أشباح، افتراضيون، صوريون.. هي أسماء عدة لهيئات واحدة، إنها بعض الجماعات القروية بالأقاليم الصحراوية، تأسست في ظروف أمنية وتاريخية معينة، تدبر شؤونها المحلية عن بعد مئات الكيلومترات، رؤساؤها وموظفوها «يشتغلون» في مقرات «طالبة ضيف الله» بجماعات ترابية سواء في الداخلة أو بوجدور أو السمارة
بعضهم يصف الوضع الاستثنائي بأنها جماعات ترابية أقرب إلى «حكومات المنفى»، خصوصا وأن الساكنة بدورها «تطلب اللجوء الجماعي» في الوقت الذي لاتزال فيها الصعوبات العسكرية قائمة وتحول دون عودتهم أو تعميرهم لمناطق نفوذهم.. هي حالة استثنائية يعرفها تدبير الشأن المحلي ببعض جماعات الأقاليم الصحراوية، من بينها: أم ادريكة، اكليبات الفولة، زوك، اغونيت، ميجك، تشلا، تيفاريتي، امكالة، الحكونية.. وتتميز هذه الجماعات القروية بشساعتها وقساوة مناخها، بحيث تعد غير ملائمة لأي نشاط فلاحي، رغم أراضيها المنبسطة والخصبة أحيانا «الكرارات»..
وفي الوقت الذي كانت فيه العمليات الإحصائية السابقة، تورد عدد سكان هذه الجماعات، بغض النطر عن إقامتهم، فإن إحصاء سنة 2014، شكل صدمة لمسؤولي هذه الجماعات، إذ اكتفى الإحصاء بإعطاء رمز من حرفين هما PM لبعض هذه الجماعات، مما يعني أنها لا تتوفر على ساكنة، في حين تم إحصاء جماعات لها نفس الوضعية الاستثنائية، وهو ما جعل بعض المسؤولين الجماعيين يعتبرون نتائج الإحصاء مجحفة في حقهم ولا تراعي الوضع الاستثنائي لهذه الجماعات الواقع نفوذها الترابي قرب الجدار العسكري مع الحدود الجزائرية أو شرق الجدار تيفاريتي، ميجك.. بالمقابل أكد مصدر من المندوبية السامية للتخطيط أن «الهدف الحقيقي لأي عملية إحصاء سواء كانت وطنية أو جهوية تتوخى الحصول على معطيات حقيقية، لكي تشكل أرضية حقيقية للتنمية، وهو ما حصل في هذه الجماعات، إذ بغض النظر عن حيثيات خلق هذه الجماعات، فلاينبغي الارتفاع عن الواقع، وترابيا لاتوجد بمناطق نفوذها ساكنة، سواء لظروف عسكرية أو لعوامل طبيعية منها الجفاف، وهذا لايعني أي إقصاء لساكنتها الأصلية»، يؤكد نفس المصدر في اتصال هاتفي مع «الوطن الآن».
هي إذن جماعات بصفر ساكن، تطرح العديد من الأسئلة، حول هذا الوضع الاستثنائي الذي يتطلب شجاعة في اتخاذ قرار سواء بتعميرها وقبل ذلك خلق بنية تحتية للساكنة، أو إلحاقها بالبلديات، لأنه لا معنى لمخطط تنموي لهذه الجماعات وسكانها وموظفوها يعيشون بعيدا عنها بمئات الكيلومترات، قد يكون مفهوما القرار الذي كان في البداية، حيث كانت هذه الأقاليم عرضة لهجوم عسكري من طرف البوليساريو والجزائر، أما واليوم وقد استطاع المغرب فرض سيطرته العسكرية مسترجعا سيادته على كامل ترابه، فالمفروض أن يتم إيجاد حل لهذه الإشكالية التي اتخذها البعض نوعا من الريع الجماعي، إذ هناك جماعات أصبح بعض رؤسائها يتوارثون تسييرها الجماعي أبا عن جد، وحتى لو خرجت عن الأسرة الواحدة، فهي تسلم للقبيلة، ما دام أن هناك عوامل أخرى تتحكم في الاختيار الانتخابي لهذا الرئيس أو ذاك، بل المفارقة أن عمليات الانتخابات الجماعية، تجرى في الداخلة أو السمارة أو بوجدور، حيث تحتضن هذه الحواضر مقرات هذه الجماعات غير المرئية.. وهو ما يحتم تقطيعا إداريا مطابق لحقيقة وواقع المجال.
