المفارقة تبدو صارخة حين نتساءل، على ضوء محك الممارسة الحكومية، حول ما إذا كانت النخبة السياسة المغربية، والحكومية منها على وجه الخصوص، قد تأهلت بالفعل ذاتيا لتولي إدارة الشأن التنفيذي بدون الحاجة إلى تدخل الملك، باعتباره دستوريا «ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها
في ظرف قياسي بالنسبة إلى تاريخ الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال، تم استعمال الحق الدستوري للملك في إنقاذ الوزراء من سوء ما يقترفه سلوكهم. وهو ما يحسب سلبا على الحكومة الحالية، حيث تدخل الملك، في المرة الأولى، إثر إصدار الديوان الملكي، في يناير الماضي، لبلاغ يفيد إعفاء وزير الشباب والرياضة، بعد ما تبين من مساع من عبد الإله بنكيران في السكوت عن فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وتم تفعيل الفصل 47، للمرة الثانية، في الشهر الجاري، ليطال أصحاب الفضائح المدوية، وزيري «الكراطة» و«الشكلاط»، ومعهما «الكوبل» الحكومي. فما هي دلالات تفعيل الفصل 47 اليوم؟ وما الذي يجعلنا نتساءل إثر كل مأزق حكومي عن الحاجة إلى الملك دستوريا ليعيد وزراء بنكيران إلى جادة المعقول والصواب.
في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون تفعيل مقتضيات الدستور الجديد، منذ إقراره برضى المغاربة قبل قرابة أربع سنوات (يوليوز2011)، بدأ الفصل الأبرز تفعيلا هو السابع والأربعون، في حين تتعطل المقتضيات الحيوية، سواء منها ما يتعلق بالحكامة وترشيد أداء الوزراء والمعارضة على حد سواء، أو ما يتعلق بالتجاوب مع حاجيات المواطن بخصوص إقرار العدالة الاجتماعية ومقاومة الهشاشة ومحاربة الفساد والريع، أو ما يرتبط بالتنزيل القانوني لعدد من النصوص التطبيقية التي وعد المخطط التشريعي للحكومة بالحسم فيها تدريجيا منذ سنة 2012. لقد جاء الفصل 47، مثل غيره من الفصول الدستورية الأخرى، متناغما مع النضج الذي أبان عنه المجتمع، فأقر للملك الحق «بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم»، مثلما أقر حق «رئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة».
و«أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.»
ومعنى هذا التطور أن المشرع كان يعي بأنه إزاء لحظة دستورية اقتضت ذاتيا وموضوعيا فسح المجال لرئيس الحكومة لاكتساب مساحات دستورية واسعة. وكان واضحا أن منطوق الفصل المعني يسير باتجاه نصف المسافة نحو الاقتراب من بؤرة المطلب الدستوري الذي رفعته حركة 20 فبراير، ورفعه قبله بكثير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. والذي يفيد الاتجاه نحو إقرار الملكية البرلمانية التي يرى دعاتها بأنها السبيل إلى تحديث الملكية الدستورية، وتفعيل المطلب الشعبي بالسيادة الفعلية للشعب في حكم ذاته، وتدبير شؤونه الخاصة.
لكن المفارقة تبدو صارخة حين نتساءل، على ضوء محك الممارسة الحكومية، حول ما إذا كانت النخبة السياسة المغربية، والحكومية منها على وجه الخصوص، قد تأهلت بالفعل ذاتيا لتولي إدارة الشأن التنفيذي بدون الحاجة إلى تدخل الملك، باعتباره دستوريا «ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات».
لنعد إلى الوقائع:
انفجرت فضيحة فيضان ملعب الرباط أمام أنظار العالم، لتنفجر معها ردود أفعال المغاربة الذين استهجنوا الفضيحة، وأحسوا بأنهم طعنوا في كرامتهم الشخصية والوطنية. وعوض أن يتعامل معها الوزير المسؤول بالموضوعية المطلوبة فيخرج إلى المغاربة بتحليل رصين يبرز حيثيات المشكل كما حدثت في الأوراق والمكاتب والملعب، وصيغة ما يتصوره من طرق المعالجة، وتحديد المسؤوليات الذاتية، مع الإقرار بمسؤوليته السياسية والاعتبارية على الأقل، رأيناه يستسهل ما حدث، مدعيا بأن ذلك يحصل في كل ملاعب العالم. إزاء ذلك، سجلنا صمتا مريبا لرئيس الحكومة ولرئيس الحزب الذي ينتمي إليه الوزير المعني. بل الأنكى من ذلك أنهما دخلا في ما يعني «مساومة سياسية» من أجل الالتفاف على الفضيحة حتى لا يسقط التحالف الحكومي. هنا كان لابد أن يتدخل الملك ليعطي تعليماته لرئيس الحكومة «بإجراء بحث كامل وشامل بخصوص الاختلالات التي عرفتها إحدى مقابلات كأس العالم للأندية التي أقيمت على أرضية المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط». وكانت نتيجة البحث «إثبات المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة لوزارة الشباب والرياضة، وكذا مسؤولية المقاولة، في الاختلالات المسجلة على صعيد إنجاز هذا المشروع»، ومن ثم صدر قرار الإعفاء. ثم انفجرت الواقعة الثانية إثر إقدام وزيرين في الحكومة الحالية على اقتراف «علاقة حب»، تلتها خطبة مدوية تكرس التعدد، عبر إهانة مدونة الأسرة، والإساءة إلى كل ما خطاه المجتمع المغربي من أشواط دستورية تعلي من مكانة المرأة والأسرة المغربية.
