يمكن أن يتمثل فقط في ضعف الأداء الدبلوماسي المغربي الذي هو حقيقة قائمة بكل تأكيد. كما لا يمكن أن يكون متمثلا فقط في الدور الفعال للدبلوماسية الجزائرية التي عرفت كيف توظف أطروحتها «الثورية» العتيقة عبر استمرار التواصل مع تنظيمات اليسار الراديكالي في أوربا، وكذلك عبر تسخير عملاء وخونة مغاربة للنيل من السيادة الوطنية. ولأن الأمر كذلك يمكن الذهاب بعيدا في التحليل للتساؤل حول ما إذا كانت هناك استراتيجية ما لتوريط المغرب في مخطط ما. بهذا الخصوص، يذهب بعض المحللين إلى اعتبار التحرشات الغربية المتوالية على بلادنا قد يكون الهدف منها جر المغرب إلى لعب أدوار قذرة بالنيابة عن الغرب. نستحضر بهذا الخصوص معطيين اثنين قد يكون لهما مفعول ما في التجاذب الراهنة.
ـ المعطى الأول يتعلق بخصوص الحرب المنتظرة على داعش داخل التراب الليبي، وهي الفكرة التي ترفضها الجزائر، وتتردد بخصوصها مصر، وتريد أن تتجنبها تونس، ولذلك قد تكون تلك التحرشات تسويغا لجر المغرب إلى ما يريده الغرب عبر دفع بلادنا إلى الانخراط في حرب برية ضد داعش حتى لا يبقى هناك مبرر ما للتراجعات في دول الجوار الليبي.
ـ أما المعطى الثاني فيفيد التشويش على الدور الداعم اللامشروط للمغرب تجاه المملكة العربية السعودية في صراعها مع إيران، وعبر أذرعها في اليمن والبحرين ولبنان... خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار «الطبخة» غير المكتملة التي يهيئها الغرب في المحيط الملتهب المحيط بالفضاء الإيراني السعودي، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الذي جدد الأحلام الشيعية في المنطقة على خلفية تردي العلاقات بين الدول العربية التي صارت منشغلة بالصراعات البينية أكثر من انشغالها بالصراع التاريخي مع إسرائيل.
مهما يكن من احتمالات صواب هذا التحليل أو خطئه، فالمؤكد أن المغرب يوجد اليوم في بؤرة التجاذب الحاد ضمن لعبة الأمم التي لا تعرف الصداقات الثابتة، لأنها تعرف فقط مصالحها الثابتة. ولذلك لا اختيار للمغرب سوى أن يواصل بناءه الديمقراطي عبر مزيد من توسيع فضاء الحريات وإقرار العدالة الاجتماعية وترسيخ التنمية التي تستهدف الإنسان المغربي البسيط وإصلاح مشهدنا الحزبي ليعود إلى سابق عهده في إنتاج النخب السياسية المتشبعة بالدفاع عن المصالح الوطنية ووضع خطة لتقويم أعطاب أدائنا الدبلوماسي.
إنه الاختيار الوحيد الذي قد يكلفنا ضرائب جسيمة بحسابات المصالح، لكنه قد يكسبنا نقطا إضافية في مجال استثمار المستقبل، وفرض اسم المغرب في نادي الأمم المتمدنة.

 

فرنسا: فبراير - مارس 2014:
فرنسا والمساطر  الفجة  للاشتراكيين

 

