Saturday 11 October 2025
جالية

أريري: روما..عاصمة الكاثوليك الذين يتحكمون في قرع الأجراس السياسية والاقتصادية

أريري: روما..عاصمة الكاثوليك الذين يتحكمون في قرع الأجراس السياسية والاقتصادية عبد الرحيم أريري أمام كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان وداخل كنيسة الكابيتول
رغم أن مدينة روما ليست هي موطن ميلاد المسيح عليه السلام؛
رغم أن روما لم يهبط فيها الوحي بشأن الدين المسيحي؛
رغم أن روما ليست عملاقا ديمغرافيا في الفضاء المسيحي، بالنظر إلى أنها لا تحتضن سوى 0،1% من المسيحيين في العالم؛
ومع ذلك، تبقى روما هي مركز الثقل الديني لحوالي 1،5 مليار من المسيحيين الكاثوليك في العالم؛ أي ما يمثل حوالي 17% من مجوع سكان الكرة الأرضية، لدرجة أن روما لا تشتهر فقط بكونها عاصمة الموضا (مثلها مثل مدينة ميلانو)، بل تعد روما أيضا عاصمة الكنائس في العالم، إذ ينذر أن تمر من درب أو شارع أو من هضبة دون أن تجد كنيسة.
 
حسب الإحصاء هناك حوالي 1100 كنيسة بمدينة روما، بمعدل كنيسة لكل 2454 مواطنا. أما إذا اعتمدنا المعيار الترابي، فنجد أنه في كل 117 هكتار بالعاصمة الإيطالية هناك كنيسة. هذا التمركز الكثيف للكنائس لا نجده حتى في أكثر الدول الموغلة في اعتناق المسيحية كالبرازيل أو الأرجنتين.
 
ليس هذا وحسب، بل إن إيطاليا (وعلى عكس كل الدول المسيحية) تعد أكثر الدول تميزا بوجود "كتائب دينية" أو "جيوش دينية".
ففي إيطاليا هناك 222 أبرشية ( Diocèses)، فيما نجد العدد بدول أوربية أخرى لا يتجاوز 90 في أقصى الحالات.
وإيطاليا تضم 100.000 امرأة دينية (Religieuses)، و33.000 قس أبرشي، فضلا عن وجود 17.000 كاهن عضو في تنظيم ديني؛ أي أن مجموع هاته "الكتائب" يصل إلى 150.000 فرد.
وإذا أضفنا أعضاء الجمعيات الكشفية التابعة للكاثوليك وأعضاء الجمعيات الخيرية العديدة الدائرة في فلك الكنيسة الكاثوليكية، المقدر عددهم في حدود 5 ملايين منخرط، آنذاك نجد أن الكنيسة لديها "جيش احتياط" ملتزم ومنخرط يقدر بحوالي 5.150.000 فرد، أي ما يشكل 10% من مجموع الإيطاليين تقريبا. وهذه قوة ديمغرافية رهيبة تستحضرها كل أطراف الحقل السياسي والجامعي والمالي بإيطاليا.
 
هناك سبعة أسباب جعلت إيطاليا عامة، وروما خاصة، تلعب دور الحاضن للكاثوليك في العالم:
 
أولا: بعض حواريي المسيح عليه السلام (تلامذته الذين ناصروه) قتلوا ودفنوا بروما، وأشهرهم القديس بطرس الذي تحمل الكنيسة الضخمة بالفاتيكان اسمه، مما جعل المسيحيين يقدسون إيطاليا، خاصة وأن هذه الكنيسة هي مقصد حجاج الكاثوليك من كل أصقاع الأرض.
 
ثانيا: المسيحيون لديهم ذاكرة مليئة بالجراح والندوب بخصوص محن التعذيب والقتل التي تعرضوا لها على يد حكام الأمبراطوريات التي تعاقبت على حكم إيطاليا منذ بداية نشر المسيحية بهذا البلد في أواخر النصف الأول من القرن الأول، وعلى رأسها مجازر نيرون حسب ما تقدمه الرواية المسيحية.
 