هنا أيضا كان صمت رئيس الحكومة، فيما انبرى أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، للدفاع عن «الكوبل» الحكومي، ولإثبات حق الوزيرين في بناء عش الزوجية على أنقاض البيتين الأولين للحبيب وسمية، وعلى أنقاض المجتمع برمته الزواج، على اعتبار أن الأمر يتعلق بـ«حب على سنة الله ورسوله»، و«ما علينا إلا مباركته». وذلك أمام ذهول المغاربة وخيبتهم مما يجري في النادي الحكومي. ولنا أن نتصور أنه لولا تدخل الملك دستوريا لإيقاف هذا النزيف السياسي والأخلاقي، لكنا إزاء مسلسل فضائحي كبير لا يتوقف، تماما كما لو صرنا نعيش زمن السيبة، في الوقت الذي صرنا نتمتع بوثيقة دستورية تعتبر على المستوى النظري من أرقى الوثائق في تاريخ المغرب المعاصر.
إزاء هذه الوقائع المشينة يتأكد بأن الحاجة لا تزال دائما موضوعية لتدخل الملك الدستوري لإعادة الرشد لوزراء يسخرون بأنفسهم قبل أن يسخروا بالمغاربة، وبأننا لا نزال بعيدين عن نخبة حكومة تتمتع بالحس الأخلاقي والسياسي، ولذلك فمطلب تواري الملك خلف المشهد الحكومي يظل من باب العبث الذي لا يساويه سوى عبث حكومة بنكيران. مجمل القول إنه لولا الفصل 47 لتم السكوت عن كل الفضائح من أجل إتمام الصفقات الحزبية وحيازة الكراسي، ولولا الدستور لدخلت الممارسة الحكومية متاهات المجهول!!
محمد غالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش
القوة المحافظة تسيطر على حكومة بنكيران ولا تأخذ المبادرة
الإشكال المطروح لدينا هو أننا نعيش الجيل الثالث من الدساتير، وهذا ما يجعلنا نقول إن الدستور الحالي دستور متقدم، فهو دستور التمكين، بمعنى الدستور الذي يهتم بالنتيجة أكثر من اهتمامه بالوسيلة. وقد بدأنا القرن العشرين بسؤال الإصلاح وأنهيناه بسؤال الإصلاح، وبدأنا القرن الواحد والعشرين بسؤال الإصلاح.. الإشكال يكمن في رجال الإصلاح وعقلية الإصلاح.. فنحن نعاني من سيادة عقليات محافظة داخل الحكومة لا تستطيع أن تخوض غمار المغامرة. وإذا لاحظنا اليوم تنامي الزيارات الملكية المتكررة خارج البلاد والتحرك الملكي، حتى أصبح الملك يربط زياراته بأمور ملموسة على الميدان ولم يعد يقبل بما يسمى بـ«الماكيط». إن المقاربة الملكية في إدارة وتتبع المشاريع تغيرت وأصبحت مقاربة براغماتية، بمعنى ما هو موجود على مستوى أرض الواقع وليس فقط ما هو نظري، وهذا ما لاحظناه من خلال مجموعة من الزيارات التي قام به الملك خارج البلاد. إذن الملك بصفته رئيس المجلس الوزاري يتدخل لما لا تبدو له أمور عملية وملموسة، أو يظهر له أنه ليست هناك سرعة متناغمة ما بين مجلس الوزراء والمجلس الحكومي، فهذا بطبيعة الحال يدفع الملك إلى الردات التي يكون من خلالها إما تعديل حكومي أو ربما اجتماع مجلس وزراء أو شيء من هذا القبيل. وهذا الأسبوع كنت أناقش مع طلبتي نظرية لماكس فيبر تقول إن الدولة تمتلك العنف المادي والعنف الرمزي الذي يعني إيماننا برمزية الدولة وهيبتها وقوتها مثل الآباء الذين يمتلكون قوة رمزية في علاقتهم بالأبناء، والحال أننا نلاحظ أن رمزية الدولة في تراجع، فهل يكفي العنف المادي وحده فقط لتحقيق الاستقرار؟ لا أعتقد ذلك. فالرأسمال الرمزي في عهد الحكومة الحالية أضحى يتآكل وبدأت الدولة تفقده. وبصراحة، فالحكومة الحالية تتشكل أساسا من بنكيران والعنصر وبنعبد الله، فهل تعتقدون أن هؤلاء ينتمون إلى هذا الجيل الحكومي؟ هذا إشكال.. وستجد دائما القوة المحافظة تسيطر على تحركاتهم أكثر من أيء شيء آخر، وهذه القوة المحافظة التي يمتلكون لا تسمح لهم بالاندفاع في ما يخص بعض القضايا وأخذ المبادرة، مثلا اتخاذ قرارات جريئة في مجال التعمير، اتخاذ قرارات جريئة في ما يتعلق بإصلاح أوضاع الشباب.. فنحن بحاجة إلى قرارات جريئة، كما أن الحكومة تتشكل من أطراف كانت تتقاسم الصراع الإسلامي- اليساري. وأعتقد أن حزب التقدم والاشتراكية يتعامل ببراغماتية مع حكومة بنكيران، بل يدافع عن هذه التجربة، وهو عمليا يعيد ترتيب حساباته مع حلفائه السابقين في الحكومات السابقة، حيث كان ينظر إليه كأقلية داخل الحكومة. أما بخصوص الإشكال الثاني الذي نعيشه على المستوى الحكومي هو سيادة تدبير اليومي مع ضمان عدم حدوث قلاقل أو هزات، فلو كان الوزراء يعملون بجدية ودينامية، سيكون المدراء أيضا جديين وديناميين.. وهذا الإشكال نلاحظه مثلا لدى بعض العمداء بالجامعات، فمبجرد تعيينهم يقررون إغلاق مكاتبهم وانتظار انتهاء فترة مسؤوليتهم دون القيام بالإصلاحات الجريئة خوفا على مناصبهم نتيجة حدوث هزات أو قلاقل، موجهين تعليمات لمرؤوسيه «ماتجيبو ليا صداع».
التهامي بن احدش، أستاذ القانون الدستوري ورئيس شعبة القانون بكلية الحقوق بفاس
بنكيران لم يستوعب بعد أنه رئيس حكومة رغم مرور 4 سنوات
هناك ثلاث حالات لإعفاء الوزراء بمقتضى الدستور الجديد: إما بمبادرة من الملك بعد أن يستشير رئيس الحكومة، أو بمبادرة من رئيس الحكومة الذي يطلب من الملك إعفاء أحد اعضاء الحكومة، والحالة الثالثة هي أن تأتي المبادرة من الوزراء أنفسهم حيث يقدمون استقالتهم إلى رئيس الحكومة الذي يطلب من الملك إعفاءهم. لكن المشكل في المغرب هو أن المسؤولين الحكوميين بصفة عامة عوض أن يستندوا إلى الدستور في ممارسة مهامهم يفضلون دائما الرجوع الى الملك أو إلى خطبه في المناسبات الرسمية لتبرير بعض القرارات التي يتخذونها. وهذا نلاحظه أيضا بالنسبة للمسؤولين الحكوميين الحاليين، رغم أن هناك فرقا كبيرا بين الاختصاصات التي يمنحها دستور 2011 للحكومة بصفة عامة ولرئيسها بصفة خاصة، وما كانت تعطيه الدساتير السابقة للوزراء الأولين وللوزراء. وأعتقد أن الحكومة الحالية في شخص رئيسها مازالت لم تتشبع بالمستجدات والمقتضيات التي جاء بها الدستور الجديد ومازالت تمارس مهامها كما لو كنا قبل 2011 علما أن الدستور الجديد يمنحها اختصاصات واسعة. تابعنا الضجة التي رافقت قرار إعفاء وزير الشباب والرياضة أوزين من طرف الملك، وفضيحة ما يسمى «الكوبل ».. هذه ممارسات تسيء للمغرب رغم محاولات البعض الدفاع عن هذه السلوكات بكونها تدخل ضمن الحياة الخاصة للمسؤولين، وأعتقد أن هذه السلوكات تسير ضد التوجه العام لمدونة الأسرة التي تعتبر نموذجا في العالم العربي والإسلامي، مهمة الوزراء هي إعطاء صورة ايجابية عن المؤسسات المغربية وليس العكس، ومع كل هذا لم يبادر رئيس الحكومة لتصحيح الوضع وتفعيل الإختصاصات الموكولة إليه بمقتضى الدستور بطلب إعفاء الوزراء المتورطين في هذه الفضائح، بل جاءت المبادرة من ملك البلاد. وأعتقد أنه من اختصاصات ملك البلاد بمقتضى الدستور التدخل عندما يلاحظ وجود بطء في الأداء الحكومي أو انحراف عن المسار، من أجل إصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسد الثغرات التي تركتها الممارسة الحكومية. من جانب آخر نلاحظ أن عبد الإله بنكيران لم يستطع لحد الآن رغم مرور حوالي 4 سنوات على توليه المسؤولية أن يستوعب أنه رئيس للحكومة، علما أن رئاسة الحكومة تفرض عليه التعامل وفق تصرفات وسلوكات معينة تختلف عن سلوكات رئيس حزب، ومشكلة عبد الإله بنكيران أنه لم يستطع أن يقيم ذلك الفصل بين رئاسته للحكومة التي تتطلب منه خطابا متزنا ومسؤولا وبين رئاسته للحزب وما تفرضه من ديماغوجية وتوجيه لسهام النقد اللاذع للخصوم.. فحينما نحاول رصد تحركات رئيس الحكومة، فكل أسبوع يحل بإقليم معين ليس للحديث عن الملفات والمشاريع التي تقوم بها الحكومة، ولكن من أجل توجيه انتقاداته بطريقته الخاصة إلى معارضيه السياسيين، وهذا لا يدخل في مهامه كرئيس للحكومة. رئيس الحكومة يجب أن يضع مسافة مع الصراعات السياسية، وألا يتدخل إلا في الحالات الضرورية، ويترك المسؤول الذي يعوضه في الحزب ليدبر أمور الحزب.