تماما كما لو أن المشهد مقتطع من أفلام مطاردات عصابات المافيا، ففي مساء 20 فبراير 2014، توجه سبعة من رجال الأمن الفرنسي نحو مقر إقامة السفير المغربي بباريس قصد إبلاغه دعوة السلطات القضائية هناك للتحقيق مع مدير «الديستي» عبد اللطيف الحموشي الذي زعمت السلطات القضائية الفرنسية وجوده هناك. وكان موضوع الدعوى شكاية مزعومة تقدمت بها جمعية شبح تدعى «منظمة العمل المسيحي من أجل إلغاء التعذيب»، بدعوى قيام الحموشي بممارسة التعذيب الممنهج على كل من عادل لمطالسي والنعمة أسفاري، وهما معا من ذوي السوابق الجنائية. فالأول كان قد حكم عليه بعشر سنوات نافذا في قضية تهريب المخدرات، والثاني متورط في قتل أفراد من قوات الأمن في أحداث مخيم إكديم إزيك.
احتج المغرب بقوة على الحادث غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين، معبرا عن رفضه البات لـ«المسطرة الفجة التي تم اتباعها والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها، وكذا الحالات القضائية التي تم التطرق إليها، والتي لا أساس لها»، وارتبكت ردود فعل الساسة الفرنسيين الذين وعدوا بإجراء تحقيق في الموضوع. لكن لم يمر سوى أسبوعين حتى عادت فرنسا الأنوار إلى ممارستها الكيدية نحو بلادنا، بإقدامها يوم 6 مارس على إخضاع صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي، إلى التفتيش المذل بمطار شارل دوغول في طريق عودته من الديار الهولندية. ولأن الكيل قد طفح فقد عمد المغرب إلى دعوة السفير الفرنسي بالرباط للاستفسار في الموضوع، وإلى إيقاف اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين. ومن ثم دخلت العلاقات أصعب مراحلها لتذكرنا بمرحلة مشابهة تعود إلى فترة رئاسة فرانسوا ميتران، خاصة بعد احتداد مواقف السيدة الفرنسية الأولى آنذاك من قضية وحدتنا الترابية، وإثر صدور كتاب «صديقنا الملك» لجيل بيرو سنة 1990.
القاسم المشترك بين المرحلتين وجود الاشتراكيين في الحكم.

 

شتنبر  2015 :
«المحاربة» منيب تكسب معركة السويد

 

في هذه الفترة كانت الأروقة السياسية في السويد تتداول فكرة الاعتراف بـ «دولة الجمهورية الصحراوية» بفعل الضغط الذي مارسته مكونات اليسار الراديكالي والخضر المعروفة بتعاطفها مع الأطروحة الجزائرية. ويعود هذا المسعى المعادي للمغرب إلى سنة 2012 التي كان البرلمان هناك قد صوت لصالح الاعتراف، ولذلك اغتنم نفس اليسار صعود بعض مكوناته إلى الحكم سنة 2014 ليحيى نفس الورقة. الأمر الذي دفع بالرباط إلى استفسار السفيرة السويدية في الموضوع، وإلى إيفاد وفود من البرلمان، ومن الأحزاب الوطنية، وضمنها بشكل خاص الوفد المميز الذي ترأسته نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، في أكتوبر الماضي. وإلى جانب ذلك أقدمت السلطات المغربية على إيقاف مشروع شركة «إيكيا» السويدية بالمغرب.
واستمرت المفاوضات إلى أن أعلنت السويد رسميا في 14 يناير الماضي عن تخليها عن مشروع الاعتراف، وقد أكدت مارغو فالستروم وزيرة الخارجية بهذا الخصوص بأن جهود بلادها «ستتوجه بالكامل نحو دعم عملية الأمم المتحدة»، و«أن الاعتراف لن يسهل هذه العملية».

 

دجنبر  2015: المغرب يرد على استفزاز المحكمة الأوربية

 

فجأة، وكما لو أن مسلسل التعاون بين المغرب والاتحاد الأوربي بلا تراكمات أو مكتسبات، أصدرت المحكمة الأوروبية قرارا يتم بموجبه الطعن في اتفاقية التعاون الفلاحي بين الاتحاد الأوربي والمغرب الذي تمت المصادقة عليه في 8 مارس 2012. ومعناه استثناء الصادرات الفلاحية القادمة من الصحراء المغربية. وبهذا الخصوص أصدرت وزارة الخارجية المغربية بلاغا في الموضوع يؤكد أنه «على الرغم من كون هذا القرار يهم بشكل حصري مجلس أوروبا، ولا يشكك مطلقا في الاتفاق الفلاحي المبرم بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، فإن المملكة تعبر عن اندهاشها إزاء هذا القرار الذي يهم بروتوكولا متطابقا مع الشرعية الدولية، على غرار كافة الاتفاقيات الثنائية الموقعة».
بموازة الموقف المغربي الرافض لهذه النازلة الغريبة في مسلسل التعاون بين الطرفين، ظهرت هناك بعض ردود الفعل الأوروبية، فقد علقت فيديريكا موغيريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي على القرار بالقول إن «المؤسسات الأوروبية تدرس حاليا الحكم بعناية لتحديد الخيارات المختلفة، بما في ذلك التحضير لاستئناف الحكم»، فيما أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان أن بلاده «تؤيد استئناف المجلس الأوروبي لهذا الحكم». في غضون ذلك، وبالضبط يوم 25 فبراير الماضي، أعلن المغرب رسميا عن تعليق الاتصال مع الاتحاد الأوروبي إلى حين عودة الأمر إلى النصاب المعتاد في العلاقات بين الطرفين.

