Monday 3 November 2025
Advertisement
جالية

مصطفى خداري: من أمستردام إلى شفشاون… دروس في الإنسانية لا تُدرَّس في الكتب

مصطفى خداري: من أمستردام إلى شفشاون… دروس في الإنسانية لا تُدرَّس في الكتب مصطفى خداري

لم يكن تنظيم الرحلات الدراسية نحو المغرب مجرّد فكرة عابرة بالنسبة لي، بل كان ضرورة تربوية لفهم الواقع كما هو، بعيدًا عن ضجيج العناوين التلفزيونية والصور الجاهزة التي تُرسم في الأذهان دون زيارة ولا لمس ولا تجربة.

كنت دائمًا أقول لزملائي في الاجتماعات المدرسية:

"ليست المعرفة ما يقال لنابل ما نراه ونلمسه بأعيننا."

ولهذا كنت أحرص في كل مرة على الإعداد لرحلة تجمع بين البعد التعليمي والثقافي والإنساني. كان الهدف أن يرى المدرسون الهولنديون المغرب الحقيقي، حيث كل شيء يبدأ من الناسلا من الشاشات.

كنت أعقد لقاءات تمهيدية قبل السفر، لأجيب عن الأسئلة التي كانت تفضح في كثير من الأحيان مدى الضبابية في الصورة التي يحملها البعض عن المغرب.

ذات يوم رفعت إحدى المدرسات يدها بجدّية وقالت:

"هل يمكنني السباحة كامرأة في المغرب؟"

ابتسمت حينها، ليس سخرية منها، ولكن من عمق الفجوة بين ما يُقال و ما هو فعلاً.

فأجبتها بهدوء:

"نعمفي المغرب تسبح النساء، وتعمل النساء، وتسافر النساء، وتدرس النساء.

المغرب ليس كتابًا مغلقًا ولا لقطة ثابتة كما يظهر في بعض الأخبار."

ضحكت المجموعة، لكن خلف الضحك كان هناك فضول حقيقي لاكتشاف الأمر بأنفسهم.

في يوم السفر، كانت إحدى المدرسات تحمل حقيبة أثقل من وزنها!

سألتها ممازحًا:

"أنتِ ذاهبة في رحلة أم في هجرة؟"

أجابت بخجل:

"أحضرت بعض الطعامسمعت أن الأكل المغربي حار جدًا…"

كان في الحقيبة علببيندكاس، ومعلبات جاهزة، وقطع خبز مغلف.

ضحك الجميع، وقلت لها:

 

"سنرى إن كنت ستعودين إلى هولندا دون أن تشتاقي للطاجين والكسكس والبسطيلة."

وبالفعل

في اليوم الثالث من الرحلة، كانت هي من تقترح علينا المطاعم!

في شفشاون، ذلك المدينة الزرقاء التي تخطف القلب قبل العين، قررنا زيارة الحمّام البلدي التقليدي.

كان هذا المشهد من أعمق ما يمكن أن يصف التواصل الإنساني دون لغة.

دخلت المدرسات إلى الحمام، وفجأة وجدن أنفسهن أمام "الكسالات"

سيدتين بسيطتين، بملامح طيبة، لا يفهمن سوى الدارجة المغربية.

بدأت الإشارات، والضحكات، ومحاولات الفهم.

وفي لحظة من اللحظات، روت لي إحدى المدرسات بعد العودة:

"كنت مستلقية، وفجأة شعرت بضربة خفيفة على فخذي،

كانت السيدة تريدني أن أستدير!

حاولت شرح ذلك بالهولندية، بالإنجليزيةبلا فائدة.

ثم فهمت

فهمت أن التواصل ليس كلمات فقط."

سكتت قليلًا ثم قالت بنبرة مختلفة:

"الآن فقط فهمت ما يشعر به الآباء المغاربة الذين يأتون لمدارسنا ولا يعرفون كيف يشرحون احتياجاتهم…"

هذه الجملة وحدها كانت أكثر قيمة من ألف ورشة تدريبية.

يوميات نائب مدير سابق بالمدارس الهولندية