الجمعة 17 مايو 2024
سياسة

عريضتكم لن تنال من تراثنا اليهودي الإسلامي الذي سيتغلب على معاداة السامية الحقيقية التي تنتجها إسرائيل

 
 
عريضتكم لن تنال من تراثنا اليهودي الإسلامي الذي سيتغلب على معاداة السامية الحقيقية التي تنتجها إسرائيل

في هذا المقال يشرح يوسف حجّي، الخبير بتفاصيل الصراع الفلسطيني – الصهيوني، بحكم عمله لفائدة منظمات إنسانية بالضفة الغربية وقطاع غزة لعدة سنوات، موقفه من العريضة التي أطلقت مؤخراً ضد ما اعتبر أنه سلوك معاد لليهود في مسيرة الدار البيضاء المنظمة يوم الأحد 25 أكتوبر الجاري.

"أعزائي الموقعين على العريضة الموجهة لوزير الداخلية:

تبعا للمظاهرة الحاشدة التي احتضنتها الدار البيضاء تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وبعد إطلاق حملة لجمع التوقيعات للاعتراض على هذه المظاهرة التي أرفقت بصور فوتوغرافية لمشاهد "إعدام اليهود"، أتقدم لكم برأيي المتواضع، ليس فقط كمناضل ضد الاستعمار حظي بفرصة العمل في فلسطين من دجنبر عام 1994 إلى أبريل عام 2008، ولكن وقبل أي شيء كإنسان متشبث بالتعايش اليهودي العربي منذ طفولته في أحياء طنجة الفقيرة ثم حياته في بارباس وخانيونس والقدس ونابلس.

لقد شاهدت الصور المنشورة، والفيديوهات التي تداولها منظمو المظاهرة والمتعاطفون معهم، واستمعت إلى أصدقاء مغاربة من انتماءات شتى كانوا حاضرين في المسيرة ونفوا جميعا رفع شعارات معادية للسامية. كما تحدثت إلى صديقي سيون أسيدون ابن الدار البيضاء والناشط في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها في المغرب، وأحد منظمي المسيرة الذي أكد لي أن المقصود بالشخصيات التي تم تجسيدها في المشاهد التمثيلية أثناء المسيرة هم المقاومين الفلسطينيين في نضالهم ضد المستوطنين وليس ضد اليهود كيهود. أما العلم المحترق فهو علم دولة تحتل أرض غيرها منذ ما يربو على 60 عاما وليس راية نجمة داود المحفورة على كنسنا أو مقابرنا اليهودية.

لقد جالت الصور المشوهة التي نشرتموها يا أصدقائي العالم، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، لتصور بلدنا وكأنها القبلة الجديدة لمعاداة السامية، ولكني أستطيع طمأنتكم أن تراثنا اليهودي الإسلامي سيتغلب على معاداة السامية الحقيقية التي تنتجها إسرائيل. لقد صدم شبابنا المغاربة بما شاهدوه من صور للجنود والأطفال الإسرائيليين وهم يرسمون رسائل محملة بالكراهية على القنابل التي تسقط على المدنيين في غزة، وألمهم مرور جرائم إسرائيل بلا عقاب. هذه الدولة التي أعلن حكماء مثل إدمون عمران المليح وشمعون ليفي وإبراهيم السرفاتي أنها "لم تكن يوما دولة لجميع اليهود". أما أنا، من يكبر قليلا هؤلاء الشباب، فقد صدمني منظر المستوطنين الصغار من المتدينين وهم يرقصون بنجمة سيدنا داوود للاحتفال بحرمان الأطفال في غزة من مدارسهم في بدء العام الدراسي.

يا أصدقائي، ما قام به قلة من شباب الدار البيضاء في المسيرة، على فرض خطئه، يمكن إصلاحه. بوسعنا دائما أن نتوجه إليهم بالحوار لبحث طريقنا معا ومصيرنا المشترك، بوسعنا مطالبة وزير التعليم بمناهج دراسية تتضمن الفصول الرائعة من العيش المشترك التي سطرت في تاريخنا مثل موسى بن ميمون وليون الإفريقي ومحمد الخامس الذي رفض تسليم إخواننا إلى ميليشيات فيشي. أما ما يصعب إصلاحه أو التعويض عنه فهو ما يقوم به رئيس دولة يضع يده على أزرار أسلحة نووية ويخرب بأفكاره الشيطانية عقود من التثقيف والبحث وجمع الشهادات في وجه من ينكرون المحرقة.

لم تضحكني التصريحات الأخيرة لنتنياهو، بل أبكتني. رئيس الدولة هذا، الذي يقول عن نفسه إنه يهودي، لا يريد فقط أن يشكك بحق الفلسطينيين بدولة قابلة للحياة كما تنص على ذلك قرارات الأمم المتحدة، ولكنه يريد أيضا أن يشكك بمسؤولية هتلر والنازية عن محرقة اليهود في أوروبا. وبالطبع ابتهجت المواقع المعادية للسامية والنازية والناكرة للمحرقة بهذه التصريحات المهينة لذاكرة أكثر من ستة مليون من الضحايا الأبرياء في تريبلينكا وخيلمنو وببلسيك وأوشفيتز جلهم من اليهود، ورددتها.

أيها الأصدقاء الأعزاء، لقد لعبت المظاهرات السلمية التي قام بها شبابنا في الأحياء الشعبية في 20 فبراير 2011 دورا أساسيا في حصولنا على الدستور الجديد الذي يؤكد على أننا ورثة شرعيين لتاريخنا اليهودي الإسلامي الأمازيغي العربي الصحراوي الأندلسي. أما عريضتكم فمنحت، ربما بغير قصد، مادة دسمة للمواقع الإسرائيلية الأكثر تطرفا ويمينية فتم استعمال الصور ليقولوا للعالم إنه حتى في الدار البيضاء يشحذ المجرمون سكاكينهم لذبح اليهود كما وقع في المجازر التي ارتكبت بحق اليهود في أول نونبر عام 1938.

أكرر مرة أخرى يا أصدقاء، إن التضامن مع الشعب الفلسطيني هو ما سيجمعنا على قيم الألفية الجديدة، أما الدولة الاستعمارية فلن تنتج إلا فيروسات الكره ورفض الآخر

الرباط في 28 أكتوبر 2015".