Wednesday 14 May 2025
فن وثقافة

بركة صاحب ديوان "عَبْلة" : لست ثوريا .. أنا متمرد على الوضع لكي يتغير للأحسن

بركة صاحب ديوان "عَبْلة" : لست ثوريا .. أنا متمرد على الوضع لكي يتغير للأحسن

يقول "سعيد بركة" صاحب ديوان الزجل "عَبْلَةْ"، أنه أول باكورة إبداع يصدرها، ويتضمن 7 قصائد زجلية و  12 أخرى جد قصيرة، تتراوح ما بين 4 إلى 9 أسطر أو أبيات، عنوانها داخل مؤلفه الزجلي "غميزات بعين الهم" معتبرا إياها "مجرد شذرات" أو "ومضات وكبسولات" ويعتقد أنها أول تجربة في هذا الإطار على المستوى الوطني، ويفيد أن قصائده الزجلية تنتمي للنوعية الساخرة وأنها تمُسُّ الإنسان المغربي في العمق مباشرة. تم تنظيم حفل توقيع ديوان الزجل "عبلة" يوم أمس 16 فبراير 2016 برواق جامعة الحسن الثاني، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء النسخة 22. "أنفاس بريس" حضرت لحفل التوقيع والتقت الزجال سعيد بركة وكان معه هذا الحوار..

"ديوان عبلة" أول إصدار لك.. ألا ترى أنك تأخرت كثيرا لجمع قصائدك أو جزء منها في كتاب؟

لقد كنت كسولا نوعا ما على مستوى الإصدار، لكن نشيطا على مستوى المشاركات في ملتقيات الشعر والزجل وطنيا وعربيا، شاركت في عدة ملتقيات في مصر وتونس، وكانت لي أيضا مشاركات عديدة على مستوى الجرائد الوطنية والإذاعة والتلفزيون، وبفضل تشجيع بعض الأصدقاء كالأخت "بشرى" والأخ "توفيقي"، قررت إصدار ديوان "عبلة"، لكي يجمع جزءا ولو صغير من قصائدي ولا أخفي عليك أنني لم أواكب أو أعرف عناء عملية النشر، بل أنا جد محظوظ، إذ أتخيل نفسي وكأني "أغلقت عيني وفتحتها" فوجدت الديوان قد صدر، والفضل يعود للصديق العزيز "توفيقي"..

بما أن العنوان يمكن أن يكون مفتاحا أوليا للمصنف الأدبي. لماذا اخترت "عبلة" علما أنها اسم أنثى مقرون بالشاعر "عنترة" وبتلك القصة العاطفية المشهورة في الشعر الجاهلي العربي.

أكيد .. هذه قصة وعلاقة بين حاكم ومحكوم، لقد وظفت المضمون التراثي وحاولت الاشتغال عليه أكثر، لكي لا يكون أجوفا، أو كلاما من أجل الكلام، اعتمدت على المضمون الإنساني والعروبة، ثم المضمون التراثي، لأن تراثنا زاخر ببعض القصص والأحاديث والحوادث التي يمكن أن نوظفها، فبغض النظر عن قصة "عنترة" كتراث عربي في علاقة بين عاشق ومعشوقته، اشتغلت كذلك على "لالة عايشة البحرية" و"مولاي بوشعيب" و "لالة ميمونة" و"مولاي بوسلهام" تراثنا زاخر، وليس ضروريا أن نلجأ لتراث أجنبي، تراثنا المغربي مهم جدا.

                                                                               

تختار لغة بسيطة في كتابة الزجل ولا تعتني كثيرا بالألفاظ القديمة لإحياءها بل تعتمد على لهجة "مُلائمَة وعصرية" سهلة الفهم .. هل هذا الأمر يخدم الزجل في نظرك؟.

أولا : الأمر يخدم نوع الزجل الذي أكتبه، وكما يصفهُ النقاد فهو يندرج ضمن "السخرية السوداء"، والهدف من وراء استعمالي للهجة سهلة هو أن تصل قصائدي إلى أكبر نسبة من الناس. ثانيا :  الزجل هو شعر باللغة العامية، ولا يمكن أن نتواصل مع القارئ أو السامع بلغة شاقة، أنا أعتمد على اللهجة المتداولة من طنجة لكويرة ومن وجدة للصويرة، وأحرص على تجنب تلك اللغة المحلية، المحدودة في المكان الجغرافي والمنحصرة في ما هو محلي وإقليمي، فمثلا سكان نواحي (اليوسفية والشماعية وسيدي بنور أو ولاد احمر) يستعملون لهجة واحدة، وإذا تجاوزت تلك المنطقة الجغرافية ستصبح غير مفهومة. اللغة الشعرية التي أستعملها بسيطة ومفهومة ليس فقط في المغرب، بل حتى في مصر وفي الجزائر وتونس وخير دليل أن من أنجز القراءة النقدية لديواني "عبلة" هو الشاعر والناقد المصري "ناجي عبد المنعم" والتقديم للدكتورة التونسية "نورة البرهومي" أستاذة اللغة والآداب العربية في (كلية الآداب والإنسانيات بمنوبة - تونس- ).

أنت تعطي طرحا مُتناقضا تماما، مع طرح الذين يقولون بأن لهجة المغرب غير مفهومة في البلدان العربية، ومن بينهم أغلب الفنانين في مجال الغناء والتمثيل وأيضا بعض كتاب الكلمات من أبناء البلد..