 

عائشة واسمين، أستاذة باحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط

 

على المغرب السعي إلى تنويع شركائه في آسيا

 

من المؤكد أن للمغرب خصوما لوحدته الترابية، وعلى رأسهم الجزائر التي تسعى بشكل ظاهر أو مستتر لإفشال كل مخططات المغرب في علاقاته مع باقي بلدان العالم، علما أن الجزائر تحولت إلى قنبلة موقوتة بسبب المشاكل الداخلية التي تتخبط فيها. بالمقابل نعرف أن المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الذي استطاع الخروج من أحداث «الربيع العربي» وما أفرزه من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية بالمنطقة بإصلاحات سياسية مكنته من تخطي هذه المرحلة. لكن يبقى كل هذا غير كاف، فلقطع الطريق على خصوم الوحدة الترابية للمغرب الذين يحاولون استغلال ملف حقوق الإنسان والخروج من الأزمات المتلاحقة مع بلدان الإتحاد الأوروبي أو باقي البلدان، لابد للمغرب أن يبذل قصارى جهوده لتحقيق الانتقال الديمقراطي وتطبيق الجهوية الموسعة في كل الجهات بالمملكة، بما فيها الأقاليم الجنوبية، وحينها لن يكون بإمكان أي كان أن يتحجج بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان. فنحن نعرف أن  قضية الصحراء مازالت أمام أنظار الأمم المتحدة. وبالتالي فنجاح الجهوية الموسعة في كل الجهات بالمملكة سيجعل البلدان الكبرى تقتنع بعدم جدوى صنع كيان قزمي ضعيف بالمنطقة ويفتقد لمقومات الدولة، فهم يدركون تكلفة النزاعات على أمن واستقرار المنطقة.
وفي ما يخص الأزمة الأخيرة مع بان كيمون، فأعتقد أن وظيفة الأمين العام للأمم المتحدة يجب أن تكون وظيفة حيادية، علما أن  الغرض من وظيفته هو أن يستمع إلى كل الأطراف وألايتحيز لأي طرف على حساب الآخر، وإلا ستصبح مواقفه فاقدة للمصداقية ومنها تصريحه الأخير الذي اعتبر فيه الصحراء المغربية «محتلة». وكيفما كان الحال فإن الأمين العام للأمم المتحدة يعتبر جزءا من منظومة دولية، على أساس أن هناك مجلس الأمن الذي تعتبر قراراته نافذة وملزمة، في حين تبقى تصريحات وقرارات الأمين العام غير ملزمة، فهو يقدم المقترحات ويعد التقارير ليبقى القرار الأخير لمجلس الأمن. على المغرب أن يقوم بدور دبلوماسي فعال لدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وأظن أن معظم هذه الدول تساند الموقف المغربي. وعلى المغرب أن يتحرك بفعالية وبكل ثقله الديبلوماسي من أجل إيصال أفكارنا للمنتظم الدولي، فما ينقصنا هو كيفية إيصال أفكارنا ومقترحاتنا وطروحاتنا حول القضية الوطنية معتمدين على مهارة التفاوض التي تنقصنا.
أما بخصوص الأزمة مع الإتحاد الأوروبي، على خلفية قرار المحكمة الأوروبية القاضي بإلغاء الإتفاق الزراعي مع المغرب، وربما سيسير الحكم الاستئنافي في نفس الاتجاه. فأعتقد أنه لن يضر بمصالح المغرب فقط بل سيضر أيضا بمصالح الاتحاد الأوروبي، لأن هناك مجموعة من الإتفاقات في ميادين أخرى التي تربط بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وبالأخص اتفاقات الصيد البحري، ونعرف أن أوروبا هي في حاجة ماسة إلى دوام استمرار اتفاقات الصيد البحري، لأنها هي المستفيدة وإسبانيا مستفيدة أيضا، ويمكن الوقوف على آثار تجميد اتفاق الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي في مراحل سابقة، والذي أضر كثيرا بإسبانيا التي كانت تلح على تجديد الاتفاق. وهناك أيضا مسائل حيوية تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي، وخصوصا قضية الهجرة الآتية من إفريقيا جنوب الصحراء. فالمغرب كان له دور كبير في إيقاف الزحف البشري للأفارقة نحو أوروبا، إلى وجود سياسات مشتركة بين الجانبين في ما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخبارية من أجل مواجهة على الإرهاب. إذن، في حالة وجود حكم نهائي من قبل المحكمة الأوروبية لا يخدم مصالح المغرب، فالمغرب لديه أوراق أخرى يمكن أن يستغلها لصالحه في علاقته مع الاتحاد الأوروبي. من جانب آخر على المغرب السعي إلى تنويع شركائه في آسيا، وربما زيارة الملك محمد السادس لروسيا تندرج في هذا الإطار. فروسيا هي شريك من وزن ثقيل على المستوى الاستراتيجي وعلى مستويات كثيرة، كما أن روسيا هي عضو في مجلس الأمن الدولي وبإمكان المغرب كسبها لصالحه عبر إبراز وجهة نظره في ما يخص القضايا الوطنية بشكل سليم ودون ممارسة أية ضغوط على الطرف الروسي، علما أن السياسة الخارجية الروسية تقوم على معادلات وضوابط خاصة في الآونة الأخيرة.

