واليوم كيف نناقش الفكرة، إذا كانت عرضا سياسيا فعليا العودة إليه مطروحة؟.
تبدو الكتلة التاريخية، في التصور الجديد الذي يريد إحياءها، »تعلة« لفوز انتخابي أو حكومي، فهي قائمة كفكرة في التدبير السياسي الآتي أكثر مما هي «تاريخية» كما أرادها أصحابها.
1) هناك تحول عميق، بناء على نتيجة سياسية غيرت في المعنى. يتجاوز (ربما) الكيفية التي أرادها بها الراحل الجابري؟
حسب ما قرأناه من تصريحات منسوبة إلى هذا القيادي أو ذاك في بعض الصحف في البلاد، تبدو الكتلة التاريخية خاضعة، للتقدير العاطفي، بما هي تعبير عن الغضب من تحالف لا يعطي لأصحابه في المعارضة ما يريدونه ، لهذا قد لا تبدو جدية ، بل قد تفقد (قد في المضارعة تفيد الشك) طابعها التاريخي لفائدة الطابع التعويضي فيها ، فتبدو كتعويض بسيكو- سياسي لملء الفراغ! وهنا نتفق ، جبريا على أنه ليس في هذا أي.. قانون أو قاعدة سياسية استراتيجية !
2 ) في التصور الحالي، يتم اعتماد الحكومة كمعيار لعودة الحياة للكتلة التاريخية!
و إذا كان المرجع هو ظرفية طرحها في السابق ،(أي مع تشكيل حكومة عبد الاله بنكيران الأصلية) فربما يكون المشروع القادم هو حزب العدالة والتنمية إضافة إلى أحزاب الكتلة الديمقراطية (أي الاتحاد، الاستقلال والتقدم والاشتراكية). هو مشروع حكومة...أكثر منه مشروع مجتمعي على قاعدة وفاق وطني شامل، كما صاغه المفكر عابد الجابري.
وهو ما يقلص من آفاقها:فستجد أمامها المعارضة الأخرى التي تجعل مشروعا كبيرا كالكتلة عرضة للانتخابات.. عوض أن تكون هناك كتلة (لاتاريخية مثلا) أو قوة ثالثة بلغة الفقيد الجابري لا يكمن وجودها في ربح معركة انتخابية محدودة في الزمن والمكان!
3 ) يغيب المشروع، في حالة اقتصاره على التشكيلة المؤسساتية لأحزاب الوفاق الوطني العدل والإحسان! وتغيب مكونات اليسار الراديكالي لأنها خارج المؤسسات أو ليست قوة انتخابية (حتى وإن كانت قوة تاريخية).. وهنا لا بد من أن نطرح السؤال:أي قوى وطنية يسارية وإسلامية كانت في ذهن الجابري في سنة 1993 ، ولم تكن بعد العدالة والتنمية قد تحولت إلى .. حزب (سيتم ذلك في 1996).
طبعا، لا أحد يتصور أن القوى الاسلامية، لم تكن تحتسب هذه القوة الحزبية موجودة وذات امتداد، لكن الواضح أن العدل والإحسان في صراعها الشرس مع الملك الراحل، هي التي شكلت «الابستيمية» الإسلامية ذهن الرأي العام، ولا سيما منه اليساري.
ومن الأشياء التي قالها الجابري في محاضرته تلك السنة، إن المهام المطروحة وطنيا، ستكون مهام متعددة وجسيمة، مهام التحرر من التبعية وإقرار الديمقراطية وتحقيق تنمية مستقلة. مهام لا يمكن، في ظل الوضعية الراهنة التي نعرفها جميعا، لأي فصيل من فصائل القوى الوطنية القيام بها بمفرده، سواء حمل إيديولوجيا سماها يسارا أو نطق باسم الدين أو بأي شيء آخر. إذا أدركنا هذا، أدركنا كيف أن الحاجة تدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحالف وطني جديد على شكل كتلة تاريخية تضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية.
هذه الكتلة، هي تاريخية ليس فقط لأن الأهداف المذكورة أهداف تاريخية، بل لأنها تجسيم لوفاق وطني في مرحلة تاريخية معينة. إنها ليست مجرد جبهة بين أحزاب، بل هي كتلة تتكون من القوى التي لها فعل في المجتمع أو القادرة على ممارسة ذلك الفعل، ولا يستثنى منها بصورة مسبقة أي طرف من الأطراف، إلا ذلك الذي يضع نفسه خارجها وضدها«.
هل هذا الفرز (وفاق وطني أكثر منه جبهة بين أحزاب) يعني أنها فكرة مستبعدة وغير تاريخية بالمرة؟
وهل يعني أن مهامها، حتى في غياب وجوده ، منذ 1993 لم يتحقق بعض منها؟.
كتاب الرأي