السالك بويا، فاعل جمعوي
الأمم المتحدة كانت أرحم في إحصائنا من لحليمي
لقد فوجئنا برمز PM الذي آعطاه محمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، لنتائج الإحصاء الوطني الأخير، في شقه المتعلق بجهة الداخلة وادي الذهب، نحن ندرك أن هناك اعتبارات عسكرية وطبيعية كانت وراء تنقيل ساكنة عدد من الجماعات من عمق الصحراء للاستقرار مؤقتا في مدينة الداخلة، ومعها هذه الوحدات الجماعية (بلدية الكويرة، جماعات اغوينيت، زوك، ميجك)، وجماعات أخرى في إقليمي بوجدور والسمارة، لكن لايمكن بآي وجه من الوجوه التفريط في حبة رمل من أقاليمنا الصحراوية، وبالأحرى التشطيب على ساكنة هذه الجماعات. صراحة لانعرف المعايير التي اعتمدتها مندوبية التخطيط في إعطاء نتيجة صفر ساكن بهذه الجماعات، وبالمقابل نطالب من الحليمي برد الاعتبار للساكنة ومعها ممثليهم الجماعيين، سواء في الجماعات والبلديات آو الجهة أو مجلسي البرلمان. فالساكنة ليست أشباحا، وعندما استقبلوا المكلفين بالإحصاء، وآعطوهم كافة البيانات، لم يكن يدور في ذهنهم أن الحليمي سيمنحهم شواهد الوفاة عوض شواهد الحياة.
إن الحليمي بهذه النتيجة منح هامشا لتحرك الآلة الدعائية لجبهة البوليساريو ضد الوحدة الترابية، وهو يصدق عليه المثل القائل «الفقيه اللي نترجاو بركتو، ادخل للجامع ببلغتو»، ويبدو أن الأمم المتحدة كانت آرحم بنا في إحصائها لنا، رغم المؤاخذات، من المندوب الحليمي، الذي عوض استعمال قلم الرصاص، استخدم الممحاة.
محمد الأمين موراد، كاتب ومدون صحفي وفاعل مدني بمدينة الداخلة
التقطيع الترابي بالصحراء وتغول النخب التقليدية
أعتقد شخصيا بأن ساكنة الصحراء لم تفاجأ كثيرا بالمعطيات التي تم تقديمها من طرف مصالح المندوبية السامية للتخطيط برسم عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير الذي أظهر جماعات ترابية بجهة وادي الذهب الكويرة بصفر ساكنة.
ذلك أنه وإن كان من القبول في وقت سابق أن يتم اعتماد التقطيع الترابي بالأقاليم الصحراوية على أساس سياسي مبني على منطق دعائي في مواجهة دعاية البوليساريو التي قامت على اعتماد نظام إداري للمخيمات يحاكي مسميات المنطقة (ولاية العيون، ولاية السمارة، دائرة الحكونية...)، فإنه بعد أربعين سنة من عمر نزاع الصحراء أضحت معه العديد من المعطيات على الأرض تقتضي التحيين وفق متطلبات التنمية كمدخل لحل الكثير من الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية.
أربعون سنة من التقطيع الترابي الحالي ساهمت في خلق محميات عائلية وجماعات وهمية يستفيد منها بشكل مباشر وضيق بعض النخب المحلية التقليدية سمتها الغالبة سيطرة تيار الأعيان والتحالفات العائلية والقبلية.
ومع ذلك، وكي نكون منصفين، فإن هذه التجربة رغم شوائبها قد ساهمت في ظهور أقطاب للتنمية يمكن البناء عليها من أجل فك الضغط عن المراكز الحضرية الحالية من خلال إعادة النظر في التقطيع الترابي الحالي بدمج بعض الجماعات الخالية من السكان حاليا مع أخرى يمكن أن تشكل أقطاب للتنمية بالجهة (على سبيل المثال جماعة العركوب وإمليلي وبئر انزران بإقليم وادي الذهب ومركز بئر كندوز والجماعة القروية لأوسرد بإقليم أوسرد)، وهو الإجراء الذي سيمكن الدولة من الترشيد الأمثل للموارد المالية والبشرية لتحقيق هذا الهدف.