 

دجنبر 2015: سهم اليسار الراديكالي الأوربي

 

صار من المؤكد أنه كلما قويت شوكة اليسار الراديكالي الأوربي، كلما تكالبت على بلادنا نزعات التحرش. في هذا السياق وجه البرلمان الأوربي في اجتماعه بستراسبورغ، في 17 دجنبر 2015، صفعة أخرى لبلادنا من خلال إصداره لتوصية موجهة للأمم المتحدة تدعوها إلى توسيع صلاحيات «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الصحراء، صوت عليها 258  برلمانيا من اليسار الموحد الأوربي، ومن الخضر مقابل معارضة 251 صوتا منتميا لباقي الأحزاب.
المبررات التقليدية الكامنة وراء التوصية مساندة «شعب محتلة أراضيه». أما الحيثيات القانونية بالنسبة لداعمي القرار فتتمثل في أن تلعب البعثة الأممية في الصحراء نفس الدور الذي تلعبه البعثات الأممية المكلفة بحفظ السلام في باقي أنحاء العالم. وهو ما يتنافى جذريا مع قواعد العمل الدولي التي تنيط بمجلس الأمن وحده تحديد مثل هذه الاختصاصات وطرق تصريفها في مناطق النزاع الدولي.

 

حسن عبايبة، أستاذ جامعي

 

المغرب لم يعد يحتاج للأمم المتحدة التي لا توجد لحد الآن قضية واحدة نجحت فيها

 

