الجمعة 22 نوفمبر 2024
ملفات الوطن الآن

هل سيغذي صراع شيوخ السلفية خزان الجهاديين بالمغرب؟

هل سيغذي صراع شيوخ السلفية خزان الجهاديين بالمغرب؟

كشفت مصادر مطلعة لـ «الوطن الآن» أن الشيخ أبو حفص تم استبعاده من تشكيلة المكتب الجديد لجمعية البصيرة، بعد الجمع العام المنعقد الأسبوع الماضي.

وعزت نفس المصادر ذلك إلى الخلاف الذي نشب مؤخرا بين الشيخ حسن الكتاني والشيخ أبو حفص، بعد قرار هذا الأخير الإلتحاق بحزب النهضة والفضيلة. من جانب آخر كتب الشيخ أبو حفص مقالا تحت عنوان: «بين داعش والخوارج» حمّل فيه المسؤولية المباشرة للتراث السنّي في تشكيل المرجعيّة النظريّة لداعش وهو المقال الذي شكل - حسب المراقبين - مسا مباشرا بمفهوم «السلف الصالح» المقدّس في المنظومة السلفيّة، هكذا قوبل بردود فعل عنيفة من طرف الشيخ حسن الكتاني الصديق الحميم لأبو حفص ورفيقه السابق في المعتقل.

بعض المراقبين كشفوا لـ»الوطن الآن»، أن الشيخ حسن الكتاني رفض الدخول في مراجعات فكرية لحد الآن بسبب تخوفه من فقدان الرأسمال الرمزي المتجسد في الشباب المعتنق للفكر السلفي، وهو ما يكشف أن الكتاني مازال متمسكا بمنهجه السلفي، ولهذا السبب يمكن فهم رفضه المشاركة السياسية مفضلا ما يسميه «الدعوة والتربية»، حيث يرى الكتاني أن «الذي يراجع أفكاره هو الذي كان على خطأ، ثم اكتشف أنه عليه أن يراجع ويصحح مساره، أما الذي يرى أنه لم يكن على خطأ وأنه مازال على الصراط المستقيم وأنه أخذ علمه عن علماء كبار،إذن ماذا سيراجع؟».

في حين يعد أبو حفص الأكثر وضوحا من باقي الشيوخ من خلال التزامه بالمراجعة الفكرية التي أطلقها من داخل السجن رفقة الشيخ حسن الكتاني (من أبرز بنودها استنكار العمليات المسلحة في الدول الإسلامية، ورفض تكفير المسلمين، وعدم معارضة النظام الملكي في المغرب، وتقدير كل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، والدعوة للتواصل مع الفعاليات المدنية).

من جهة ثانية، تبدو مواقف الفيزازي جد «براغماتية»، وهو الذي طالما أطلق تصريحات تعبر عن رغبته في دخول المعترك السياسي دون ان يلتزم لحد الآن بإنزالها موضع التنفيذ، مركزا كل اهتمامه على إطلاق إشارات حسن النية إزاء السلطة التي دشنها ببيان من زنزانته بعد أسبوع واحد من الحراك، يوم 27 فبراير 2011 اعتبر من خلاله الخروج على النظام في المغرب «لا يستقيم ولا يجوز»، كما تماهى الفيزازي - حسب المراقبين - مع الدبلوماسية الرسمية في عدد من القضايا مثل التزام الصمت عن الدعم المغربي لفرنسا إبّان حربها على شمال مالي، خلافاً للشيوخ الثلاثة الآخرين، توجيه رسالة في مايو 2013 للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يستنكر فيها موقفه بالإبقاء على إغلاق الحدود بين البلدين ، ليتمكن الفيزازي من نبيل رضى السلطة وبالتالي الظفر بمنصب إمام في أحد أكبر مساجد طنجة سنة 2013، كما حظي بشرف إلقاء خطبة الجمعة في حضرة الملك حمد السادس أثناء زيارته للمدينة خلال شهر مارس الماضي ليكرّس موقعه في المؤسسة الدينيّة الرسميّة القائمة على صيانة الأركان الثلاثة للإسلام المغربي، أي المذهب المالكي والعقيدة الأشعريّة والتصوّف السنّي.

أما الشيخ الحدوشي، الذي كان من أشد المدافعين عن «الجهاد» في سوريا إبان اندلاع الثورة السورية، فقد تحول الى أشرس أعداء تنظيم «داعش» في المغرب مباشرة بعد التحاق صهره (زوج ابنته) بالتنظيم، إذ أفتى بتحريم الجهاد في سوريا، لما يترتب عنه من مشاكل اجتماعية، لدى أسر المجاهدين.

