السبت 11 مايو 2024
سياسة

بعد قرار الداخلية الأخير حول الجمعيات: «النشطاء الصحراويون» في مأزق

بعد قرار الداخلية الأخير حول الجمعيات: «النشطاء الصحراويون» في مأزق

في سياق توجه قيادة البوليساريو لخلق أذرع لها داخل الأقاليم الجنوبية، وتشكل ما أصبح يعرف إعلاميا بـ «انفصاليي الداخل» أو «النشطاء الصحراويين»، تم تأسيس بعض الهيئات التي اتخذت من حقوق الإنسان مجالا لعملها، وكان أبرزها الجمعية الصحراوية لضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعروفة اختصارا بـ ASVDH، وتجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان المعروفة إختصارا بـ CODESA. ففيما إختارت الهيئة الأولى اعتماد الخروج إلى العلنية عبر مسلك قانون الجمعيات (ظهير 15 نونبر 1958)، وتقدمت بإيداع ملفها القانوني لدى السلطة المختصة بعمالة إقليم العيون، فكان الرد هو رفض هذه السلطات تسليم وصل الإيداع الذي يعطي للجمعية الأهلية القانونية (شهادة الميلاد). وهي الفرصة التاريخية التي منحت للمؤسسين ليتقدموا للرأي العام الدولي كضحايا لممارسات تعسفية وخارجة عن القانون. وتعمق هذا المنحى (وضع الضحية المقموعة)، بعد أن لجأت الجمعية (ASVDH) إلى العدالة وتمكنت من استصدار حكم لصالحها منذ سنة 2007، اعتبرت فيه المحكمة أن قرار السلطة الإدارية بالعيون مشوب بالشطط في استعمال السلطة، ومخالف لأحكام المادة الخامسة من قانون الجمعيات.

ومنذ ذلك الحين إلى غاية 11 مارس 2015 ظلت كل التقارير الدولية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب تشير إلى حالة المنع التعسفي للوجود القانوني لجمعية ASVDH. وكان موقف السلطات العمومية ضعيفا لأن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لم يكن يستسيغ مثل هذا الموقف، لأنه بكل بساطة يتعارض مع مبدأ سيادة القانون وامتثال الجميع لأحكامه.

أما الهيئة الثانية المعروفة اختصارا بـ CODESA فقد اختارت تكتيكا آخر ذهب في اتجاه الاستثمار الأقصى لوضع الضحية دون اللجوء إلى المساطر القانونية بشأن تأسيس الجمعيات.

وفي كلتا الحالتين، أي حالة ASVDH وCODESA فإن أعمال وتحركات المنتسبين للهيئتين لم تتأثرا بوضعية المنع، بل ظلتا في غالب الأحيان تستفيدان من تساهل السلطات إزاء تحركات من أطلقوا على أنفسهم «النشطاء»، بل ذهب الأمر إلى دخول الهيأتين CODESA وASVDH في تنسيق واضح مع هيئات أجنبية لا تخفي صراحة عدائها للمغرب وتعتمد في تمويلاتها بالأساس على اللوبيات المقربة من النظام الجزائري سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوربا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى توقيت خلق هاتين الهيئتين ودلالاته، حيث تم ذلك بعد محاولتين فاشلتين لإيجاد غطاء للعمل من داخل جمعيتين وطنيتين عبر فرع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف بالعيون (مع إسقاط تسمية «المغربي» عن الفرع)، وفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتزامنت هذه التحركات مع إنهاء هيئة الإنصاف والمصالحة لعملها (2004-2006)، وشن حملة واسعة من قبل «النشطاء الصحراويين» لتبخيس عمل الهيأة، والتقليل من أهمية منجزها.

العلاقة مع الخارج وحرب الولاءات جعلت الهيئتين تدخلان حربا وتنافسا في ما بينهما، ولذلك لابد من فهم نزوع رموز الهيئتين نحو التصعيد في التصريحات المعادية للمغرب والمزايدة على بعضهما البعض في الخرجات الإعلامية لتقديم عربون الولاء التام لذوي النعمة. بل بلغ هذا التنافس إلى حد تبادل الاتهامات على المواقع الإخبارية الإلكترونية المقربة من الطرح الانفصالي بين اتهام بإختلاس أموال من دعم إسباني وسويسري واحتكار للسفريات للخارج، واتهام باختلاق أحداث وفبركتها للترويج لوضعية «المقموعين» واتهامات أخطر بالتنسيق وتسهيل العمل لتنظيمات أمريكية تبشيرية في إطار صفقة ترعاها القيادة الانفصالية بمخيمات تندوف تقوم على إفساح المجال للبعثات التبشيرية المسيحية للعمل بحرية في أوساط ساكنة المخيمات، وخاصة المراهقين والشباب مقابل دعم مالي وسياسي للجبهة الإنفصالية في الأوساط المسيحية النافذة في أمريكا والعالم.

هذا التنافس بين ASVDH وCODESA مرشح للاحتدام بعد إقدام السلطات على تمكين الأولى من وصل الإيداع القانوني، مما سيجعلها في وضع «غير مريح» تجاه «أصحاب القرار وأولياء النعمة»، لأنها سوف تفقد «وضع الهيأة الممنوعة» الذي كا يعطيها بعضا من «الطهارة» والتوظيف الأقصى لهذا الوضع لجلب المزيد من الدعم المادي والسياسي، ولذلك فإن الوضع الجديد لـ ASVDH سيجعلها أمام احتمالين: الأول، وهو مستبعد بالنظر للأجندة الحقيقية الكامنة وراء خلق هذا الإطار، وهو العمل في إطار الشرعية والمشروعية، أي احترام الدستور والقوانين المغربية الجاري بها العمل، وضمنها أحد الثوابت الدستورية الأربعة: أي الوحدة الترابية. أما الاحتمال الثاني فهو الاستمرار في الأعمال المملاة من قبل القيادة الانفصالية، والصادرة من الرابوني عبر لاس بالماس، مما يحتم على السلطات ردة فعل، وهنا لا بد من عدم السقوط في فخ ردة الفعل الخارجة عن القانون والمشروعية، لأن السلطة القضائية وحدها المختصة في النظر في أي نزاع يهم الحق في حرية الجمعيات.

أما CODESA، وعلى عكس ما تروج، فهي اختارت ألا تسلك طريق القانون، لأنها ببساطة لم تلجأ إلى إتباع المساطر التي تمكنها من الأهلية القانونية، ربما لأنها تجد في وضعيتها الحالية (أي الهيأة المقموعة) امتيازات كبرى لن يوفرها لها الوضع القانوني السليم، ولربما ستترقب مآل وضع منافستها ASVDH لترى إن كان من الضروري الإقدام على خطوة الوجود القانوني أم لا.

ومهما يكن من أمر فإن قرار وزارة الداخلية يوم 12 مارس 2015 الذي بمقتضاه تم تمكين 12 جمعية من «وصل الإيداع القانوني»، وضمنهم جمعيتان من العيون (معروفتان بتوجههما الانفصالي) تجاوبا مع ملتمس تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذا القرار لا يمكن إلا أن يكون له دور إيجابي على أكثر من صعيد، وخاصة في ما يتصل بسحب ورقة «النشطاء الصحراويين»، في ما يخص استثمار وضع «الضحية» وجعله «أصلا تجاريا».