عبد القادر الكيحل، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال
انتظارية بنكيران هي التي دفعت الملك إلى القيام بدوره كرئيس للدولة
عمليا يسجل على الحكومة مجموعة من التخليات في الاختصاصات الدستورية الموكولة إليها، باعتبار أن التدبير اليوم هو تدبير بدستور جديد، ولكن المنطق الذي يحكمه هو منطق ما قبل دستور 2011. فالحكومة مازالت لم تستوعب لحد الآن أن هناك تحولا، وأن المشروع الدستوري أعطاها مكانا واسعا من حيث الاختصاصات، ومن حيث المسؤولية. فاليوم الحكومة لديها مسؤولية مباشرة على تدبير الإدارة من حيث تسييرها، ومن حيث تعيين المسؤولين فيها، ومن حيث الرقابة على سيرها الطبيعي والعادي. الآن الحكومة لاتقوم بأي دور في هذا الإتجاه بالشكل الذي يجعلها تقون بأدوار طلائعية في مجال تدبير الإدارة المغربية. الشيء نفسه في ما يتعلق بالقضايا المرتبطة باختصاصات رئيس الحكومة فيما يرتبط ببنية الحكومة. فرئيس الحكومة لم يبادر بحل عدد من الإشكالات: الإشكال الأول يتعلق بفضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله، والتي اعتبرها رئيس الحكومة بالأمر الطبيعي جدا والعادي، ليتبين في ما بعد أن هناك إشكالا حقيقيا يقتضي ضرورة إعفاء الوزير أوزين، ولكن المبادرة لم تأت من رئيس الحكومة. الأمر نفسه في ما يتعلق بفضيحة «شوكولاتة» الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية، والأمر نفسه في ما يتعلق بالوزراء المنتمين للحزب الذي يقود الحكومة. وبالتالي فانتظارية الحكومة هي التي دفعت الملك إلى تفعيل بعض الاختصاصات المرتبطة بدوره كرئيس للدولة، وكمسؤول عن ضمان السير العادي للمؤسسات بمقتضى الدستور. وعمليا المؤسسة الملكية انطلاقا من التحولات التي عرفها المغرب مع دستور 2011، والتي بمتقتضاها تم منح صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية وعدم قيام السلطة التنفيذية بتنفيذ أدوارها يفتح المجال للملك ليمارس أدواره بحكم المقتضيات الدستورية. وأعتقد أن ما يحدث لا يرتبط بالدستور أكثر مما يرتبط بشخصية المدبر والمسؤول. أولا المسؤول ينبغي أن تكون له الثقة في أنه يتحمل مسؤولية عمومية بناء على استحقاقات انتخابية، والإشكالية تكمن في أن رئيس الحكومة بقدر ما يتبجح بكونه يحظى بشعبية، مازالت لديه خلفية الإشتغال بما قبل الدستور الجديد، يشتغل بحذر ويريد أن يطمئن مؤسسات الدولة، يريد أن يطمئن الشعب، أراد أن يكون مثار إعجاب جميع الفئات والمكونات، وهذا أمر غير طبيعي، علما أن الوضع يقتضي أن يكون المسؤول حازما وأن يعرف ما هي حدود المسؤولية التي يتحملها. وبالتالي فليست صفة رئيس الحكومة هي الأساس، بل النتائج التي حققها أثناء تحمله المسؤولية. فالزعماء الذين تحملوا المسؤولية في الحكومات السابقة من قبيل عبد الرحمان اليوسفي، لهم خبرة وحنكة، كما أنهم راكموا التجارب بخصوص كيفية التعامل مع المستجدات وأخذ المبادرة، رغم أن الدساتير السابقة كانت تجعل الحكومة مجرد غرفة انتظار بينما المسؤوليات الكبرى بيد المؤسسة الملكية، حيث كان المسؤول يضع مسافة بينه وبين الهيآت السياسية. فعلى الرغم من كونه يتحمل مسؤولية سياسية فإنه لا يعتبر المسؤولية التدبيرية هي مسؤولية حزبية. وبالتالي رفض الحديث عن المسألة الحزبية في جميع المحطات كما يقع اليوم، حيث لا تتم التفرقة بين خطاب الحكومة وخطاب التدافع السياسي، انتفاض الجواد على كل ما يكتب في الإعلام والصحافة.. وهذا نوع من الثقافة غير الطبيعية. فالمسؤول الحكومي