وهي الفتوى التي جرت عليه انتقادات لاذعة من لدن متشددي «داعش»، حيث تلقى الحدوشي سيلا من الشتائم والتهجمات من طرف أنصار «داعش». يقول المدعو «أبو أنس جويد» وهو بالمناسبة ابن تطوان وأحد تلامذة الحدوشي الذين التحقوا بصفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» في رسالة موجهة إلى الحدوشي نشرت عبر الإنترنيت: «يوم خرج من السجن احتشدنا لاستقباله في قاعة أفراح بمدينة مرتيل فخطب قائلا: «دخلنا السجن أسودا وخرجنا أسودا» وكان الأصح أن يقول «دخلنا أسودا وخرجنا نعاجا، واليوم يعود الحدوشي للواجهة من خلال الطعن في الدولة الإسلامية و يتحدى الخليفة أبو بكر البغدادي.. مستواه العلمي متواضع بشهادة من عرفوه إلا أن الشباب المحيطين به لطالما صنعوا منه ابن حنبل زمانه..».

وحسب المراقبين، فإن دخول عمر الحدوشي على الخط في الحرب على «داعش» يضعه في وضع مشجع للمضي قدما في مراجعاته الفكرية، ولعل ما يعزز هذا المعطى كون الحدوشي ومنذ خروجه من السجن لم يسبق له أن خرج بموقف منتقد للنظام كما كان الأمر في السابق، إلى جانب معطى التقارب الذي حصل بين الحدوشي مع شيخه محمد الأمين بوخبزة، وهو الذي طالما اعتبره مقربا من النظام. وقد عبر الأمين بوخبزة نفسه عن هذا التقارب من خلال شريط فيديو أشار فيه إلى أن الحدوشي «عاد الى بيت الطاعة».

مصادر أكدت لـ«الوطن الآن» أن التكوين الفكري لشيوخ التيار السلفي الجهادي بالمغرب ونمط مقاربتهم الشرعيّة يكشف عن افتقادهم لأصول موحدة، وهي التباينات التي يحاول الشيوخ الأربعة طمسها من خلال عبارة «الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، في ظل هذه التضاربات بين الشيوخ الأربعة الذين طالما كانوا المؤطرين والموجهين للشباب المعتنق للفكر السلفي فتح الباب أمام مصراعيه أمام تغلغل أنصار «داعش» سواء داخل السجون، حيث تقدر بعض المصادر إلى أن 70 في المائة من المعتقلين السلفيين من المؤيدين لحركة «داعش». أما خارج السجون فالأرقام التي أعلن عنها وزير العدل مصطفى الرميد تشير إلى وجود 1212 مقاتل مغربي في صفوف «داعش» بالعراق وسوريا، إذ تحول المغرب إلى وجهة مفضلة للخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم دولة «سيدنا البغدادي» لاستقطاب المقاتلين - كما تؤكد ذلك بيانات وزارة الداخلية - والتي كان آخرها الخلية الإرهابية التي تنشط في استقطاب وتجنيد فتيات للقتال في صفوف «داعش» أو تزويجهن لمقاتلي التنظيم بكل من الفنيدق وسبتة ومليلية وبرشلونة، والتي أعلنت السلطات المغربية والإسبانية عن تفكيكها.

منتصر حمادة، باحث في الشأن الديني

تأثير الشيوخ السلفيين تراجع بسبب تصاعد المد الداعشي في بعض السجون المغربية

يرى منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني، أن التصدع بين الشيوخ السلفيين ليس المحدد الوحيد وراء تصاعد المد الداعشي، وإنما هناك العديد من المحددات، أهمها الحصار المضروب على مراجعات بعض الرموز المعتقلة، وفي مقدمتها مراجعات حسن الخطاب، وهناك أيضاً رد فعل بعض المعتقلين على المراقبة الأمنية الصارمة، ومنها تردي أحوال بعض المعتقلين السلفيين

- في نظرك لماذا ظل الشيوخ السلفيون يتصدرون المشهد السياسي والإعلامي رغم مرور 11 عاما على تفجيرات الدار البيضاء في ماي 2003؟

+ مرد ذلك كوننا نعيش في «الزمن السلفي»، فالمغرب مر من صدمة رهيبة، جعلته في محور التهديدات الإرهابية، وتجسدت هذه الصدمة في اعتداءات 16 ماي، بكل تباعاتها الاجتماعية والدينية والأمنية والسياسية، وكان الفاعل السلفي (والإخواني) في محور هذه التبعات، ومن هنا هذا الحضور اللافت نسبيا لمن يُصطلح عليهم بالشيوخ السلفيين المغاربة في المشهد السياسي والإعلامي.