غير أن قوى الممانعة بالصحراء والنخب المستفيدة من التقطيع الترابي الحالي ستعارض بكل قوة أي تغيير قد يطال هذا الأخير لأنه قد يؤدي إلى تسونامي سياسي سيجرف عروش العديد من القلاع الانتخابية المتنفذة بالمنطقة التي تغولت مع مرور الزمن، فهل الدولة مستعدة في الوقت الراهن للدخول في هذه المغامرة غير محسوبة النتائج؟
مامي رمضان، رئيس جماعة ميجك التابعة لإقليم وادي الذهب
مقاربة لحليمي تقتضي التشطيب النهائي على الجماعات بالصحراء!
- تم الترميز لجماعة ميجك، برمز PM ضمن نتائج الإحصاء الأخير، مما يعني صفر ساكن بهذه الجماعة وآخرى بنفس إقليم وادي الذهب، كيف تعلق على هذه النتيجة؟
+ نعتبر هذه النتيجة غير واضحة بالنسبة لنا كرؤساء لهذه الجماعات، ومع ذلك فنحن لم نتوصل بآي نتيجة رسمية، ونتساءل عن المعايير التي اعتمدت في هذه النتيجة السلبية، ونطلب جوابا من الإدارة المركزية للمندوبية السامية للتخطيط، لأنه لا معنى لإحصاء الساكنة وملء الاستمارات وفي الأخير يتم تسجيل صفر ساكن..
- لكن أين تقطن هذه الساكنة المسجلة في جماعة ميجك؟
+ الجميع يعرف أن الساكنة تقطن بمدينة الداخلة، ومقر الجماعة أيضا بهذه المدينة، والجميع أيضا يعرف حيثيات وخلفيات هذا الوضع الاستثنائي، إن هذا الإحصاء يضرب مصداقية الدولة التي تمول عددا من المشاريع التنموية لصالح ساكنة هذه الجماعة، إذ السؤال المطروح هو أين تصرف المساعدات المالية في ظل انعدام الساكنة؟ مما يعني أن نتيجته مغلوطة، وإلا كيف تجرى الانتخابات الجماعية، إذا كانت الكتلة الانتخابية صفر؟
- ما هي هذه المشاريع والساكنة تبعد بمئات الكيلومترات عن نفوذها الترابي؟
+ هناك مشاريع محاربة الجفاف، ويتم تقسيمها حسب عدد الساكنة في أي منطقة تابعة للنفوذ الترابي للجماعة والذي يتميز بشساعة من حيث المساحة، وترحال ساكنيها.. وكان على المشرفين على عملية الإحصاء مراعاة الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها هذه الجماعات، فجلها يوجد شرق الجدار الأمني العازل مع الجزائر، وهناك صعوبات عسكرية ومناخية تحول دون التحاق الساكنة بمناطق نفوذهم، ولكن هذا لايخول لأي إدارة كيفما كانت أن تشطب على الساكنة، وإلا ينبغي التشطيب نهائيا على الشخصية المعنوية للجماعة القروية ميجك، وحذفها من التقطيع الجماعي ككل، لأنه لامعنى لجماعة مهما كانت هزالة مداخيلها ،اعتمادها بالمطلق على المركز، ولايوجد بها ساكنة..
- كيف يتم تدبير الشآن المحلي في ظل هذا الوضع الاستثنائي؟
+ عملنا الجماعي يرتكز بالدرجة الأولى على مصالح الحالة المدنية، تسجل الوفيات والمواليد التابعين للجماعة، ونسلم الوثائق الإدارية.. ولايمكن حرمان الساكنة من حقوقهم في المواطنة الكاملة، كيفما كانت الظروف العسكرية أو المناخية.. والدولة هي الراعية لهذه الحقوق الجماعية..
- قد تكون هذه المبررات واقعية في ظرف زمني سابق، اليوم وضعت الحرب أوزارها، والمغرب يؤمن حدوده مع الجزائر، ألا ترى حلا لما يمكن اعتباره بـ «حكومات المنفى»، على وزن «جماعات المنفى»، وطلب الساكنة «اللجوء الجماعي» في جماعة أخرى؟
+ «يضحك»، في كل لقاءاتنا بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية، نطالب بحل هذا الوضع الاستثنائي، وكل الآراضي الواقعة في عمق الصحراء، التي ضمن النفوذ الترابي لهذه الجماعات هي ضمن السيادة الوطنية، ولايمكن التنازل عنها أو التفريط فيها، وسواء اليوم أو غدا لابد آن يتم تصحيح الوضع، من هنا ينبغي على مصالح المندوبية السامية للتخطيط مراجعة ما نعتبره خطأ في نتيجة إحصاء ساكنة هذه الجماعات.