ينبغي أن يتعامل بأريحية مع كل ما ينشر حتى ولو كان قاسيا في بعض الأحيان، فما بالك إذا كانت هناك انتقادات منطقية ومعقولة. عمليا هذا النوع من الثقافة هي التي جعلتنا نكتشف أنه ليس لدينا مسؤول يراكم التجربة وله استراتيجية واضحة، علما أن رئيس الحكومة لم يحدد لحد الآن الفئات التي يستهدفها، لا من خلال سياساته ولا من خلال خطابه ولا من خلال ممارساته. فعلى الرغم من مرور حكومات كانت شعبيتها في الحضيض في أوج المعارك التي كانت بين الأحزاب الوطنية المعارضة آنذاك والحكومة الإدارية، ورغم ذلك ظل هناك حد أدنى من احترام المؤسسات وتخليق المؤسسات. واليوم الحكومة الحالية دشنت صعودها بنشر الخطاب الشعبوي.. وزراؤها كيمشيو في الطوبيسات.. تياكلو البيصارة.. لكن سرعان ما تنقلب الأمور إلى ممارسات لم تكن حتى في عهد الحكومات السابقة بمكاتب باذخة وممارسات وسلوكات غير طبيعية، الشيء الذي يجعل البوصلة مفقودة، لأن حزب العدالة والتنمية لم يكن مهيئا لتحمل المسؤولية، بل الصدف هي التي مهدت له الطريق للصعود إلى الحكم بعد الحراك الذي عرفته المنطقة، وممارسات وزراء حزب العدالة والتنمية لا تسمح لهم بأن يكونوا رجالات دولة، والذي أعطى صورة غير طبيعية عن المؤسسات وبالأخص مؤسسة الحكومة.
جواد الشفدي، مدير نشر جريدة «التجديد»
المعارضة هي المسؤولة عن توقيف قطار الانتقال الديمقراطي
لا أرى عيبا في أن يختار عبد الإله بنكيران منذ بداية رئاسته للحكومة الحالية مبدأ التعاون مع الملك محمد السادس وعدم تنازع الصلاحيات معه. فالملك يبقى هو رئيس الدولة وفق أحكام الدستور، ورئيس الحكومة هو الرجل الثاني في هرم الدولة، ومن صالح البلد أن يكون هناك تفاهم وتعاون بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة. فالحراك الذي عرفته بلادنا إبان الربيع العربي تولد عنه دستور جديد بصلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، وأدوار متقدمة للمعارضة البرلمانية وحضور وازن للمجتمع المدني. لكن تنزيل هذا الدستور يحتاج الى وقت والى تدرج. فلا يمكن بين ليلة وضحاها الانتقال من مرحلة متأخرة من حيث التقاليد والثقافة الدستورية الى مرحلة متقدمة ومختلفة تماما عن سابقتها. ومن وجهة نظري، فالحكومة الحالية فتحت العديد من الأوراش الكبرى التي عجزت الحكومات السابقة الاقتراب منها، حيث استفادت من المجال الواسع الذي أتاحه لها الدستور، أما بخصوص النقاش المفتوح الذي يدور حول تخلي رئيس الحكومة عن صلاحياته الدستورية، فأعتبره هروبا إلى الأمام، فهذا النقاش أطلقته المعارضة بعدما عجزت عن القيام بصلاحياتها المتقدمة وفق الدستور الحالي للمملكة، واختلقت معارك هامشية مع رئيس الحكومة والأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي. كما أن الأجواء السياسية التي تسود حاليا لا تساعد على تسريع وتيرة تنزيل الدستور، فعندما يصف زعيم حزب سياسي من داخل قبة البرلمان رئيس الحكومة بأنه ينتمي لداعش والنصرة والموساد، فما علينا إلا أن نشفق على حال هذه المعارضة المترهلة التي تهدف إلى إيقاف قطار الانتقال الديمقراطي الذي يعتبر مطلبا شعبيا قبل أن يكون برنامجا حكوميا. أختم وأقول إن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يمارس كامل صلاحياته الدستورية، واختياره لمبدأ التعاون مع المؤسسة الملكية يعتبر اختيارا صائبا. فالانتقال الديمقراطي يحتاج لهذا التعاون كما يحتاج إلى معارضة بناءة رصينة ومتعقلة وفي حجم المسؤولية الملقاة عليها لمواكبة هذا الانتقال.