- إلى حدود يوم أمس لم يكن أحد يعتقد أن الرفقة والصداقة بين أبو حفص والكتاني ستتحول الى خصومة بين الطرفين أدت الى استبعاد أبو حفص من حركة البصيرة التي عمل بها الشيخين منذ سنتين بعد قرار أبو حفص الإلتحاق بحزب النهضة، بينما حرص الكتاني على التمسك بالعمل الدعوي وهو الذي أصدر وثيقة مراجعة فكرية بعنوان «أنصفونا» الى جانب أبو حفص من داخل السجن. فكيف تقرأ هذا التصدع؟ وماذا عن تداعياته على الشباب السلفي داخل السجون؟

+ مواقف أبو حفص من العمل السياسي تختلف بشكل كبير عن مواقف الحسن الكتاني، وهذا جوهر الخلاف القائم بين الرجلين، زيادة على خلافات أخرى (شخصية على الخصوص). أبو حفص يرفع شعار ملء المقعد الفارغ في العمل الحزبي والسياسي، بخلاف موقف الحسن الكتاني الذي يريد أن يتفرغ للعمل الدعوي. أما موضوع تأثير هذا التصدع وتداعياته على الشباب السلفي داخل السجون، فهذا يفترض جدلاً أن لحسن الكتاني وأبو حفص العديد من الأتباع، وهذا أمر كان قائماً من قبل، ولكنه اليوم هذا التأثير تراجع بشكل كبير بسبب تصاعد المد الداعشي في بعض السجون المغربية، وبسبب ابتعاد أبو حفص والكتاني عن مواكبة أحوال المعتقلين السلفيين.

- كيف تنظرون الى الانقسامات في صفوف الشيوخ السلفيين وتباين آرائهم ومناهجهم علما انهم كانوا الملهمين للشباب السلفي قبل 2003، علما أن هناك من يشير إلى هذا التصدع بين الشيوخ فسح أمام المجال أمام تقوية نفوذ داعش في صفوف السلفيين داخل وخارج السجون ولعل أبرز دليل هو التحاق الآلاف من الشباب السلفيين بصفوف «داعش»؟

+ ساهم هذا التصدع في تقوية خيار «داعش» في صفوف السلفيين داخل السجون وليس خارج السجون، لأنه في الخارج مواقف الرجلين تعارضان بشكل صريح تيار «داعش». أما في داخل السجون، فليس التصدع المحدد الوحيد وراء تصاعد المد الداعشي، وإنما هناك العديد من المحددات، أهمها الحصار المضروب على مراجعات بعض الرموز المعتقلة، وفي مقدمتها مراجعات حسن الخطاب، وهناك أيضاً رد فعل بعض المعتقلين على المراقبة الأمنية الصارمة، ومنها تردي أحوال بعض المعتقلين السلفيين.

- باستثناء مراجعة أبو حفص التي توجت بالتحاقه بحزب النهضة، مازال التردد يطبع سلوك باقي الشيوخ تجاه موضوع المراجعات الفكرية، بالمقابل هناك من يشير إلى أن بعض المراجعات الفكرية لرموز السلفيين لم تنل حظها من الاهتمام وظلت حبسية نفوس أصحابها، نموذج مراجعة حسن الحطاب؟

+ مراجعات حسن الخطاب من أهم المراجعات، ولكن، كما جاء في سؤالك، مازالت حبيسة السجون وحبيسة نفوس أصحابها، ليس هذا فحسب، بل هناك شبه حصار لهذه المراجعات، باستثناء ما يصدر عنها إعلامياً بين الفينة والأخرى، وقد وصل الأمر إلى رفض طبع بعض النماذج من هذه المراجعات، كما أكد ذلك المحامي أحمد راكز، محامي حسن الخطاب، والذي توسط من أجل طبع هذه المراجعات. والمطلوب تشجيع المراجعات داخل السجون، عبر نشر ما حُرر في الأمر، وعبر السماح بتغذية مكتبات المؤسسات السجنية بأدبيات المراجعات، المصرية والسعودية على الخصوص.

