Wednesday 1 October 2025
سياسة

ضد النسيان: استعراض موثق لجريمة الطرد الجماعي للمغاربة من الجزائر بجنيف

ضد النسيان: استعراض موثق لجريمة الطرد الجماعي للمغاربة من الجزائر بجنيف محمد الشرفاوي ( يمينا) وعبد الرزاق الحنوشي
بمقر نادي الصحافة بجنيڤ، قدم "التجمع الدولي لدعم الأسر من أصل مغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975"، صبيحة يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2025، تقريرا هو الأول من نوعه من حيث المنهجية والمصادر والخلاصات التي انتهى إليها. و أمام حشد من الصحفيين وممثلي المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، استعرض محمد الشرفاوي، رئيس التجمع الدولي، الخلاصات الكبرى للتقرير المنجز والذي حظي بدعم مجلس الجالية المغربية بالخارج وبشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
"أنفاس بريس" تنشر التصريح الصحفي الذي قدمه التجمع الدولي، بشأن هذه الجريمة التي ارتكبها النظام الجزائري في حق المغاربة عام 1975".
 
 
منذ نصف قرن، قام النظام الجزائري في ثامن دجنبر 1975 بقيادة هواري بومدين بعملية طرد جماعي لعشرات الآلاف من المواطنين المغاربة، الذين كان أغلبهم مستقراً في الجزائر منذ عدة أجيال، إذ اتسمت حالات الطرد هذه بطابعها الجماعي والتعسفي، في خرق للقانون الدولي، كن خلال استهداف عائلات بأكملها دون تمييز، بما في ذلك الأزواج الجزائريون-المغاربة. 

وفي هذا الصدد، فقد تم فصل الضحايا عن ذويهم، وتجميعهم في مراكز، وجُرّدوا من ممتلكاتهم، ورُحّلوا من الجزائر في حالة مزرية، خاصة إلى مخيمات بمدن وجدة والناظور وفكيك، حيث فاقم برد فصل الشتاء القارس، والفقر، وغياب وسائل العيش، من وضعهم الهش. وبعد مرور خمسين سنة على هذه الفاجعة، ما تزال هذه المأساة الإنسانية غائبة إلى حد كبير عن البحث العلمي وسياسات الذاكرة، ولم يصدر لحد الآن أي اعتراف رسمي من السلطات الجزائرية.

دراسة وتحقيق بأرشيف غير منشور
وفي اطار عمله التوثيقي لهذه المأساة الإنسانية والحقوقية بامتياز أصدر التحالف الدولي لدعم العائلات المغربية المطرودة من الجزائر سنة 1975 تقريراً جديدا يستند إلى أرشيف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر – جنيف. يتكون هذا الأرشيف الاستثنائي من برقيات، وتقارير بعثات، وجداول لوجستية، ومراسلات دبلوماسية تغطي الفترة من 1975 إلى 1977، حيث يكشف عن أبعاد جديدة لحجم المأساة التي عاشتها عشرات الآلاف من العائلات.

ولإبراز البعد التاريخي والإنساني الكامل لهذه المأساة، استُكملت هذه الأرشيفات بمراجعة للصحافة المغربية والدولية (1975-1978)، وبالفيلم الوثائقي بعنوان "مأساة الأربعين ألفاً" من إخراج أحمد قاسم، وكذلك بكتاب محمد اللبجاوي (فبراير 1976). وأخيراً، تبرز الأسئلة البرلمانية الحديثة في المغرب عن استمرار هذه الذاكرة المؤلمة وراهنيتها في النقاش العام. وانطلاقاً من هذه المصادر المتقاطعة، يسلط هذا التقرير الضوء على عدة خلاصات كبرى. 

8 دجنبر 1975 بداية الطرد
من بين هذه الخلاصات التي تم التوصل اليها بناء على معطيات موثقة رسمية أولاً بأن الانطلاقة العنيفة للطرد جرت ابتداء من 8 دجنبر 1975، والتي اشتدت وتواصلت حتى نهاية الشهر. وفي عام 1976، تم تسجيل حوالي 45000 شخص، تركزوا أساساً في وجدة (64٪)، والناظور (16٪)، وفكيك (4٪).

ويبرز هذا التقرير أيضاً حجم التعبئة الدولية التي شاركت فيها أكثر من 20 جمعية وطنية للصليب الأحمر، من بينها سويسرا، وهولندا، وجمهورية ألمانيا الاتحادية، وكندا، ومصر، وإسبانيا، وتركيا، وتايلاند، فضلاً عن منظمات إنسانية من قبيل "أنقذوا الأطفال – Save the Children" والفرع الهوندي لمنظمة "كاريتاس" الخيرية  التي قدمت دعمها للضحايا.

