الجمعة 20 سبتمبر 2024
خارج الحدود

بعد كارثة الطائرة الألمانية ...اجراءات جديدة لحماية المسافرين من"اكتئاب" الطيارين

بعد كارثة  الطائرة الألمانية ...اجراءات جديدة لحماية المسافرين من"اكتئاب" الطيارين

بعد حادثة ايرباص 320A التابعة لشركة "جرمان وينغز" الألمانية، بات على الركاب أن يضيفوا احتمالاً جديداً على لائحة الكوارث التي يخشونها أثناء رحلتهم في فضاء "المجهول"، فلم يعد الأمر يقتصر على الخوف من عملية إرهابية يقوم بها راكب، أو عطل فنّي يؤدي إلى تحطّم الطائرة، فقد تعدّى الأمر ذلك إلى تعب نفسي قد يدفع الطيار أو مساعده إلى الانتحار ونحر أرواح من معه.

في الأمس القريب دفع 150 راكباً أرواحهم ثمناً لاكتئاب مساعد الطيار أندرياس لوبيتز الذي كان وحيداً في قمرة القيادة لحظة وقوع الحادث، بحسب مدعي عام مرسيليا الذي رجح فرضية الانتحار أكثر منه فرضية العمل الإرهابي. 150 شخصاً رحلوا إلى الأبد بعد أن حجزوا إلى بلد لم توصلهم الطائرة إليه بعد أن قرّر لوبيتز أن يختم الرحلة فوق الألب ويحرق قلب عائلاتهم وأحبابهم.

ليس الأمر بسيطًا فالمصير أصبح بيد أشخاص يسلّمهم الركاب أرواحهم من دون أن يعلموا خلفياتهم وخبراتهم، لكن بعد أن أصبحت الحالة النفسية لقائد الرحلة أو مساعده سبباً في تغيير مصير البشر وتحويلهم إلى ذكرى، يطرح السؤال، كيف يمكن التأكد من أن الطيار بحالة نفسية تؤهّله القيادة؟ وهل اتخذت شركة طيران الشرق الأوسط إجراءات جديدة لتحول دون تكرار سيناريو "الألمانية" على متن إحدى طائراتها؟

إجراءات وقائية:

بعد الحادثة أقرّت ثلاث شركات طيران هي Easyjet وNorwegian Air Shuttle و Air Transat، ضرورة وجود شخصين بشكل دائم داخل قمرة القيادة. وهو ما وافق عليه مستشار رئيس مجلس إدارة شركة MEA (طيران الشرق الأوسط) الكابتن محمد عزيز وقال: " إن إجراءات الشركة لم تتغير بعد الحادثة وهي تقتضي منع بقاء شخص واحد في قمرة القيادة، فعند خروج الطيار أو مساعده، يحلّ مكانه إلى حين عودته شخص من طاقم الطائرة، هذه الإجراءات متخذة لأسباب عديدة منها الخوف من أن يُصاب الطيار أو مساعده بعارض صحّي أو أن يتوفى".

مراحل الوصول إلى القمرة:

لكن كيف يمكن للشخص أن يصبح طياراً؟ وما هي المراحل والاختبارات التي يمرّ بها قبل وصوله إلى قمرة القيادة؟ عن ذلك شرح نقيب الطيارين فادي خليل انه "على من يريد أن يصبح طياراً الخضوع لاختبار علمي وطبّي ونفسي في الجامعة الأميركية في بيروت، بعد ذلك يخضع لاختبار نفسي من قبل شركة اسبانيا في لبنان لدراسة شخصيته ومدى تحمّله للضغط قبل توجهه إلى اسبانيا لدارسة الطيران لمدة سنة ونصف، عند عودته يكون مساعد طيار لمدة ثمانية أو عشرة أعوام قبل أن يصبح قائد طائرة، حينها عليه أن يخضع لاختبار نفسي في ألمانيا".

"إجراء الفحوصات النفسية أمر جديد في مجال الطيران، لا تتجاوز مدة العمل بها نحو الخمس سنوات، وشركة طيران الشرق الأوسط اعتمدتها عند ترقية مساعد الطيار إلى طيار"، والفحص يتضمن حوالي مأتي سؤال يتوجب الإجابة عليها في وقت قصير، طريقة الاختبار معقدة فيتم طرح السؤال بعدة صيغ لمعرفة كيفية إجابة الشخص عليها".

متابعة دقيقة:

كلام خليل شدد عليه عزيز حيث قال أن "شركة MEA تختار طياريها بدقة عالية وتخضعهم لفحوصات عديدة قبل وصولهم إلى قمرة القيادة، منها اختبارات نفسية أول دخولهم إلى الشركة وعند تعيينهم كقائد طائرة، كما يخضعون كل ستة أشهر لاختبار طبي، وفي حال وجود أي شك حول أحدهم من الناحية النفسية يتم تحويله فوراً إلى طبيب نفسي، لكن هذا الأمر لم يحصل منذ عملي في الشركة قبل أربعين عاماً سوى مرة واحدة".

بين الشخصي والنفسي:

من جانبه، ميّز الدكتور نبيل خوري الاختصاصي في علم النفس العيادي بين اختبار الشخصية الذي يجرى لمرة واحدة قابلة للتكرار "وهو يُظهر بعض أنماط الشخصية التي ترتسم معالمها منذ فترة المراهقة، وما بعدها التي قد يكون فيها ما يستدعي اختبار المشاكل النفسية، وبين اختبار الوضع النفسي للاكتئاب او حالات القلق والاضطرابات النفسية، الذي من الضروري ان يتكرّر على الأقل مرة في السنة". وشرح لـ"النهار": "اذا كانت انماط شخصية الانسان والاضطرابات النفسية ترتسم معالمها في بداية حياته، فإن الاكتئاب والقلق يمكن ان يرتسما في غضون أسابيع لذلك من الضروري متابعة عملية التشخيص وتكرارها قدر المستطاع".

"قطبة مخفية":

وفيما يتعلّق بحادثة الطائرة، وعما إذا كان الاكتئاب تسبّب بقتل عشرات الركاب، اعتبر خوري إن هناك "قطبة مخفية"، وتساءل "المنتحر غالبا ما يفكر بالانتحار بمفرده، فلماذا اخذ مساعد الطيار قرارًا عن سابق تصوّر وتصميم بنحر الركاب معه، ما هو الهدف ونوع الاضطراب الذي يعاني منه؟" عن ذلك شرح أن "الاكتئاب وحده يؤدّي بالشخص الى التفكير بالانتقام من نفسه، لكن أن ينتقم من شركائه، فذلك يبدو بعيداً عن واقع الحال، خاصة أن ليس لدى مساعد الطائرة سمات شخصية تدلّ على أنه قاتل بالفطرة أو قاتل جماعي".

وأضاف "أظن انه يعاني من اضطراب اكتئابي ذهاني، كأن يسمع أصوات ويرى رؤية ويتخيّل بعض الأمور، ما يُسمى بالهلوسات، كأن يكون ظن أنه سمع صوتاً طلب منه القيام بما قام به، أو أنه قام بفعلته تكريساً لمبدأ وفكرة غير واقعية تمخضت عن مجموعة ظروف عاشها".

عندما تكون الأرواح مرتبطة بنفسية إنسان، سيبقى قدرهم معلقاً في الهواء حتى يكتب لهم الهبوط بسلام!