الشيخ حسن الكتاني،

ليست بيني وبين الشيخ أبو حفص أي قطيعة

ليست بيني وبين الشيخ أبو حفص أي قطيعة، فبيننا عدة لقاءات في مجالات أخرى والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. أما بخصوص رأيي في العمل السياسي فأنا عبرت عن رأيي بأنني لا أرى العمل السياسي مجديا. فالعمل السياسي يأخذ من المرء أكثر مما يعطيه، وليس له أفق واضح، ومجتمعنا يحتاج إلى الدعوة والتربية أكثر من احتياجه للعمل السياسي، وحاليا أشتغل في حركة البصيرة التي أعلنا عنها قبل سنتين.

علاقتي قوية بحزب النهضة والفضيلة، والأمر كذلك مع حزب العدالة والتنمية ولكن هذا لا يعني الموافقة على كل أفكارهم وآرائهم أو مواقفهم، لأنني أرى أن هناك فصلا بين العلاقات الاجتماعية وما بين الأفكار، فقد تكون لي علاقات حتى مع المخالفين لي من العلمانيين وغيرهم ولكن هذا لا يعني موافقتي على أفكارهم، وقد أنتقدهم بصريح العبارة لكن في حدود اللياقة. أنا لا أكون حادا في هجومي، إلا على من تجرأ على المقدسات كما حدث لي مع أحمد عصيد، لأنه قد تجاوز كل المقدسات والخطوط الحمراء فكان لي معه موقف حاد.

أما بخصوص ما طرحته من وجود فراغ في الساحة السياسية يترك الشباب السلفي بدون تأطير، فلم يزعم أي واحد منا بأنه مسؤول عن السلفيين ولا نحن زعمنا أننا سلفيون، نحن دائما نقول إننا علماء من المغرب ونحن نبين دين الله سبحانه وتعالى من الكتاب والسنة للجميع سواء كانوا سلفيين أم غير سلفيين. فنحن مؤمنون جميعا، نحن قبل أن نمتحن كنا نتعاون، لكننا لم نكن في مجموعة واحدة وعلاقتنا مع أعضائنا كأي علاقة مع كثير من الدعاة إلى الله تعالى، لسنا كتلة موحدة لوحدها، فالكثير من العلماء الآخرين سواء في الرباط أو فاس أو غيرها، مازالت لدينا بهم علاقات فلماذا تحديد الأمر بأربعة دعاة أو شيوخ؟

أما بخصوص وثيقة «أنصفونا» فهي ليست مراجعة بل هي توضيح لما لم يكن واضحا، الذي يراجع أفكاره هو الذي كان على خطأ ثم اكتشف أنه عليه أن يراجع ويصحح مساره، أما الذي يرى أنه لم يكن على خطأ، وأنه مازال على الصراط المستقيم وأنه أخذ علمه عن علماء كبار، وأنه يقف على أرضية صلبة لأنه أخذ العلم من أصوله، إذن ماذا سيراجع؟ الاتهامات التي اتهمنا بها بأننا نكفر الناس وبأننا ندعو إلى قتال الناس أو تعنيف الناس.. هذا كله كذب لا أساس له من الصحة، إذن ماذا سنراجع؟

أما بخصوص مسألة الجهاد، فالإشادة بالجهاد كحكم شرعي شيء، و قتل الناس وتكفيرهم بغير وجه حق شيء آخر، فهذا إجرام، وكلنا أعلنا موقفنا من «داعش» وأنكرنا جرائمها، والشيخ الحدوشي كان ضد ذهاب الشباب من المغرب إلى الشام وحتى صهره الذي ذهب إلى سوريا لم يكن موافقا على ذهابه، لكن هذا لا يعني أنه إذا قتل في سبيل الله سيلعنه ويسبه، سيترحم عليه كما سيترحم على أي إنسان قتل في سبيل الله، صهره لم يقتل وهو يقاتل الأبرياء، إنما قتله الأمريكان.