امحمد كرين، فاعل سياسي وحقوقي
الكرة الآن في ملعب الحكومة، والبناء الديمقراطي مسؤولية كل المؤسسات
أنا لا أشاطر المقاربة التقليدية لدور وصلاحيات الحكومة ورئيسها والتي يسعى البعض من داخل الأغلبية وخارجها إلى تكريسها، بل إنني من الذين يدعون إلى استعمال كل الصلاحيات وإلى التفعيل الموسع لها على أرض الواقع طبقا لنص وروح الدستور المغربي ليوليوز 2011. وهذا شيء أساسي في المرحلة التاريخية التي تعيشها بلادنا حيث أن التشكيلة الحكومية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لنونبر 2011 تعتبر تجربة مؤسسة في البناء السياسي والديمقراطي المغربي لأنها تشكل أول تجسيد على أرض الواقع للدستور الجديد الذي جاء في إطار ما سمي ب«الربيع العربي» كنتيجة لحراك مجتمعي وكاستجابة للتطلعات الديمقراطية بالبلاد ليشكل نقلة نوعية في مسار البناء المؤسساتي والديمقراطي بالمغرب. وفي هذا الاتجاه وحتى تكون السياسات العمومية منبثقة من الاختيارات الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع ومما يمكن من ربط المسؤولية بالمحاسبة فإن الدستور فرض أن يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. كما أعطى الدستور صلاحيات مهمة للحكومة التي «تمارس السلطة التنفيذية وتعمل تحت رئاسة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف على المؤسسات والمقاولات العمومية» (الفصل 89). بالإضافة إلى أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية، كل في القطاع المكلف به (فصل 93). كما يتداول المجلس الحكومي في السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، وتتداول السياسات العمومية والقطاعية ومشاريع القوانين ومن بينها قانون المالية الذي يشكل البورة العملية للاختيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية وذلك بدون شروط ما عدا التقيد بالتوجهات العامة التي يصادق عليها المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك. وهذا شيء طبيعي لأن «الملك أمير المؤمنين ورئيس الدولة، وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة، وهو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها» (فصل 42). معنى ما سبق هو أن للحكومة ورئيسها ما يكفي من الصلاحيات الدستورية لتطبيق برنامجها الحكومي، ومن جانب آخر فرغم التصدع الذي عرفته الأغلبية الحكومية بعد المؤتمر الوطني الأخير لحزب الاستقلال وخروجه من الحكومة فإنها سرعان ما استرجعت تماسكها في نسختها الثانية بفضل إلحاق حزب التجمع الوطني للأحرار بالحكومة التي أصبحت بفضل ذلك تتوفر على أغلبية برلمانية مريحة ومتماسكة تضمن لها جوا من الاستقرار والاطمئنان السياسي وتمكنها من تمرير كل مشاريعها بكيفية سلسة وطبيعية. ولم يصدر من أي حزب من أحزاب الأغلبية أي فعل وبل أدنى إشارة تخل بالتماسك الحكومي، فالحكومة يمكن لها أن تتقدم بكل مشاريع القوانين التي تراها ضرورية وبالشكل والمحتوى الذي تراها ملائمين وتتوفر على أغلبية برلمانية مريحة ومستقرة تمكنها من التصديق على مشاريعها رغم ما يمكن أن يظهر من انتقاد أو تحفظ أو مقاومة من طرف المعارضة، وهو شيء طبيعي في الأنظمة الديمقراطية. خلاصة القول فإن كل الشروط متوفرة لكي تقوم الحكومة بعملها بكيفية طبيعية وأنها تبقى في آخر المطاف هي المسؤولة عن إنجاز أو عدم إنجاز برنامجها التي تقدمت به أمام البرلمان والتي نالت على أساسه ثقة مجلس النواب طبقا للمقتضيات الدستورية. إن الكرة إذن في ملعب الحكومة وكل ما يطلب منها أن تلعب دورها كاملا لأن البناء الديمقراطي يتطلب أن تلعب كل المؤسسات الدستورية دورها، لكن دورها كاملا ودورها فقط. المسألة قضية إرادة وعزيمة لأن النوايا الحسنة وحدها لاتكفي.
بوبكر أونغير، باحث في العلاقات الدولية
استغلال بنكيران المفرط للملك في السجال السياسي هو ما يضر بصورة الملكية بالمغرب
منذ تعيين عبد الإله بنكيران من طرف الملك محمد السادس، كأول رئيس حكومة في تاريخ المغرب وفق الدستور الجديد للمملكة، إلا ويبحث عن الأعذار لتبرير عجزه عن مواجهة الصعوبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يواجهها المغرب.. في بداية ولايته الحكومية تذرع بنكيران بالتماسيح والفعاريت رغم أنه يملك وزارة العدل وبإمكانه تحريك المتابعات ضد المفسدين، ولكنه اختار شعار «عفا الله عما سلف»، كأنه يتحدث عن ماله الخاص وليس عن المال العام. فيما بعد واصل حروبه الكلامية ضد المعارضة مختبئا وراء الملك لتبرير عجزه الحقيقي عن الالتزام بواجباته ومسؤولياته الدستورية. وانا شخصيا اعتبر رئيس الحكومة فاشلا في تدبيره السياسي للبلاد، وعليه أن يستقيل قبل أن يقال، لأنه فشل في رفع النمو الاقتصادي وفي محاربة البطالة وفي محاصرة الرشوة والفساد وأبقى المرأة في وضعيتها الدونية في القوانين الانتخابية عبر تعطيله للمناصفة كمبدأ دستوري. عبد الإله بنكيران تفاجأ بتعقد وصعوبة ملفات التدبير السياسي للبلاد ويسعى لتصريف أزماته الحكومية والتغطية على فساد بعض أعضاء الحكومة وفضائحهم بالهروب إلى نقاشات عقيمة مع المعارضة، والاستغلال المفرط للملك في السجال السياسي، وهو ما يضر بصورة الملكية بالمغرب من حيث هي ملكية تحكيمية فوق السلط، ويعرض الديموقراطية المغربية الوليدة والهشة لتراجعات خطيرة، خصوصا في مجال الحريات العامة والصحافة والحريات النقابية.