أولا، بالنسبة لقضية الصحراء فهي مشكل أساسي بين الجزائر والمغرب ومشكل مفتعل دخل إلى مسار مقررات الأمم المتحدة. ومنذ عام 1975 أصبح هو مشكل الديبلوماسية الجزائرية كي تبني مجدا ديبلوماسيا وكي تغطي على أشياء كثيرة داخل المجتمع الجزائري. فعلى مدى سنين طويلة، وتقريبا، عقود طويلة بقيت الجزائر تمول وتنفق أموالا طائلة في الدفاع عن البوليساريو ضدا في المغرب ومصالحه الحيوية بصفة عامة ومصالحه في الصحراء بصفة خاصة. وتشير بعض التقارير من داخل الجزائر إلى أن ما أنفقته الجزائر على الدبلوماسية وعلى البوليساريو يكاد يكون أكثر من 50 في المائة من مجهودات الخارجية الجزائرية في هذا الاتجاه. معناه أننا نتحدث عن دولة معادية للمغرب، ونحن نعرف أنه منذ عام 1975 سجلت طفرة بترولية وكان عائد البترول الجزائري مرتفعا، وقد حاولت الجزائر أن تستغل هذه المداخيل لترويج فكر وأطروحة البوليساريو، وكذلك مواجهة أي شيء يكون لصالح المغرب. أكثر من هذا فقد بدأت أصوات بالجنوب الجزائري، وخصوصا داخل غرداية وفي الطوارق، تنتفض خاصة أن المناطق الجنوبية هي التي تنتج البترول بالمقابل نجدها هي الأكثر فقرا في الجزائر. وهناك أرقام نشرت في الشبكة العنكبوتية تشير إلى أن ما أنفقته الجزائر على جبهة البوليساريو يكاد يفوق عشر مرات ما أنفقته الجزائر على المناطق الجنوبية الجزائرية، وقد ظهرت في الجزائر انشاقاقات في الجنوب تطالب بالاستقلال عن الدولة الجزائرية. هذا المجهود الذي بذلته الجزائر على مستويات متعددة وعلى مستويات مختلفة مازال البعض منه موجودا، وإن كان أقل على مستويات متعددة، مع الإشارة إلى أن الجزائر تحاول أن تجند دولا إفريقية وآسيوية فقيرة من أجل الاعتراف بالبوليساريو، وربما هذا ما فشل فشلا ذريعا، حيث أن العديد من البلدان سحبت اعترافها بالبوليساريو مما جعل الجزائر تتحول إلى خلق علاقات شخصية مع جهات نافذة في المنظمات الدولية، حيث لاحظنا أنها خلقت علاقة قوية مع روس باعتباره كان سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر، وربما تكون قد رشحته حسب بعض التقارير، وكذلك حاولت مع جميع الدول التي تستورد البترول من الجزائر، حيث نجدها هي من تتحرك ضد المغرب، بالإضافة إلى شراء الكثير من منظمات المجتمع المدني داخل أوروبا، خصوصا في الدول الإشتراكية أو اليسارية بصفة عامة. إذن، هذا العمل الكبير الذي استنزفت فيه الجزائر أموالا للشعب الجزائري لوقت طويل، وهو الذي نراه في المواقف التي نتحدث عنها الآن، والذي ظهر في موقف السويد ، والذي ظهر مرة أخرى في موقف بان كي مون، وفي موقف المحكمة الأوروبية. وهذا ما كان منتظرا. ونحن في المغرب لا نستغرب من هذه المواقف، لأن الجزائر تعتبر فشلها مع البوليساريو هو انهيار دولة بكاملها، ونحن نعرف أن رئيس جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر قد صرح بأنه «ينبغي إعادة النظر في هذا الموضوع الذي طال وبأنه لا صالح لنا فيه»، كذلك صرحت رئيسة الحزب العمالي لويزا حنون بأنه «لا علاقة لنا بقضية الصحراء المغربية». إذن، هناك أصوات حزبية قوية ووازنة بدأت تتحرك في هذا الاتجاه وتنادي بوقف هذا الدعم للبوليساريو الذي استنزف أموال الجزائر استنزافا كبيرا، بمعنى أن الجزائر لم يبق لها إلا أن تلعب داخل أروقة الأمم المتحدة في وضعية شاذة كما حدث لبان كي مون، حيث يمكن أن تستميل أشخاصا كي يخلقوا بلبلة في العالم. وفي جميع الحالات فالمغرب لم يعد يحتاج حتى للأمم المتحدة، ونحن نعرف أن الأمم المتحدة على مدار 15 سنة فشلت في الكثير من القضايا الدولية وأنه لا توجد لحد الآن قضية واحدة نجحت فيها الأمم المتحدة، بل الأكثر من ذلك أن الأمم المتحدة لم تستطع حتى أن تحل مشكلة اللاجئين السوريين، ولم تستطع حتى أن تقدم مساعدات للإغاثة. وبالتالي فنحن أمام منظومة دولية أكدت فشلها في أكثر من موقف وأكثر من موضوع على مستويات مختلفة.

 

مارس 2016: بان كيمون «محامي الشيطان»!

 

في سلوك غير مسبوق من لدن الأمانة العامة للأمم المتحدة اختار بان كيمون، في السنة الأخيرة من ولايته، أن يزور مخيمات تندوف. الأكثر من ذلك أنه وصف الوجود المغربي في صحرائه بالاحتلال. وهو بذلك لم يخرق منظومة الحياد التي تلزم منظمة الأمم المتحدة الراعية منذ اندلاع النزاع المفتعل في المنطقة، وبخرق بالتالي المقررات الأممية القاضية بالبحث الجدي عن حل دائم وعادل للنزاع، خاصة بعد تقديم المغرب لحل الحكم الذاتي الموسع الذي حظي بقبول مجلس الأمن، واعتبر نتيجة ذلك المرجعية الأولى في التفاوض. موضوع هذه الزيارة شكل أحد المضامين الرئيسية في كلمة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في البرلمان مساء السبت الماضي حيث ركز على موضوع «قضية الاختطافات التي شملت أزيد من 150 امرأة محتجزة في مخيمات تندوف إثر زيارتهن لأسرهن»، وعلى تهم «الاختلاس المؤكد والمنتظم»، الذي يطال، منذ أربعة عقود، «للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخيمات، والذي أكدته تقارير المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي ومكتب محاربة الغش بالاتحاد الأوروبي وندد به المجتمع الدولي والدول المانحة».

