Saturday 26 July 2025
مجتمع

خالد تيكوكين: آيت بوكماز تحتاج لتوقف هدر الموارد ومقاربة واقعية لفك العزلة

خالد تيكوكين: آيت بوكماز تحتاج لتوقف هدر الموارد ومقاربة واقعية لفك العزلة في الإطار: خالد تيكوكين، رئيس جماعة تبانت
في الوقت الذي تتسارع فيه جهود الرقمنة والربط التكنولوجي على المستوى الوطني، ما زالت مناطق عديدة في المغرب، لا سيما الجبلية منها، تعاني من ضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الإنترنت والبنية الرقمية التحتية.
وتُعد منطقة آيت بوكماز، التابعة لعمالة أزيلال، نموذجًا حيًّا لهذا التحدي، حيث تلتقي الرغبة المجتمعية في الانخراط في العصر الرقمي مع واقع معيشي لا يواكب هذه الطموحات، رغم الإمكانيات المتاحة والبرامج المعلنة، الأمر الذي دفع ساكنة المنطقة إلى تنظيم مسيرة قوية في اتجاه مقر العمالة، تعبيرًا عن استيائها ومطالبتها بتحقيق مطالبها البسيطة والمشروعة، والتي ظلت عالقة رغم بساطتها وأهميتها بالنسبة للحياة اليومية للمواطنين.
وبعد مرور أزيد من أسبوع على المسيرة التاريخية التي شهدتها منطقة آيت بوكماز، تحاور الجريدة  خالد تيكوكين، رئيس جماعة تبانت للحديث عن واقع التنمية المحلية، وأشكال العزلة التي ما زالت تحاصر الساكنة، خصوصًا في ظل التحول الرقمي، كما يتناول الحوار الأسباب الحقيقية وراء الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، والرد على بعض الأصوات التي طالبت رئيس الجماعة بالاستقالة..الحوار.
 
بعد تحقيق عدد من مطالب ساكنة آيت بوكماز من قبيل توفير الربط بالإنترنت والطبيب، ما هي الإجراءات أو المشاريع التي ترى أنها ضرورية اليوم لفك العزلة بشكل نهائي عن منطقة آيت بوكماز؟

 الحمد لله، لقد كان التجاوب سريعًا مع عدد من المطالب المشروعة التي كانت حلولها في المتناول، وكان بالإمكان تحقيقها دون الحاجة إلى احتجاجات أو مسيرات، لأنها مطالب أساسية تدخل ضمن الحقوق الأولية، كالرعاية الصحية وفك العزلة الرقمية. مرت الأمور بسلاسة، ونحن اليوم نعمل على متابعة تنفيذ الوعود والوفاء بها.
قمنا بما نستطيع ضمن حدود إمكانياتنا، وحين حضرت شركة الاتصالات، لم يكن علينا سوى تسهيل مهمتها، حيث وفرنا لها الفضاء المناسب، وساعدناها على تثبيت الخدمة، كما تواصلنا مع جمعية لتقديم المعطيات الضرورية، وتمكينهم من الاستفادة من الربط.
وفيما يتعلق بالجانب الصحي، فقد تم استقبال الطبيب وتوفير مقر مناسب له، كما قام قائد الدائرة بزيارة المكان، وقدم لنا ملاحظات مهمة تتعلق بالإصلاحات الضرورية. ونحن بدورنا نتابع الوضع ونبذل ما في وسعنا لتوفير الظروف المناسبة، رغم أن هذه الإصلاحات ليست من اختصاص الجمعية، ولا تتوفر لدينا الموارد الكافية للقيام بها بشكل مباشر.
وحين يتطلب الأمر تدخلًا إداريًا أو قانونيًا، فإن المساطر تكون معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً، لذا نلجأ أحيانًا إلى حلول استثنائية من أجل ضمان استمرارية الخدمة. وقد اقترحنا على الطبيب الإقامة مؤقتًا في مأوى قريب، ليوفر له الاستقرار والشعور بالأمان، بينما نقوم بإصلاح بعض الأعطاب في مقر الإقامة الدائم، من بينها مشكل في الربط بشبكة الإنترنت.
الطبيب أبدى تفهمًا للوضع، ورغم التحديات التي يواجهها، عبّر عن استعداده للتعاون والصبر، خاصة وأنه لا يرغب في الانقطاع عن محيطه الاجتماعي أو الابتعاد عن زملائه.

