بعد انتهاء مقابلة الديربي 119 بين الغريمين البيضاويين الرجاء والوداد بالتعادل الأبيض، انطلق شوط ثالث في المدرجات بين الجماهير والأمن، وتعدى الأمر إلى حدوث تلاسن واصطدام بين مشجعي الفريقين بمحيط مركب محمد الخامس، وعلى إثر أحداث الشغب المؤسفة التي عرفتها مدينة الدار البيضاء مساء يوم الأحد 20 دجنبر 2015.
"أنفاس بريس" واكبت ردود الأفعال من مختلف المهتمين بالشأن الرياضي والأمني منذ ليلة أمس الأحد المشؤومة. واليوم نواصل نقل شهادات لإعلاميين ومحبين للفريقين الأحمر والأخضر، نبسطها للقراء كوجهات نظر تستحق الدراسة والتحليل... وفي ما يلي وجهة نظر الإطار الرياضي محمد النوري بخصوص ظاهرة الشغب بملاعب كرة القدم الوطنية:
أكد محمد النوري، إطار رياضي، عبر ورقة أمد بها "أنفاس بريس": "أنه بالرغم من تعدد الكليات والجامعات واختلاف المختصين النفسانيين والاجتماعيين، الذين يملئون الشاشات والجرائد بتصريحاتهم، إلا أننا في الواقع لا نتوفر على دراسات أكاديمية لهذه الظاهرة أو تلك، فكل ما هنالك انطباعات سطحية لا ترقى إلى مستوى فهم الظاهرة، وحتى مصادقة البرلمان على قانون لردع المتسببين فيها لم تتم اعتمادا على معطيات علمية دقيقة.
لكل ظاهرة مسبباتها وتجلياتها وعواقبها على الدولة و المجتمع، ولا يمكن أن يكون أفراد مشتركون في سلوك معين دون أن تكون هناك هموم توحدهم وغاية يرنون إليها.. وما يقع في ملاعب كرة القدم لا يمكن تفسيره بأنه ردة فعل على النتائج السلبية لفرقهم أو هو نتيجة لدخول قاصرين إلى الملاعب، بل هناك أسباب متداخلة تساهم فيها كل المكونات انطلاقا من المتفرجين ومرورا باللاعبين والمسيرين والحكام، وصولا إلى الساهرين على الأمن. الشغب ظاهرة اجتماعية تأتي امتداداتها من الأسرة والمدرسة و الشارع، وهي حالة رفض وتمرد على قوانين الدولة والمجتمع لا تقتصر علينا وحدنا. بل إن هذه الظاهرة عانت وتعاني منها دول ديمقراطية متقدمة اقتصاديا، بعضها نجح في احتوائها والبعض الآخر حاول الحد من سلبياتها.
للظاهرة أسباب ذاتية وموضوعية، أو بالأحرى دواعي خارجية وداخلية. ما يتعلق بالذاتي متروك لأهل الاختصاص من علماء الاجتماع وعلماء التحليل النفسي والسيكولوجي.. وما على الجهات المسؤولة سوى الاستنجاد بهؤلاء للوقوف على الأسباب والمسببات.. وبالتالي إيجاد الحلول الضرورية للحد من هذا الشغب العنيد.. وتمتلك هذه المؤسسات الوسائل المادية لتمويل مثل هذه الدراسات وبشكل مستمر، وستستفيد مستقبلا من تعويض هذه المصاريف عبر تقليص حجم مخصصات الجوانب الأمنية والتنظيمية.