ماذا يقول الفصل 47 من الدستور؟
يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.
ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.
ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة.
ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.
يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك.
تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة.
حول علاقة الملك برئيس الحكومة من خلال دستور 2011
الحكومة والمعارضة تتنافسان معا من أجل أن تكون حكومة ومعارضة صاحب الجلالة
الدكتور أحمد حضراني
كرس دستور 2011 الحضور الفعلي للمؤسسة الملكية ضمن النسق السياسي المغربي. فمازال الملك يتربع على رأس باقي المؤسسات الدستورية، ويتبوأ مكانة سامية ذات اختصاصات واسعة في الحالات العادية، وسلطات متميزة في الظروف الاستثنائية. فهو الذي يعين أعضاء الحكومة، وينهي مهامها، وإن وفقا لشروط وشكليات معينة، لا تخلو من مستجدات طالت المؤسسة الحكومية، على مستوى مكانتها، واختصاصاتها ودور رئيسها، بل تمت دسترة مجلس الحكومة، ولأول مرة. و بموجب ذلك تم توسيع اختصاصات الحكومة ورئيسها، في مقابل التفكيك أو القتل الرمزي للفصل التاسع عشر (19) من الدساتير السابقة. ومع ذلك ظل الملك ذا اختصاصات محفوظة خاصة في المجال الديني، وفاعلا أساسيا في السياسة العامة للدولة التي تحمل صيغة «التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة (الفصل 49)، بيد أن مجال السياسات العمومية (المشتركة)، فيعد رئيس الحكومة هو الفاعل فيها، بينما يكون الوزراء هم المسؤولون عن السياسات القطاعية.
أولا: السلطات الاستراتيجية المحتفظ بها للملك واختصاصات رئيس الحكومة
يظل الملك هو المهندس المحوري للسياسة العامة والاستراتيجية للدولة، غير المشتركة أو المتقاطعة إلى حد ما مع الجهاز الحكومي.
1 ـ الاختصاصات المحتفظ بها للملك
فبمقتضى الفصل الواحد والأربعين، فالملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، وبهاته الصفة فهو يرأس المجلس العلمي الأعلى، كما أن آلية ممارسة الصلاحيات الدينية من لدن الملك والمتعلقة بإمارة المؤمنين، تتم بواسطة ظهائر. فالمجال الديني «المحتفظ به» للملك، يندرج في إطار الحقل التقليدي، والذي ينفتح على ما هو حداثي سياسي (الملك رئيس الدولة...) ووطني (الحكم الأسمى بين المؤسسات، والساهر على احترام الدستور...). وهذا ما تم تكريسه بموجب أحكام الفصل الثاني والأربعين من الدستور. ويعد الملك سلطة تأسيسية لمراجعة الدستور، إذ بإمكانه أن يعرض (إختياريا) مباشرة على الاستفتاء، المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه (الفصل172)، بل إن كل مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور تعرض إلزاميا على الشعب قصد الاستفتاء، بواسطة ظهائر، وتشكل هاته الأخيرة آلية كذلك، وبعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، لعرض مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان، والذي يدعوه الملك للانعقاد في اجتماع مشترك لمجلسيه، للمصادقة على مشروع هذه المراجعة (الفصل 174). وهاته المكانة المركزية تخول للملك سلطات عديدة، فالملك هو القيم على الأمن الديني والروحي، وحتى العسكري، وبموجبها يمتلك سلطة التعيين في الوظائف العسكرية، وبإمكانه تفويض ذلك لغيره، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية (الفصل 53). وفي الحقل الدبلوماسي يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء وممثلو المنظمات الدولية، ويصادق على المعاهدات الدولية بعد موافقة البرلمان... (الفصل 55).
2 ـ اختصاصات الحكومة ورئيسها
تتم الإشارة في هذا الصدد إلى اختصاصات الحكومة ككل، ولرئيسها كذلك. وحبل الدستور في هذا الجانب بعدة مستجدات كدسترة مجلس الحكومة، كما سبق الذكر، والذي يتداول، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص المحددة بموجب الفصل 92 من الدستور. وممارسة الحكومة للسلطة التنفيذية، والعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي، والوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي تبعا لأحكام الفصل الثالث والتسعين، كما تعمل الحكومة على ضمان تنفيذ القوانين. ولهذا الغرض فالإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. ـ ممارسة رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه للوزراء، وتحمل المقررات التنظيمية، الصادرة عن رئيس الحكومة، التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها (الفصل 90). ولا يمكن إغفال المستجد الذي حبل به دستور2011، والذي خول لرئيس الحكومة حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور (الفصل 172).