وعلاوة على العمليات اللوجستية، تنقل الأرشيفات صورا عن هذه المأساة الإنسانية الجماعية، والتي كان بين المطرودين عائلات كاملة فُوجئت بهذا القرار التعسفي في قلب الشتاء، وأطفال انتُزعوا من مقاعد الدراسة، وأزواج فُصلوا قسراً وبقوا دون أخبار عن بعضهم البعض. 

تعبئة دولية
كما اضطرت نساء حوامل أو في حالة وضع إلى عبور الحدود في ظروف لا إنسانية، دون متابعة طبية، معرضات بذلك للبرد وانعدام الأمن. وكذلك الأمر بالنسبة للمرضى، والمسنين، وذوي الإعاقة، الذين نُقلوا في شاحنات وأُلقوا عند الحدود، محرومين من جميع الحقوق وأبسط أشكال الرعاية. وكان بين هؤلاء المطرودين أيضاً مقاومون مغاربة سابقون ساهموا، قبل سنوات قليلة، في تحرير الجزائر من الاستعمار، وهو التزام لم يحمهم من الطرد.

وقد استقبلت المخيمات المؤقتة في وجدة والناظور وفكيك هؤلاء المنكوبين تحت خيام هشة. واضطروا لمواجهة برد قارس، واكتظاظ، وغموض المستقبل. ومن وراء الأرقام، تتبدى حياة محطمة، وكرامة مُهانة، واقتلاع قسري ترك جراحاً عميقة عبر أجيال متعددة. إن ألم الفراق وفقدان حياة بُنيت فجأة على الجانب الآخر من الحدود ما يزالان يغذيان حتى اليوم شعوراً باللاعدالة والانصاف. كما كشفت هذه الأحداث عن تضامن تلقائي من السكان المحليين الذين هبوا لمساعدة المطرودين. ويشير التقرير كذلك إلى أن الأزمة استمرت مع مرور الوقت: فبعد أشهر عديدة، في خريف 1976، كان مئات الأشخاص لا يزالون يعيشون تحت الخيام، في شهادة على استمرار الحاجات الإنسانية.

كرامة مُهانة
إن هذا العمل يشكل قاعدة أولى صلبة ودقيقة لفهم طرد الذي جرى في 08 دجنبر سنة 1975، والسعي إلى الاعتراف به. فهو يجمع بين البحث التاريخي، وجمع الشهادات، والمرافعة المواطنية، بطموح فتح الطريق نحو الحقيقة، والعدالة، والتوريث. كما يندرج في إطار تحليل قانوني، بهدف تكييف الوقائع والنظر في الإجراءات المناسبة.

وفضلا عن هذا التقرير، وفي اطار ديناميته أعد التجمع الدولي دراسة غير مسبوقة، بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، تحت عنوان " ذاكرة ضد النسيان: من أجل الاعتراف بطرد العائلات المغربية من الجزائر سنة 1975"، تتناول بالخصوص الجوانب القانونية لوضعية المواطنين المغاربة الذين طالهم الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975، الذي يُعد عملاً غير مشروع بمقتضى القانون الدولي، وانتهاكا حتى للقانون المحلي الجزائري وللاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الجزائر والمغربي.

اقتلاع قسري
هذه الدراسة المقدمة بمناسبة الذكرى 50  لعملية طرد مغاربة الجزائر تستند على معلومات ومعطيات جرى التأكد منها، وتكشف لأول مرة  مع القيام بتحليل قانوني وذلك وفق مقتضيات التشريع الجزائري المتعلق بوضعية الأجانب و الالتزامات الاتفاقية الثنائية، مع التكييف في إطار القانون الدولي والمسؤولية الدولية والطابع المستمر للانتهاكات.

وفي هذا السياق تذكر الدراسة، بأنه إذا كان الأمر رقم 66-211 المؤرخ في 21 يوليو 1966 المتعلق بوضعية الأجانب في الجزائر آنذاك، ينظم «شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وتنقلهم وإقامتهم وخروجهم» مع مراعاة «الاتفاقيات الدولية أو اتفاقات المعاملة بالمثل»، فإن تحليل الوقائع -كما رصدت الدراسة- يبين أن الطرد، كان جماعياً وموسّعاً، على الرغم أن القانون الجزائري، يفرض معالجة فردية لكل حالة على حدة؛ كما لم يُبلَّغ أيّ من المطرودين المغاربة، وفق الشكل القانوني، بقرار معلّل بالطرد؛ وهو ما يجعل هذه العملية بمثابة تعدٍّ مادي. 

وفضلا عن ذلك فإن هذه الدراسة تؤكد أن هذا الطرد جرى بشكل فوري وسريع وجماعي، ما حرم المطرودين من إمكانية التذرع «باستحالة مغادرة التراب الوطني» للاستفادة من الإمكانية المنصوص عليها في المادة 22 من الأمر السابق ذكره.