الشيخ محمد الفيزازي، خطيب مسجد طارق بن زياد بطنجة

أشتغل مع وزارة الأوقاف والعمل السياسي خيار لا أستبعده

لا أظن أن أحدا من الشيوخ الأربعة يكفر الدولة أو يكفر المجتمع، فهذه ربما زرية من الزريات القديمة التي كان يتناولها بعض الإعلاميين المغرضين، فكيف يعقل أن يكفر أحد من الشيوخ الأربعة الدولة ونحن نجتمع ببيت وزير العدل، كيف يكون الأمر كذلك ونحن نعزي في موتى السياسيين ونسير في جنائزهم. وأعتقد أن وزير العدل مصطفى الرميد أذكى من أن يطرح معنا مسألة المراجعات الفكرية، علما أنه أعرف الناس بنا، ليست هناك مناقشات ولا دوريات تجمعنا مع وزير العدل، وإنما يتم استدعائنا مرتين في السنة لمناقشة أمر ما في صالح بلادنا لا أقل ولا أكثر.

بخصوص المراجعات الفكرية، فينبغي أن ننطلق من نقطة مهمة وهي أننا لسنا تنظيما ولسنا منخرطين في عمل دعوي منظم، كنا قبل السجن وأثناء السجن وبعد السجن كل يسير في الاتجاه الذي يرتضيه، لم تكن بيننا أي علاقة تنظيمية ولا أي إطار تنظيمي ولا أي شيء نهائيا. نحن لم نتراجع عن شيء أولا، لأننا لم نكن في شيء مشين ثم تراجعنا عنه، تراجعنا عن بعض السلوكيات أو المواقف الخشنة أو غير السوية، ولا يضيرنا بأن نعترف بأننا كنا على خطأ في مجالات الدعوة من خلال استعمال بعض الأساليب أو العبارات المشينة في حق أشخاص أو في حق علماء أو أحزاب.

لا وجود لخلاف بيني وباقي الشيوخ، البارحة تحدث معي حسن الكتاني (تم استيقاء التصريح يوم الجمعة 19 دجنبر- المحرر) عن إقحام إسمينا في ما يسمى النقابة الروحانية المغربية من طرف قناة مصرية خاصة بالرقص والغناء ضمن وصلة إشهارية مدعية أننا حصلنا على شهادة من النقابة تسمحُ لنا بمعالجة الناس من كل السحر والمشاكل الأسرية، ونحن بصدد رفع دعوى قضائية ضد هذه القناة. وقبل أيام قليلة كنت سألقي محاضرة رفقة الشيخ أبو حفص لكن تعذر علي الحضور. أما بالنسبة للحدوشي فالأمر صحيح، ليس بيني وبين الحدوشي أي اتصال، لم ألتق به بصفة نهائية منذ مدة، كان آخر لقاء جمع بيننا في بيت وزير العدل مصطفى الرميد، وليس بيننا أي تراشق.

اختلاف الرؤى السياسية والاجتهادات لا عيب فيه، وهذا شيء لا يضر مادام اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، وإذا حدث اختلاف تضاد فهذا أيضا عمل بشري طبيعي.

بالنسبة إلي، فكما كان معلنا أنا الآن أشتغل مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كخطيب رسمي ومحاضر في المساجد، وأنا اخترت هذا التوجه، وإذا ظهر لي في العمل السياسي قريبا أو بعيدا سيكون فيه خير، وهذا خيار لا أستبعده، لكن الآن أنا رجل دعوة كما أقول دائما، وكل التيارات السياسية أضعها على نفس المسافة. وأنا أعز رئيس حزب النهضة والفضيلة الأستاذ الخليدي، وهو صديق وأعز الكثير من قياداتها وأعرفهم معرفة خاصة، لكني لست من الحزب ولا علاقة تنظيمية تربطني بالحزب. كما أن لي علاقات جيدة مع الإخوان في العدالة والتنمية، كما أنني لا أمتنع عن تلبية دعوة جميع الأحزاب بما فيها الإتحاد الإشتراكي أو حزب الإستقلال. أنا أعتبر الجميع مسلمين والجميع مغاربة والجميع يعملون لفائدة بلادهم ولفائدة وطنهم، أما الذين يناصرون الإرهاب باسم الجهاد، فهؤلاء لا يشرفني أن أنتمي إليهم، ولا يشرفني أن ينتموا إلي بكل صراحة وبكل وضوح، بل هؤلاء مجرمون قتلة، لا علاقة لهم لا بالدين ولا بالإسلام ولا بالقيم ولا حتى بالإنسانية أصلا، وبالتالي فلا يزعجني أن يستنكر مثل هؤلاء سواء من داخل السجون أو من خارجها تصريحاتي، فأنا أعلم أن الكثير من من هم داخل السجون وخارج السجون يقرونني على ما أنا عليه من اجتهادات.