أما الأسباب الموضوعية ففيها الظاهر والخفي. يتعلق الأول منها بالسياسة العامة للدولة، ومدى استثمارها في العنصر البشري الشاب.. فكلما ازداد تهميش هذه الفئة كلما استفحلت هذه الظاهرة وغيرها من الانحرافات الأخرى. ويبدو أن بعض الممارسات التي تم على مستوى الإدارة أو الأندية من رشوة ومحسوبية وإقصاء... كلها عوامل تثير الإحباط والسخط وسط الشباب، وبالتالي دفعهم إلى التعبير بشكل سلبي على هذه الظواهر، لأن هذه المؤسسات لا تعمل في مناخ الوضوح والشفافية، كما أن الأندية ومؤسسات المجتمع المدني أو السياسي لا تولي أهمية كبرى لهذه الشريحة، كما أنها لا تفتح أجهزتها التسييرية في وجه الشباب، أو على الأقل إشراكه عبر الانخراط والاستشارة.
وبالرغم من وجود قوانين تضبط كيفية المشاركة في تسيير وتدبير الأندية الرياضية لكرة القدم عبر ما يسمى بقانون المنخرط، إلا أن هذا القانون هو في حد ذاته غير ديمقراطي، لأنه لا يتيح المجال إلا لذوي الدخل المرتفع، لأن ترك الحرية لمسيري الأندية بتحديد واجب الانخراط، ولاسيما الرفع من مستوياته، هو في حقيقة الأمر تعجيز وصد الأبواب في وجه موجة قد لا يضمن المكتب المسير عواقبها، كما أن مصادقة عضوين من المكتب ضرورية للقبول في حظيرة المنخرطين، هو في حقيقة الأمر غربلة وتضييق عبر تقليص العدد الى أدنى مستوى. فلا يعقل أن متوسط الحضور للمباريات يصل إلى أربعة آلاف متفرج، ولا يحضر إلى جموعه العامة سوى أقل من ثلاثين منخرطا، وهي نسبة ضئيلة تنم عن الإقصاء والاستحواذ.. وللإشارة نادي الرابطة لكرة اليد عدد منخرطيه (35 منخرط) يفوق عدد منخرطي الكثير من أندية القسم الأول والثاني لكرة القدم.. وللإشارة كذلك فإن عدد منخرطي ريال مدريد يفوق مائة وخمسين ألف (150000). وحتى أغلبية المنخرطين بالفرق المغربية مؤدى عنهم من طرف بعض أعضاء المكاتب المسيرة حتى يضمن البعض بقاءه.. وأعتقد أن هذه الحالة ستتغير حتما عندما تتحول هذه الفرق إلى شركات التي يلزمها قانون الاحتراف بذلك.
هذا التقوقع والحصار المضروب عن جل الأندية المغربية، يدفع شريحة مهمة من المتفرجين بالتكتل في مجموعات، وقد يتخذون من بعض المدرجات مكان للاحتجاج، ورفع الشعارات، حتى أصبحنا نسمع عن بعض الجمعيات المحبين تتخذ من الأمكنة اسما لها (جمهور المكانة مثلا) وبعض جمعيات المحبين الأخرى تجد وراءها أشخاصا آخرين يتخذونها وسيلة لابتزاز المكاتب المسيرة، أو سلما للوصول إلى دفة التسيير، وهم من يحركونها من حين لآخر لغرض في نفس يعقوب.. وبالرغم من الفرجة التي تقدمها هذه المجموعات بواسطة التيفوات على مستوى المدرجات، إلا أنها لم تستطع بعد أن تضبط بشكل فعال أعضاءها نظرا للانفلاتات التي تقع من حين لآخر.
مصادقة البرلمان على قانون الشغب في السنة الماضية الذي حوكم بموجبه بعض المشاغبين لم يحد من هذه الظاهرة، بل هي في ازدياد مضطرد.. لذلك لابد من مراجعة السياسة العامة للبلاد عبر المقاربة الثقافية والاجتماعية والنفسية وحدها الكفيلة باجتثاث هذه الظاهرة.. كما أن الاستفادة من تجارب الدول التي استطاعت القضاء على الشغب (بريطانيا كمثال) ضرورية للوصول إلى أقرب طريق لحل هذه المعضلة".