ثالثا: تأخر توحيد إيطاليا بسبب الاقتتال والحروب بين الممالك والدويلات، وبقاء إيطاليا لقرون تحت نفوذ العائلات الحاكمة في النمسا أو فرنسا، جعل حكم البابوات يطول ويتقوى ويتمطط أكثر في إيطاليا مقارنة مع باقي دول أوربا. (لم تتوحد إيطاليا إلا في 1870).
 
رابعا: وصول الفاشيين إلى الحكم في إيطاليا عام 1922 بعد زحف الديكتاتور موسوليني على روما واستيلائه على السلطة، قلب الموازين. فموسوليني كان يحتاج لدعم الكنيسة لتعبئة أنصارها لفائدته لإحكام القبضة على إيطاليا بدون "وجع الدماغ"، والكنيسة كانت خائفة من تنامي قوة الليبيراليين وتحكمهم في القرار بما سيشجع - في نظرها- مضي الليبيراليين في دعمهم للحريات الفردية وتقويض القيم الأسرية التي تعد إحدى الركائز عند المسيحيين، فاضطر البابوات إلى أن يضعوا أيديهم في يد الديكتاتور موسوليني لقطع الطريق على صعود اليمين الليبرالي.
 
خامسا: رد موسوليني الجميل للكنيسة بإبرام معاهدة Latran عام 1929 مع البابا "بيوس11"، تقضي برفع الحصار المضروب على الفاتيكان منذ توحيد إيطاليا عام 1870، والاعتراف باستقلال دولة الفاتيكان (أصغر دولة في العالم)، والتزامه بتعويض الكنيسة عن كل الخسائر التي تكبدتها بسبب ابتلاع ومصادرة أملاك وعقارات وأراضي الفاتيكان التي كانت جد شاسعة حين كانت تحت حكم البابوات قبل توحيد إيطاليا. وضخ موسوليني حينها أكبر تعويض في تاريخ البلاد في حساب الفاتيكان عبر صرف مبلغ أولي قيمته 2 مليار ليرة.
 
سادسا: بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم أن الشيوعيين كانوا هم القوة السياسية الأولى في البلاد، فلم يترددوا في أن يتضمن دستور 1948 مقتضى مفاده أن الدين الكاثوليكي هو الدين الرسمي لإيطاليا.
 
سابعا: ألزم قانون 1977، في مادته 10، الجهات الإيطالية بتخصيص جزء من متحصل ضريبة البناء والغرامات لتمويل الكنائس. هذا القانون عرف تهوية جديدة بعد صدور قرار جمهوري بتاريخ 6 يونيو 2001 تحت رقم 380 بخصوص المقتضيات المرتبطة بقانون التعمير، تنص على أن الجماعات ملزمة كل خمسة أعوام بمراجعة المبلغ المخصص للمرافق الدينية وأماكن العبادة وتحديد حجم المساعدة الواجب تقديمها لتشييد المنشآت الدينية بتراب كل مدينة. علما أن المادة 1 من قانون 29 شتنبر 1964 حول اقتراضات الجماعات يسمح لهاته الوحدات باللجوء إلى ما يسمى "صندوق الإيداع والتدبير" الإيطالي للحصول على المبالغ المالية لتمويل إنجاز كنيسة أو أي مرفق تحتاجه البنايات الدينية، أو لتجديد كنيسة أو صيانة مرافقها.
 
ثامنا: إصدار إيطاليا لقانون حول الضريبة الدينية عام 1984 L impot Ecclésiatique، لضمان تمويل الكنائس. هذا النظام المسمى ب "Huit pour mille" يحتسب الضريبة الدينية بناء على حجم دخل الفرد ويقتطع من الحصة نسبة 0،8% كضريبة دينية، مع ترك الحرية للمواطن بأن يختار كيفية تحويل الضريبة: هل يتولى الملزم بالضريبة القيام بذلك بنفسه للحساب البنكي للمجموعة الدينية الأبرشية التي ينتمي إليها والتي تعترف بها الدولة (هناك 12 مجموعة لديها اتفاقية مع الدولة)، أو يمنح الاختصاص للدولة للقيام بهذا التحويل البنكي نيابة عنه.
ومنذ دخول تعديلات 1984 لحيز التنفيذ بينت التجربة أن 40% من الملزمين فضلوا القيام بتحويل عائد الضريبة الدينية بأنفسهم، فيما قرر 60% تكليف الدولة بذلك نيابة عنهم.