الشيخ أبو حفص، نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة

أنا مستغرب لموقف حسن الكتاني المعارض لممارسة العمل السياسي

- التحقت بحزب النهضة والفضيلة معلنا اقتناعك بفكرة المشاركة السياسية، لكن الأمر يبدو مختلفا لدى باقي الشيوخ الذي يرفضون العملية السياسية ويفضلون ما يسمونه الدعوة والتربية فلماذا طرأ هذا الإختلاف بينكم أنتم الشيوخ الأربعة، وأنتم الذين وحدتكم عدد من المواقف في السابق ووحدتكم فترة الاعتقال؟

+ اختلاف المسارات والأفكار أمر طبيعي، لكل شخص قناعاته الخاصة، لكل شخص مساره الخاص، لم يلزمنا أحد، ولا بيننا عهد ولا ميثاق. صحيح أن ظروف معينة قد جمعتنا في وقت معين والمحنة التي تعرضنا لها ساهمت في ذلك، وكان من المفروض علينا أن نخرج ببيانات مشتركة ولكن هذا لا يعني عدم وجود اختلاف في الأفكار بين الشيوخ الأربعة، وهو موجود حتى قبل السجن. صحيح أن الخلافات برزت بشكل جلي جدا بحكم مرور مدة طويلة جدا، أي ما يقارب 11 سنة على المحنة، وقعت فيها أحداث كثيرة، مطالعاتنا اختلفت وتنوعت وكبرت وبالتالي أمر طبيعي جدا أن يظهر هذا الإفتراق.

- اشتغلت رفقة حسن الكتاني في جمعية البصيرة بعد خروجك من السجن، لكن الآن وحسب المعلومات المتوفرة لدينا تم استبعادك من المكتب الجديد للجمعية؟

+ ما قلته لا علم لي به، ولكن حتى في اشتغالي في جمعية البصيرة أو حزب النهضة والفضيلة أو في أي مجال أشترك فيه، ليس بالضرورة بالنسبة لي العمل رفقة أشخاص أتفق معهم فكريا مائة في المائة، فحتى داخل حزب النهضة والفضلية هناك تيارات وأفكار مختلفة، ورؤى مختلفة وأنا أحاول الإشتغال فيما هو مشترك.

- كتبت مقالا حملت فيه المسؤولية للتراث السني في تشكيل المرجعية الفكرية لـ «داعش»، وهو ما خلف ردود فعل عنيفة في صفوف مشايخ السلفيين، فكيف تلقيت ردود الفعل هاته؟

+ كنت أتوقع أن أتلقى ردود فعل معارضة، لكن لم أكن اتوقع أن تصل إلى درجة العنف، وأن تكون صدور الناس ضيقة إلى حد عدم تقبل رأي من الآراء التي أؤمن بها ومازلت مؤمنا بها، ومقتنعا بها كل الإقتناع، فأنا مطلع على الأدبيات التي تؤدي إلى هذا الفكر، وليس لدي إشكال إطلاقا في التباين في الرؤى والمواقف، فالكل حر في أن يعبر عن الموقف الذي هو مقتنع به. ولكن الإشكال هو أن الناس لا تتقبل هذا الاختلاف، وهذا التباين، وتريد أن تكون على نمطها، وإلا فإنها تعارضك وتشن عليك الحملات. سعة الصدر للأسف الشديد غير موجودة عند الكثير من المشايخ من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن الخلاف الذي يبدو فكريا على الساحة هو في حقيقة الأمر ليس إلا خلافا نفسيا أكثر منه خلاف في مسائل علمية أو فكرية، وإلا بماذا تفسر مثلا معارضة مشايخ في المغرب للعمل السياسي وشن حملة على من يقول بالعمل السياسي، علما بأن لهم علاقات جيدة مع أشخاص دخلوا للعمل السياسي سواء في المغرب أو في خارج المغرب.

- هل تقصد حسن الكتاني؟

أنا أتحدث بصفة عامة.. حسن الكتاني نفسه ومع أنه عارضنا في العمل السياسي واتخذ موقفا شديدا من العمل السياسي إلا أنه تجد له علاقات جيدة مع أطياف العمل السياسي ويحضر مجالسهم و منتدياتهم، وله علاقات جيدة مع من كان يشجع العمل السياسي في الكثير من البلدان الأخرى، خاصة بعد الربيع العربي.