 

محمد سالم البيهي، نائب برلماني

 

على الدولة أن تعطي تعليماتها لجميع السفارات لتسهيل عودة اللاجئين الصحراويين

 

في تقديري الشخصي هناك جهات معينة تسعى إلى زعزعة الاستقرار الذي ينعم به المغرب، وهو المخطط الذي بدأت تتضح بعض معالمه بالنسبة لبلادنا، علما أن هذا المخطط تم تنفيذه فعلا في مجموعة من الدول التي انهارت كليا من قبيل ما يقع في ليبيا، في سوريا والعراق، والدور آت على مجموعة من البلدان في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، ومنها المغرب الذي استطاع تجاوز مشاكل الحراك العربي من خلال تدشين إصلاحات سياسية ودستورية، وهم الآن يسيرون في اتجاه تقسيم المغرب بناء على المقولة الشهيرة «تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت»، وهو المخطط الذي يمس بالوحدة الوطنية، ولهذا السبب ينبغي علينا أن نكون يقظين لمواجهة هذه التحديات. وأعتقد أن تصريح بان كي مون الأخير يندرج في هذا الإطار، مع ضرورة الإشارة إلى أن هناك ملفات ينبغي علينا المبادرة بحلها دون انتظار صدور توصيات من أي جهة كانت ومنها مشكلة اللاجئين الصحراويين، فهم أبناؤنا ويفترض فيهم الرجوع إلى أرض الوطن، كما ينبغي على الدولة أن تفتح المجال لعودة اللاجئين. وكما تتبعتم فقد صرح رئيس المجلس البلدي للعيون بأن هناك الآلاف من اللاجئين الصحراويين الذين يرغبون في العودة إلى أرض الوطن، وعلى الدولة أن تعطي تعليماتها لجميع السفارات لتسهيل عودة اللاجئين الصحراويين إلى بلدهم الأم. أما بخصوص قضية ضمان الكرامة والعيش الكريم للاجئين الصحراويين، وردا على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للدول المانحة بتوفير الكرامة والعيش الكريم للاجئين الصحراويين، فأعقتد أن هذا لن يتحقق إلا داخل وطنهم الأم. وبالتالي فكل ما ينبغي فعله هو تسهيل عودتهم كي يعيشوا معززين مكرمين في بلدهم. إذن، ما علينا سوى الحسم في بعض الأمور الداخلية أما الأمور التي تتعلق بالمنتظم الدولي فيمكن كسبها بمرور الوقت.

 

المغرب والاتحاد الأوروبي: الاستفزازات متواصلة مقلقة، والمستهدف تأجيج خلافات المنطقة