ليس من المعقول أن يتخفى الفنان والمؤلف المغربي وراء اللهجة، بذريعة أنها غير مفهومة وأن الأغنية المكتوبة بها غير منتشرة، بسبب ما يتم وصفه بـ "عائق اللهجة"، لهجتنا مفهومة والناس يتجاوبون معها في كل البلدان العربية، مؤخرا شاركت في مهرجان شعري بتونس وتجاوب الناس مع قصائدي بشكل جيد ولا أقول هذا بدافع الأنا أو تقييم الإبداع الذاتي بل للفت الإنتباه إلى مغالطة أن اللهجة المغربية غير مفهومة في دول عربية أخرى.

داخل قصائد ديوان "عبلة" يلمس القاري (سخرية سوداء) لكن بالموازاة مع ذلك نلمس مواقف سياسية، إضافة إلى تعرض غير مباشر لشخصيات سياسية، لكن مع سهولة التعرف عليها، لأنك استعنت بكلام أو مواقف أو أحداث صادرة عن هذه الشخصيات ويعرفها العام والخاص. ما الهدف من ذلك؟

أولا من الضروري تحديد مفهوم السياسة، لأن السياسة هي المعيش اليومي وليست بالنسبة لي مجالا يتصارع فيه الفاعلون لأغراض متضاربة والوصول إلى السلطة، عندما نخرج من المنزل نعيش مواقفا كثيرة متعلقة بالسياسة ثم نعود إليه ودائما السياسة حاضرة في الذهن والواقع المُعاش.. الأم مثلا بطبعها سياسية، حين تبرمج وتخطط لتسيير وتدبير أمور "البيت". السياسة في دمنا شئنا أم أبينا.. الهدف هو الإبداع، وتقديم قصيدة زجلية تمس الواقع بشكل مباشر.

إذا قرأ مثلا 1000 من متتبعي الزجل وغيرهم، ديوان "عبلة"، غالبيتهم إن لم نقل كلهم، سيقولون بأنك زجال ثوري أو مُعارض أو غير راض على الوضع السياسي الحالي.. ألا تنتظر أن يتم نعتك بالزجال الثوري صاحب المواقف السياسية المُعارِضَة !؟.

لا !! لا !! .. مفهوم السياسة واضح بالنسبة لي، أنا أبدع الزجل والقارئ يفهم ما يشاء حسب مستواه ودرجة إدراكه للأمور. أقترح أن تغيِّرَ ثوري بـ "تمرُّدي" أو "مُتمرد" أنا متمرد على الوضع، لست بثوري أو سياسي، وأعتبر أن مواضيع الزجل التي أكتبها تعبر عن واقع مرفوض ونأمل أن يتغير للأحسن، وبشهادة العديد من الإخوان الزجالين ومن النقاد، أن أذهب - في كتابتي للزجل - مباشرة للموضوع ولا أتخذ طريقا ملتويا، أقصد الجرح مباشرة وهذا شعر تمردي له مرجعية كما تعلم. عندما نتحدث عن "رضوان أفندي" أو المرحوم "مصطفى ودان".. هناك شباب يسيرون في هذا الاتجاه مثلا "عزيز الغالي" من المحمدية وحتى على المستوى العربي، عندما نتكلم على التراث أو البحث في هذا المجال، نذكر قصائد "أحمد مطر" و"محمد الماغوط" والشعر الفلسطيني بكل أنواعه.

من المعروف في الماضي القريب أن هذا الاتجاه الشعري خصوصا في شكله المعروف (الشعر العامي والشعر الحر)، عاش أصحابه حصارا كبيرا وقمعا ورفضا من طرف الأجهزة الحاكمة في العديد من الدول العربية.. ما هو نصيب انتشار هذه الأعمال بالمغرب في العصر الحالي وهل هناك هامش من حرية إبداع في هذا النوع الشعري - حسب رأيك -؟.

هذا النوع من الزجل له حظوظ أوفر من نوع آخر، لأنه يمس الإنسان المغربي في العمق. أنا بالعكس أحس بنفسي محظوظا. هامش الحرية متوفر ولو كنا متمردين، صحيح ليس مائة بالمائة لكن على الأقل هناك حرية في التعبير بشكل أو بآخر. في تونس خلال مشاركتي في لقاءات زجلية وشعرية، يقولون لي "لماذا لا تتعرض للمضايقة والاعتقال؟؟" أجيب: بالعكس أنا بعيد عن هذه الأمور المتعلقة بالحصار الأدبي والفني والاعتقال، وهنا يطرح سؤال : أين الدبلوماسية المغربية؟، لكي تعطي صورة إيجابية عن وضعية حقوق التعبير والإبداع بالمغرب.هناك تغيير كبير لا ننكره، لم نعد نعيش تلك الفترة المحددة في السبعينات والتسعينات. حقيقة تقع بعض المرات انفلاتات، لكن لا يجب تعميمها بشكل قطعي وبأهداف غير نبيلة. لقد وقعت مؤخرا طريفة في حفل توقيع مؤلف وتكريم شاعرة مغربية كبيرة في الجديدة، وكان "أحد أصحاب الحال" قد اتصل بقائد وأخبره بأن أحدهم يتكلم عن السياسة .. هكذا بهذه العبارة.. ووصل إلى علمنا أن القائد أعاد الاتصال به وقال له باللهجة الدارجة : "مالك كا تقلب على الصداع !!؟؟"..  يضحك..