- وكيف تقرأ اجتماع الشيوخ ككل على إدانة ما تقوم به «داعش»، في حين لاحظنا في البداية ظهور فتاوى لشيوخ معروفين تشيد بـ«الجهاد» في سوريا؟

+ بالنسبة لي شخصيا موقفي من الجماعات التكفيرية والجماعات المتطرفة هو قبل بروز «داعش»، وبالتالي فإن حديثنا عن نصرة الثوار الذي وقفوا في وجه طغيان بشار الأسد وفي وجه الجرائم التي يقوم بها شيء، ومناصرة تنظيمات متطرفة تستبيح قتل الناس وتستبيح دماءهم هذا أمر آخر، هذا لا علاقة له بموقف من الثورة السورية بأي شكل من الأشكال، خروج مجموعة مسالمة تعارض نظام مجرم مستبد يقتل الناس ويذبح الناس واضطرت إلى حمل السلاح كشعب في مواجهة هذا النظام الطاغي الذي يقتلهم، هذا هو الذي كنا ننصره. أما الآن فالحالة السورية أصبحت جد معقدة ودخلت على الخط الكثير من التنظيمات المتطرفة التي تخدم أجندات بشار، وحين أصبح الموضوع السوري معقدا جدا ومرتبطا بعدة أجندات دولية في المنطقة كان من الطبيعي جدا أن يتغير الموقف عما كان عليه الحال في بداية الثورة السورية.

-  قمت بمراجعات فكرية وأصدرت بيانا مشتركا بعنوان «أنصفونا»، رفقة حسن الكتاني، فلماذا لم يتم الالتزام بمضمون هذه الوثيقة؟

+ هذا أمر يؤسف عليه، وثيقة «أنصفونا» كنت وقعتها مع الشيخ حسن الكتاني وكان من الموافقين عليها، وأعلن في أكثر من استجواب أنه من المصدرين لها، لكن بعد خروجه من السجن حاول التبرأ منها. وفي الحقيقة، فإن ما تضمنته وثيقة «أنصفونا» لا يمكن اعتباره مراجعات فكرية، بل هي مجرد توضيح للأفكار التي كنا نؤمن بها حتى قبل السجن، والتي لأسباب كثيرة غيبت عن الناس، ولذلك أردنا التأكيد عليها من خلال تلك الوثيقة. لدي مراجعات فكرية أكبر وأعمق مما تضمنته تلك الوثيقة وبعيدة عن سياق الإعتقال وعن سياق السجن وعن سياق التهم التي وجهت إلينا، والتي كانت تهما غير صحيحة.

- ماذا عن خطورة غياب تأطير للشباب المعتنقين للفكر السلفي بالسجون، في ظل التضاربات والتطاحنات التي تحدث بين الشيوخ السلفيين؟

+ لابد من الإشارة أولا، أنا لا أتحدث من داخل التيار السلفي، وتموقعي ليس هو التيار السلفي، هل هذه الاختلافات والتباينات سيكون لها تأثير على تاطير الشباب؟ لا أظن أن الأمر يصل إلى هذا الحد. قضية تأطير الشباب والتعامل معهم هو اكبر بكثير من هذه المسألة، الذين يؤطرون الشباب كثر، ليس فقط تيار معين أو شيوخ معينين، هناك حركات إسلامية وأحزاب سياسية، هناك جمعيات المجتمع المدني ، ومع كل ذلك هناك مشكل في تأطير الشباب، هناك شباب يذهبون بالمئات، بل بالآلاف للقتال في صفوف «داعش»، ونسبة المغاربة في صفوف هذا التنظيم كبيرة جدا هناك مشكل كبير لايختص بتيار معين أو فكر معين، وعلى الجميع أن يتكاثف لمواجهة خطورة الوضع.

محمد الخليدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة

لابد من تأطير السلفيين واحتضانهم في الحقل السياسي المغربي

- أشرفت على المراجعات الفكرية للشيوخ السلفيين، والتي توجت بالتحاق أبو حفص بحزب النهضة والفضيلة، فكيف تفسر عدم التحاق حسن الكتاني بحزبكم وهو الصديق الحميم لأبي حفص ورفيق دربه في السجن؟