عبد القادر زاوي

لن يتوقف الاتحاد الأوروبي عن سياسة استفزاز المغرب. مفوضته في الشؤون الخارجية فريديريكا موغريني التي أكدت التمسك بالاتفاقيات المبرمة مع المغرب، هي نفسها التي أعلنت امتثال مؤسسات الاتحاد لقرار المحكمة الأوروبية الذي تم استئنافه، وتم تسويق ذلك الاستئناف لنا كإنجاز، علما أنه مجرد درجة من درجات التقاضي التي تتضمنها جميع الأنظمة القضائية في العالم.
تعلم السيدة موغريني ذلك جيدا؛ ولذلك أكدت على أنه إلى حين صدور قرار قضائي آخر في الاستئناف، فإن المؤسسات الأوروبية بمن فيها المفوضية لا يمكنها تجاهل القرار الأول انطلاقا من حرصها على احترام مبدإ استقلال القضاء، الذي لا توجد أي جهة أو مؤسسة في أوروبا تريد أو تستطيع المساس به.
ورغم تشبث المغرب بموقفه القاضي بوقف الاتصالات مع الجانب الأوروبي إلى حين إعادة النظر في الاستفزازات المتلاحقة، وتلويحه بتجميد ورقة التعاون الأمني الحيوية أوروبيا، فإن هذه الاستفزازات ستزداد وبشكل يدعو أكثر إلى القلق. ومن غير المستبعد أن تتخذ أنماطا جديدة، وقد تأتي من مؤسسات أخرى أو حتى من سلطات داخلية في بعض الدول على غرار ما حصل مع البرلمان السويدي قبل مدة.
بالاستناد إلى معلومات تتداولها مصادر دبلوماسية أوروبية عديدة، فإن الاتحاد الأوروبي مرتاح كثيرا إلى التعاون الأمني والاستخباراتي مع المغرب بشأن الإرهاب العابر لضفتي البحر الأبيض المتوسط، ولكنه يرى ذلك غير كاف، تماما كما هو غير كاف في نظره الدور المغربي في معالجة الأزمة الليبية ، الذي اقتصر على الجانب الدبلوماسي والسياسي من خلال تسهيل الحوار في الصخيرات، والتدخل بين الفينة والأخرى لتقريب وجهات نظر المتحاورين.
إن الأوساط الأوروبية التي تقض مضجعها جحافل الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تخشى، بل تترقب تسارع وتيرة هذه الهجرة من الشواطئ الليبية مع اقتراب فصل الصيف، الذي تصفو فيه الأجواء وتهدأ أمواج البحر بشكل يغري على ركون قوارب المغامرة دون كبير مخاطرة.
ولهذا، فإن هذه الأوساط تسابق الزمن قصد تأمين الأجواء المناسبة لتدخل عسكري دولي لدعم حكومة الوفاق الوطني المشكلة حديثا عند استتباب الأمور لفائدتها، ومحاربة فرع داعش في شمال إفريقيا، الذي يخشون تمدده السريع، وتزايد قدراته على الضرب في القارة الأوروبية نفسها، لاسيما وأنه استعرض مؤخرا في الهجوم على مدينة بن قردان التونسية قدراته الكبيرة على المباغتة.
هذه القدرات البشرية والعسكرية أيضا، والتي أربكت الأمن التونسي المنهك جعلت أوساطا أوروبية ترى ما حصل من داعش مجرد تجربة أولية لنوايا لدى التنظيم من أجل اجتياح الجنوب التونسي كله، خاصة إذا ما تعرض لضربات جوية مكثفة على معاقله المنتشرة في عموم التراب الليبي. وقد أشارت أوساط صحفية جزائرية إلى ذلك أيضا.
وانطلاقا من تجربة محاربة داعش في كل من سوريا والعراق، يرى الأوروبيون أن الضربات الجوية وحدها محدودة النتائج. ولهذا السبب يدفعون في اتجاه تشكيل تحالف دولي يرتكز على قوات دولية برية تستطيع الدخول إلى ليبيا لمساعدة الحكومة الشرعية في تأمين المواقع التي ستنسحب منها داعش عند تكثيف الهجومات الجوية عليها.
غير أن أوروبا على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ليست راغبة ولا قادرة على النزول بقوات برية كبيرة من جيوش دولها في التراب الليبي، وتسعى بالمقابل بالإغراء وبالإكراه إن لزم الأمر إلى أن يتم ذلك من خلال قوات برية لدول الجوار الليبي، وأقدرها على ذلك حسب المعطيات الراهنة هي مصر والجزائر.
ونظرا لانشغال الجيش المصري إلى حد كبير في مواجهة جماعة أنصار بيت المقدس ( فرع داعش في سيناء )، فإن الأوروبيين يدفعون في اتجاه الاستعانة بالجيش الجزائري، الذي يعتبر إلى جانب الجيش المغربي أقل الجيوش العربية تأهبا واستنزافا مقارنة بما هو عليه الوضع في أقطار عربية أخرى، حيث الجيوش إما تفككت (العراق، سوريا، ليبيا واليمن) أو أنهكت بالانغماس في معارك وجبهات متعددة.
