Sunday 27 July 2025
رياضة

لحسن العسبي: خسرنا ولم ننهزم

لحسن العسبي: خسرنا ولم ننهزم لحسن العسبي والمنتخب المغربي النسوي

دروس الخسران في المناسبات الكبيرة دوما مفيدة، عكس ما يُعْتَقَدُ.

نعم، في مباراة بناتنا المغربيات ضد بنات نيجيريا النهائية لكأس إفريقيا عشنا كل شيء:

  • الفرح (في شوط) ونقيضه الحزن (في شوط).
  • الحق القانوني لضربة جزاء والخطأ البشري لقاضية المباراة.
  • شوط اللاعبات (الحماسة والقتالية) وشوط المدربين (مكر الخطط لتغيير أو المحافظة على النتيجة).

بالتالي، نعم خسرنا مباراة نهائية للتتويج في دورة من دورات نهائيات كأس إفريقيا للسيدات، فوق أرضنا وأمام جمهورنا، ونمنا حزانى، لكن في عميق المعاني لم ننهزم عكس ما نحس.

لأن الربح الآخر الذي فزنا به كامن في جغرافيات أخرى لقارة القيم.

إن ما تفعله في مجالنا التربوي العمومي (سلوكيا) منذ أقل من عشر سنوات كتيبة زميلات غزلان شباك (عميدة المنتخب)، أعمق قيميا من محطة خسران في مباراة حاسمة مثل التي عشنا تفاصيلها الهتشكوكية ليلة السبت الماضي بالملعب الأولمبي بالرباط. حيث إن بناتنا بروح التنافس الرياضي قد صنعن معنى آخر لصورة المرأة المغربية في وعينا الجماعي، الذي وَجَّهَ بتواتر الحضور الفني في رحابة المستطيل الأخضر رصاصات الرحمة لكليشي "الخنوع" و "الجناح المهيض" الذي راكمته في لا وعينا الجماعي لعقود حول "صورة المرأة بالمغرب" ثقافة إتكالية متجاوزة.

علينا الإنتباه إلى معنى ما يمثله ملعب كرة قدم (الرياضة عموما) من مسرح لصناعة المعاني والقيم السلوكية في مختلف الجغرافيات الثقافية عبر العالم. وأن كل جماعة بشرية (مجتمع) أصبحت تُصدِّرُ معانيها القيمية سلوكيا إلى العالمين عبر المشهد التعبيري للعبة رياضية ضمن فضاء (الملعب) أشبه بساحة لممارسة الحياة أمام الأشهاد.

نعم، تغيرت صورتنا أمام أنفسنا منذ برزت بناتنا رياضيا عبر لعبة كرة القدم، عنوانا للعطاء بصيغة المؤنث الذي جاء ليتصالح مع واقع حي قائم، يتمثل في التطور الإيجابي الذي طال وضعية المرأة المغربية كذراع إنتاج حيوي وحاسم في المجتمع المغربي منذ ما بعد صدمة الإستعمار.

لقد حلقت المرأة المغربية في سماء الطيران المدني منذ أسطورة الشهيدة ثريا الشاوي، وحملت نساؤنا مشرح الطب وسماعة القلب منذ أول مولدة مغربية محترفة الحاجة فاطمة التهامي، وحكمت بالعدل نساؤنا في مختلف محاكم المغرب منذ أول سنوات الإستقلال، ووضعت مهندساتنا خوذات العلم التقني لبناء السدود وشق الطرق وتجسير الجسور وبناء الموانئ والمطارات، وظلت قاعات مدارسنا وثانوياتنا وكلياتنا فضاء رحبا للتلقين والتربية لصف طويل من أطرنا التعليمية الفضليات، بينما منحت لقطاع المال والأعمال وقطاع الأبناك والضرائب والجمارك نساؤنا معنى آخر في دربة تصريف معاملات الصرف والسلف واسترجاع المداخيل بقوة الحق القانوني.. وغير ذلك كثير في مجال الإنتاج ببلادنا..

إن المرأة المغربية ليست طارئة اليوم على مهرجان صناعة معاني الحياة، وأن زميلات غزلان شباك (وباقي بناتنا في المنتخبات الصغرى بكل ما لهن من دربة وفنيات وإرادة في العطاء والإبداع) إنما نقلن واقع المرأة المغربية المتحقق هذا إلى مشهد الأولمب تحت الأضواء الكاشفة. ويا له من نصر وفوز ذاك. لأنه تغيرت صورتنا أمام أنفسنا في مسرح حياة مماثل، وتغيرت صورتنا القيمية أمام باقي العالمين عبر مجال تواصلي مثل الذي تصنعه الرياضة (كرأسمال رمزي) بين البشر اليوم.

إن ابنا للحياة في نيوزيلندا في أقصى الشرق وابنا للحياة في آلاسكا في أقصى غرب الكرة الأرضية، حين يشاهد (عرضا في غالب الأحيان) فضاء لعب مثل مباريات كرة القدم للسيدات وينتبه للزفير الصادر عن اللاعبات بعزيمة العطاء والفوز، فهو لا يكتشف فقط مباراة رياضية عابرة بل معنى ثقافيا لنموذج امرأة توسم أنها "مغربية" بهوية وراية ونشيد. وحين يشاهد ما تنقله الكاميرا على مسرح المدرجات من نوعية جمهور وشعارات يكتشف معنى "للعائلة مغربي". فالأمهات والزوجات والشابات والطفلات الجالسات كلهن جنبا إلى جنب مع الآباء والأزواج والأشقاء والأصدقاء من الذكور في طقس للفرجة والفرح (الفرح بالذات وبأسباب الحياة)، إنما يقدم معنى قيميا رفيعا لمعنى "العائلة" بتوابله المغربية.

من قال إذن إننا انهزمنا؟

لا لا، ربحنا الكثير أمام أنفسنا.. ربحنا الرضى على الذات من حيث إننا نقاوم لممارسة الحياة بما نستطيع إليه من سبيل..

يا بناتنا، يا زميلات غزلان شباك، ارفع رأسكن عاليا. إنكن تعلمننا معنى أن نعتز ببلد وناسه، كل ناسه إناثا وذكورا.

معكن نكتشف أننا نحاول سبيلا إلى الحياة ببساطتها ورونقها ومقاومتها لاستحقاق الرضى.

فيا له من نصر ويا له من فوز.

إن خسارة مباراة نهائية ليس سوى محطة للتعلم من أجل فوز أرسخ في القادم من المنافسات.