+ أنا دائما كانت لدي فكرة أساسية وهي أن القضية السلفية بالنسبة للمغرب، هي مسألة عادية، لأن المغرب كان سلفيا، ومازال سلفيا. فرموز الحركة الوطنية التي حررت المغرب كانت كلها سلفية، مع علال الفاسي، المختار السوسي، الشيخ العربي العلوي، أبي شعيب الدكالي.. إنما دخلت مصطلحات السلفية الجهادية، الوهابية، في هذا الاتجاه. كنت أشتغل كي أوضح للناس أفكار الشيوخ المعتقلين، إذ كانت الفكرة الأساسية التي وردت في جميع المواقف والبيانات الصادرة عن الحزب هي إطلاق سراح الشيوخ المعتقلين وكانت فكرة الحزب هي إعطاء نموذج للعالم العربي والشرق الوسط بصفة خاصة على أن المغرب بلد مسلم وبلد كان قديما ومازال سلفي، إنما «السلفية الجهادية» كمصطلح نحن لانعترف به، لأن السلفية في المغرب ينبغي أن تظل في إطارها الطبيعي، لهذا السبب أخذت المبادرة بسبب معرفتي بالفكر السلفي، حيث قمت بجولة في السجون وتحاورت مع الإخوان، والحمد لله تمت مراجعات مهمة في صفوف المعتقلين، حيث حرر أبو حفص وثيقة في السجن سماها «أنصفونا»، والأمر نفسه حدث بالنسبة للشيخ الفيزازي. في ما يتعلق بقضية العمل السياسي، أنا دائما كنت أقول للإخوان السلفيين ينبغي أن تتم المراجعة وأن نتفق أولا على الثوابت، ومن خلال هذه الثوابت يمكننا أن نعبر عن أفكارنا. والعمل السياسي عبر الأحزاب هو عمل ضروري من أجل التعبير عن الإصلاح أو التغيير. وفعلا فتحنا نقاشا مع الأخ أبو حفص والكتاني والفيزازي في هذا الإتجاه، ووجدنا أن أبو حفص كان لديه استعداد للإنخراط في العمل السياسي.

- ولكن، لماذا لم يلتحق حسن الكتاني ومحمد الفيزازي؟

+ الكتاني مقتنع بفكرة أنه ليس لديه إهتمام و إلمام به بالعمل السياسي، ولهذا السبب قمنا بخلق مؤسسة أطلقنا عليها «جمعية البصيرة» تضم مجموعة من الإخوان بالحزب ومجموعة من الإخوان السلفيين، على أساس فتح المجال أمام الرافضين للعمل السياسي للعمل ضمن المجتمع المدني. أما بالنسبة للفيزازي، فقد استشار معي في البداية بخصوص فكرة العمل السياسي أو العمل في المنبر. وقد أيدته للعمل في المنبر، لأنه من الممكن أن يكون مفيدا أكثر نظرا لتخصصه وتمسكه بالإمامة والدعوة، وهو الآن يعمل كإمام مسجد في طنجة، وحزب النهضة والفضيلة يعمل جاهدا كي ينخرط الإخوة السلفيون في العمل السياسي، وأبواب الحزب مفتوحة لاحتضان السلفيين. وبطبيعة الحال في إطار الثوابت وفي إطار الشرعية.

- هناك من يقول بأن الخلافات الفكرية والمنهجية القائمة بين الشيوخ الأربعة فتحت المجال أمام تغلغل أنصار «داعش» في صفوف التيار السلفي، فما رأيك؟

+ لا أظن أن هناك خلافا بين أبو حفص والكتاني، كل ما هناك وجهة نظر، وهذه مسألة عادية، مسألة صحية أن يكون هناك اختلاف وجهات النظر. وفي الواقع فالشيخ الكتاني يعمل حاليا في إطار جمعية البصيرة التي تضم أعضاء من قيادة حزب النهضة والفضيلة، ومعنى هذا أنه لاوجود لأي خلاف، أما الشيخ الفيزازي فكان لي معه نقاش، فهو يفضل العمل في إطار المسجد، وأنا أظن أن المسألة أصبحت ضرورية أن يسمح لهم في وقت معين بالتعبير عن دعوتهم داخل المساجد. وأعتقد أن احتضان السلفيين سيكون مفيدا للغاية، كما سيسمح لهم بالتعبير عن تنوع آرائهم وأفكارهم. في ما يخص مسألة «داعش» لا أعتقد أن قضية الشيوخ المؤطرين داخل الحزب وداخل المجتمع لها علاقة بالتحاق الشباب بـ«داعش»، ولكن قضية التأطير هي قضية مهمة وأساسية وينبغي تأطير السلفيين واحتضانهم في الحقل السياسي.