ثانيا: الاختصاصات المتقاطعة أو المشتركة بين الملك ورئيس الحكومة
وسع الدستور الجديد من اختصاصات الحكومة، فرئيسه يشارك في اتخاذ القرار في مجال السياسات العمومية، وإن بشكل تابع لرئيس الدولة.
1 ـ رئيس الحكومة والمجال التنفيذي
يشارك رئيس الحكومة الملك في اتخاذ القرار العمومي المندرج في إطار السلطة التنفيذية، إما بشكل فردي أو في إطار مؤسسي: ـ رئيس الحكومة سلطة اقتراحية في المجال السياسي والإداري: ففي ما يتعلق بالجانب الأول، فرئيس الحكومة يقترح على الملك تعيين أعضاء الحكومة، ويطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضائها (الفصل47)، أما بخصوص الشق الثاني، فالمقصود بذلك التعيين في المناصب والوظائف المدنية السامية، التي يمتلك الملك فيها سلطة التعيين (والي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي و عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية)، والتي تتم باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني بالأمر، ويتم التداول في هاته التعيينات في المجلس الوزاري، أما التعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية، فهي منوطة برئيس الحكومة، والقابلة للتفويض حسب مقتضيات الفصل الواحد والتسعين. أما أحكام الفصل الموالي (92) فمثلت (إعطاء أمثلة) بهاته التعيينات، والتي تخضع لتداول المجلس الحكومي، وتهم فئات الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا. ولم تكتف المقتضيات الدستورية المذكورة في تحديد هاته التعيينات، وتخويلها معا للملك ولرئيس الحكومة، بل أحالت على قانون تنظيمي لتتميم لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة. وتحديد مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف، لاسيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية، بعد تداول مجلس الحكومة بشأنها، تحت رئاسة رئيس الحكومة. ـ المجلس الوزاري و القرارات الحاسمة وغير العادية: يعتبر المجلس الوزاري الإطار الذي تتخذ فيه القرارات السيادية والإستراتيجية كحالة الحصار وإشهار الحرب، فبالنسبة لحالة الحصار، المتخذة من لدن الملك، بواسطة ظهير، يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، أما اتخاذ قرار إشهار الحرب فيتم داخل المجلس الوزاري، وبعد إحاطة البرلمان علما بذلك.
2 ـ الدور الاستشاري لرئيس الحكومة
يلعب رئيس الحكومة دورا استشاريا بالنسبة لما يعتزم الملك القيام به من أعمال وقرارات، سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية.
ـ فعلى المستوى الأول، فرئيس الحكومة، يستشار من لدن الملك، عند إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة (الفصل47)، أو إخباره عند عزم الملك حل مجلسي البرلمان معا أو أحدهما (الفصل 96).
ـ ومن الجانب الثاني، فيمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
على سبيل الختم
وما تجب الإشارة إليه في الختام،أنه تناط برئيس الحكومة بعض الاختصاصات الأخرى، وذات الطابع التنظيمي، فإذا كان الملك يرأس المجلس الوزاري، ورئاسة المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54)، فالإمكانية متاحة لرئيس الحكومة ليرأس المجلسين معا، ولكن بتفويض من الملك، وعلى أساس جدول أعمال محدد. وهاته الرئاسة التفويضية من مستجدات دستور2011. وعموما، فإن جهازي المجلسين الحكومي والوزاري ليشكلان أداتين للتنسيق والتعاون وتبادل الآراء بين أعضاء الفريق الحكومي عن طريق المجلس الأدنى (مجلس الحكومة)، وكذا لتحضير القضايا التي سيتم عرضها على المجلس الأعلى (المجلس الوزاري)، وليتوج في إطار هذا الأخير باتخاذ القرارات في القضايا الكبرى والاستراتيجية. وإن كان تواجد المؤسستين الحكومية والوزارية يعزز بنيان النظام الدستوري المغربي القائم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، لكن الواضح على أن هناك تبعية تامة للحكومة ورئيسها للمؤسسة الملكية، وفي مختلف المجالات، والتي تعزز المكانة والاختصاصات الحصرية التي يتمتع بها الملك كقيم على الأمن الروحي والعسكري والدبلوماسي... ويزيد من هاته التبعية الممارسة، فالحكومة والمعارضة تتنافسان معا، من أجل أن تكون حكومة ومعارضة صاحب الجلالة. هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد انعقدت في ظل الحكومة الحالية (منذ يناير 2012) 10 مجالس وزارية، و155 مجلسا حكوميا، والملاحظ على الاجتماعات الأسبوعية للمجالس الحكومية المنتظمة أنها تخوض وتقرر بشكل أساسي في التعيينات في المناصب العليا.
أستاذ جامعي بمكناس