إن الحديث عن الجيش الجزائري من منظار أوروبي هو حديث عن 150 ألف جندي نظامي،  وعن مؤسسة مؤطرة لمجتمعها، اكتسبت خبرة واسعة في محاربة التطرف خلال الحقبة السوداء بالجزائر، ولها ميزانية ضخمة انتقلت من 2,6 مليار دولار سنة 2004 إلى ما يناهز 20 مليار دولار سنة 2014 ، وهو ما يمثل 15% من ميزانية الدولة في تلك السنة.
وتسود الدوائر الأوروبية المتعاملة مع دول شمال إفريقيا قناعة تامة بأن الجزائر جادة في موقفها الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا، وفي حثها لتونس على اتخاذ نفس الموقف، تماما كما هي جادة في رفضها الزج بجيشها خارج حدود بلاده متذرعة بنص دستوري يمنع ذلك، علما بأن هنالك استثناءات قد حصلت في السابق إما في شكل تضامن رمزي في حرب أكتوبر 1973، وفي شكل تعبئة قصوى لاجتياح تونس إن أقدمت على الوحدة مع ليبيا سنة 1974، كما في شكل عدائي في معركة أمغالا بالتراب المغربي سنة 1976.
فكيف يمكن استدراج الجيش الجزائري، ورفع منسوب القلق والتحفيز المستفز لديه ؟
في مطلع هذه السنة تأكدت الدوائر الأوروبية المعنية أنه ليس سهلا على الإطلاق زحزحة الجزائر عن هذا الموقف. لقد رفضت في يناير الماضي المشاركة في قوة التدخل السريع في منطقة الساحل المشكلة من كل من مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينافاسو بدعم من فرنسا، بل ذهبت إلى حد إيقاف نشاط عدد من هيئات التنظيم الإقليمي المسمى «مجموعة دول الميدان» الذي أسسته مع كل من النيجر وموريتانيا ومالي بموجب اتفاقية تامنراست سنة 2010، للتعبير عن امتعاضها من هذه الخطوة.
إذن فالجزائر التي تنشر حوالي 70 ألف جندي على حدودها الشرقية مع كل من ليبيا وتونس ، والتي كثفت تنسيقها الأمني الواسع مع هذه الأخيرة في أعقاب عملية بن قردان لن يستفزها للانغماس أكثر في ليبيا سوى الحضور الذي لا ترغب فيه هنالك بتاتا، ألا وهو الحضور المغربي الذي استطاعت إبعاده من إطار دول الجوار الليبي مع بدء الأزمة، ولكنه عاد إليها بشكل أكثر بروزا ومصداقية عبر حوار الصخيرات  بمباركة من الأمم المتحدة.
والمغرب بدوره ليس في وارد ولوج مغامرة كهذه وخاصة بقوات برية، ومن المحتمل أن يتذرع في الرفض بعدم توفر قواعد لوجيستية خلفية تسند قواته. قواعد لا يمكن أن تتوفر في ظل المعطيات الجغرافية والسياسية للمنطقة إلا في تونس، التي تبدي هي الأخرى رفضا لأي تدخل أجنبي واسع النطاق في ليبيا خشية أن تجد نفسها تستقبل رغما عنها آلاف النازحين من هناك، بما يشكل أعباء إضافية على كاهل اقتصادها المرهق أصلا.
وتعتقد الأوساط الأوروبية أن مساومة المغرب في قضية وحدته الترابية يمكنها تليين مواقفه ليشارك في تدخل عسكري عربي بري ولو محدود بغطاء من جامعة الدول العربية أو من الأمم المتحدة، مؤملة أن أي مشاركة مغربية فعلية في عملية كهذه ستدفع الجزائر إلى التفكير جديا بالمساهمة، خاصة وأنه يمكن تبرير ذلك بالاستجابة لطلب أمريكي تقدمت به واشنطن للجزائر سنة 2014 لتقديم تسهيلات لوجيستية (استخدام مطارات وموانئ) لتحالف دولي قد يشكل لمحاربة داعش في ليبيا إذا ما استفحل أمرها.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يروج في دوائر بحث أوروبية عن دور في منطقة الساحل والصحراء لفصائل من مرتزقة البوليزاريو في محاربة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي شبيه بدور المواجهة لداعش، الذي تقوم به البشمركة في العراق، ووحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، فإن بالإمكان الاستنتاج بأننا أمام توجه لإتمام عملية إرهاق واستنزاف لما تبقى من الجيوش العربية، وإشغالها في معارك قد لا تبقي منها غير الاسم.
وفي ظل معطيات كهذه يغدو أكبر من الصدفة تزامن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء المغربية مع توالي الاستفزازات الأوروبية. وما يغذي ذلك هو اعتبار البيت الأبيض الأمريكي تلك التصريحات نوعا من تأجيج نزاعات منطقة يسعى الجميع إلى تأمين أقصى درجات الاستقرار الممكنة فيها.
هل نحن إزاء مؤامرة؟ لا تسمح المعطيات المتوفرة بالتوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، ولكن من الواجب سد أي ثغرة قد تنفذ منها. فقبل مناقشة المؤامرة تنبغي مناقشة الغباء الذي يمكن أن تنطلي عليه.