انتهاك للاتفاقات الثنائية
وعليه فإن عملية الطرد، كما نُفذت من قبل السلطات الجزائرية، بأنها تمت في خرق للقانون الداخلي الجزائري الذى ينص على أنه «لا يجوز تجريد أحد تعسفاً من ملكه»، وبالتالي فهي مشوبة بعدم الشرعية. كما يشكل انتهاكا صارخا الالتزامات الاتفاقية الثنائية، اتفاقية الإقامة المبرمة بين المغرب والجزائر في 15 مارس 1963، والبروتوكول الإضافي المعدّل والمتمم لها الموقع في 15 يناير 1969، وهما نصان نافذان في كلا البلدين عند وقوع الطرد كما جاء في الدراسة. 

وفي معرض تكييفها لهذه القضية في إطار القانون الدولي، أبرزت الدراسة على أن الطابع الجماعي وغير المعلل وغير القانوني لعمليات الطرد ثابت من الناحيتين القانونية والواقعية، ويقتضي توصيف عدد من الانتهاكات في ضوء القانون الدولي. كما أن نزع ملكية ممتلكات المغاربة المطرودين من قبل الدولة الجزائرية فيُعد عملاً غير مشروع بمقتضى القانون الدولي، وذلك لعدة أسباب منها أن المواطنين المغاربة المطرودين لم تُتح لهم، سواء عند الطرد أو بعده، أي إمكانية للطعن في هذه القرارات أو الدفاع عن حقوقهم في الملكية، كما أن المغاربة المطرودين والمسلوبة أملاكهم وجدوا أنفسهم محرومين بشكل نهائي من ممتلكاتهم بموجب نص تشريعي صادر عن الدولة الجزائرية. 

مسؤولية الدولة الجزائرية
بناءً على ما سبق، فإن الدراسة خلصت إلى أن طرد المواطنين المغاربة من الجزائر، بصفته فعلاً غير مشروع بموجب القانون الدولي، يُرتب المسؤولية الدولية للدولة الجزائرية، وأن الطرد وسلب الممتلكات يشكلان أفعالاً غير مشروعة دولياً، لكونها تُنسب إلى الدولة الجزائرية، وتمثل خرقاً لالتزاماتها الدولية، للمبادئ الأساسية في القانون الدولي.

وبخصوص سبل الانتصاف وآفاق جبر الضرر، تشدد الدراسة على أنه مع ثبوت مسؤولية الدولة الجزائرية عن طرد المواطنين المغاربة وسلب ممتلكاتهم، باعتبارهما أفعالاً غير مشروعة دولياً، فإنه في اطار سبل الانتصاف الممكنة، يمكن للمطرودين المغاربة، باعتبارهم ضحايا، سلوك مسارين، أولهما تقديم شكايات فردية إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في إطار البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وثانيهما تقديم بلاغات فردية في إطار إجراءات الشكاوى لدى مجلس حقوق الإنسان بموجب القرار 5/1، للنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

إثراء الذاكرة
وفي معرض تطرقها لأشكال جبر الضرر التي ينبغي النظر فيها، وفقاً لـ المبادئ الأساسية والتوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان (القرار 60/147)، فأكدت الدراسة على أنه يتعين أن تجمع بين الردّ عبر إعادة حق العودة، واسترجاع أو تعويض الممتلكات؛ والإنصاف الرمزي من خلال الاعتراف الرسمي، وإجراءات الذاكرة فضلا عن ضمانات عدم التكرار.

وبصفة عامة يهدف التجمع الدولي من هذا التقرير والدراسة إلى إثراء الذاكرة الجماعية عبر إتاحة وثائق ظلت سرية لعقود؛ و فتح فضاء إيصال هذه الحقائق للأجيال القادمة؛و تحفيز أعمال بحثية جديدة وتحقيقات صحفية وإبداعات فنية؛و توفير أداة للفعل السياسي والمواطن لصالح الحقيقة والعدالة والتضامن المغاربي.

وكان التجمع الدولي لدعم العائلات المغربية المطرودة من الجزائر، وهو منظمة مدنية مستقلة، قد تأسس في 27 فبراير 2021، قد قام في دجنبر 2023، بتسليم ما يقارب 2000 ملف فردي للضحايا إلى أرشيف المغرب، مشكّلاً بذلك أول رصيد تذكاري واسع النطاق مخصص لمأساة الطرد سنة 1975.

يهدف التجمع الذي يستند إلى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان (ميثاق الأمم المتحدة، الإعلان العالمي، العهدان الدوليان)، إلى العمل من أجل الاعتراف الرسمي من قبل الجزائر بالانتهاكات المرتكبة؛ وإعادة بناء ذاكرة طرد المغاربة من الجزائر سنة 1975؛ والدفاع عن مصالح المطرودين أمام الهيئات الوطنية والدولية.كما يطالب باسترداد الممتلكات المصادَرة وجبر الضرر المعنوي والمادي للضحايا وتعزيز لمّ شمل العائلات المفرّقة.