الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـَـر : تيكاوا ...

رشيد صفـَـر : تيكاوا ...

"أَ تيكا ... أَ تيكاوا"...

 من منا لم تسترع انتباهه ترديدات و"قفشات" وحركات ورقصات أعضاء فرق الدقة المراكشية، التي تعدُّ موروثا "شفهيا وموسيقيا" مغربيا أصيلا بامتياز، إذ يعود تاريخها إلى فترة السعديين، وتعتبر مدينتامراكش وتارودانت مهدها، وكانت في البداية حكرا على "الشيوخ"، وانطلقت من المنتزهات والعراصي والرياضات، وشاعت في الدواوير والأحياء، وفي بعض الفضاءات التي تحتضن الحرفيين والفنانين، الذين فطنوا في القديم، لتأسيس الفرق التي يطلق عليها المغاربة "الدقايقية" الذين أصبحت اليوم مادتهم الفرجوية، فقرة قارة ضمن لائحة برنامج حفل "العرس المغربي"، كما يتم توظيفها في افتتاح المهرجانات وتدشين بعض المشاريع الاقتصادية والجمعوية والمطاعم وتنشيط سهرات الفنادق وغيرها.

من دقِّ الطبول و"التعريجة" تستمد هذه الفرق نعت "الدقايقية"، لأن أعضاءها يقومون بفعل الدق على المعدات الإيقاعية ونفخ المزمار والغناء، لإضفاء البهجة والسرور على ضيوف الأعراس والمناسبات العائلية والمهرجانات الشعبية في القاعات المغلقة وفضاءات الهواء الطلق، كما يردِّدون كلمات وجمل قصيرة من صلب الثقافة المغربية، لها ارتباط وثيق بالمعيش اليومي، ومع مرور الزمن تبرز مسألة الابتكار والتجديد في الفنون الأصيلة المغربية، قد يتفق معها البعض وقد يختلف معه بعض آخر، لكن لا يختلف اثنان حول أن هذا الاجتهاد لا ولن يخرج عن وظيفة "الدقة المراكشية الأصيلة الأولى" وهي "تنشيط الأجواء بزرع البهجة والسرور"، ومن بين العبارات التي أضحى يتغنى بها  مؤخرا "الدقايقية" في مدينة مراكش  : "أتيكا - أتيكاوا"، وهي عبارة مرتبطة بالوزن الإيقاعي، على اعتبار أن ميزان الإيقاع يعتمد على لازمني "تيكا ودومَّة". وقد استعمل الدقايقية هذه العبارة لتحفيز الجمهور على الترديد معهم "أ تيكا أ تيكاوا". بمعنى أن "تيكا" تأتي على لسان "الدقايقية" وعلى الجمهور الترديد معهم "أ تيكاوا"، وإذا قسمناها سنجد أنها تتكون من "تيكا" و "أوا"، وتعود عبارة "أوا" على المخاطب بالأمازيغية. مثلا "ماتين أوا" في الأمازيغية شرحها : "ماتين" تعني "تحرَّكْ" و"أوا" صيغة يرادُ بها المُخاطب. ويمكن ترجمتها إلى  "تحرَّكْ أنتَ"  بالعربية،  إذن "أوا" تصبح هنا "أنتَ"، والمراد بها في "تيكاوا" أن يتحرك المقصود بالرقص أو الترديد مع الدقايقية، لكي يرَفِّهَ عن نفسه ويخلق جوا مرحا مع "الدقايقية"، وبالرجوع إلى القاموس العربي نجد أن "تيكا" مشتقة من فعل "تكَّ" - "يتُكُّ" مثل "دَقَّ" – "يدُقُّ". وفي الشرح : تكَّالمُنَبِّهُ : أصدر صوتًا مطقطقًا بشكل متكرِّر أوتكَّالشَّيءَ : وطِئَه وداس عليه. ومن المعلوم أن موازين الإيقاع لها علامات رفع وخفض، وهي عبارة عن ميقات "زمن" مثل الساعة والدقيقة والثانية، فالموسيقى هي أيضا تنقسم إلى وحدات زمنية مكونة من (الدُّمات والتـَكَّات والسكتات)، فنجد بعض أنواع الموازين صيغتها (دوم تيكا تيكا . دوم تيكا تيكا) أو (دوم دوم. تاك دوم. تاك).

من فعل "تكَّ" العربي خرجت "تيكاوا" بزيادة "أوا" الأمازيغية، التي تعني في الدارجة المغربية "آهْيَا" وتنطق أيضا في بعض المدن المغربية "آهيَاوَا". سنجد "تيكْ" و"تَكْ" و"تيكا"، في كل الثقافات الموسيقية، باستثناء "تيكاوا" التي خرجت من مراكش الحمراء وانتشرت في باقي المدن المغربية، لتميزها بطابعها المغربي الأمازيغي الأصيل، ولأن المغرب يتميز بتنوعه الثقافي فإن عبارة "تيكاوا" تجمع مدن وارززات وتارودانت ومراكش والجديدة وكل الحواضر والبوادي المغربية عربية أو أمازيغية أو صحراوية.

 "أتيكا ... أتيكاوا".