وصف رئيس جهة بني ملال تدبيرك بالفاشل ودعاك للاستقالة بدل المشاركة في الاحتجاجات مع الساكنة. كيف تفسر هذا الهجوم؟

أؤكد أن كلّ الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين يشتغلون من مواقعهم المختلفة لخدمة المواطنين، ومشاركتي في المسيرة الاحتجاجية لم تكن تهرّبًا من المسؤولية، بل كانت موقفًا شجاعًا وتعبيرًا عن تضامن حقيقي مع الساكنة، ورسالة واضحة بأن المسؤولية السياسية تُمارس ميدانيًا، لا فقط من خلف المكاتب.
وحين يُطرح سؤال النجاح أو الفشل، لا بد أن نُذكّر بحقيقة مؤلمة، وهي أن إقليمنا يُصنّف، وفقًا لتقارير المندوبية السامية للتخطيط، كأفقر إقليم في المملكة، وهذا ليس وضعًا طارئًا، بل واقع مستمر منذ الاستقلال. وبالتالي، فإن تحميل مسؤولية هذا الفشل لرئيس جماعة بعينه هو تبسيط مخلّ، بل هو تغاضٍ متعمد عن مسؤولية جماعية يتحمّلها كل من ساهم في تدبير الشأن العام محليًا وجهويًا ووطنياً، من منتخبين ووزراء، وبرلمانيين ورؤساء جهات سابقين وحاليين.
قلتها صراحة: إذا كنا نؤمن حقًا بأن هناك فشلًا في التنمية، فلنكن شجعانًا جميعًا، ولنتحمل المسؤولية السياسية بكل جرأة، ولنعلن انسحابنا الجماعي من العمل السياسي، لأننا جميعًا شركاء في إنتاج هذا الواقع المؤلم.
المؤسف أن الخطاب الذي وُجه إليّ ينطوي على تناقض واضح، فمن جهة يُشيدون بأن آيت بوكماز تعرف دينامية اقتصادية في مجالات الفلاحة والسياحة والصناعة، ومن جهة أخرى يُحمّلون رئيسها مسؤولية الفشل. كيف يمكن أن تكون الجماعة في وضع متقدم اقتصاديًا، وفي الوقت ذاته يُقال إن تدبيرها فاشل؟ هذا التناقض يضعف مصداقية الطرح، ويكشف أن الأمر فيه مزايدات سياسية لا غير.
أما فيما يخص مطالب الساكنة التي خرجت من أجلها، فهي تتعلق بمطالب حيوية، كصبيب الإنترنت، والطبيب، وإصلاح الطريق التي تُعتبر شريان الحياة، وهي مصنفة جهوية، بالإضافة إلى مجابهة الفيضانات، وهي ملفات لا تندرج ضمن الاختصاصات الذاتية للجماعات. فالمجلس الجماعي لا يتدخل في طريق تابعة لوزارة التجهيز، وبالتالي تلك المطالب هي ضمن مسؤوليات القطاعات الحكومية والمجالس الجهوية، وهذا ما يجب أن يكون معلومًا لمن يتحدث باسم المؤسسات.
وفي النهاية، ما نحتاج إليه هو خطاب مسؤول وموحّد، لا مزايدات سياسية على حساب معاناة المواطنين.

كيف تطور مفهوم العزلة في ظل التحول الرقمي، وما هي انعكاساته على فئة الشباب؟
 
لقد شهد مفهوم العزلة تحوّلاً جذريًا في العصر الحديث. فبعدما كان يرتبط أساسًا بانعدام البنية التحتية التقليدية، من طرق ومواصلات وخدمات أساسية، أصبح اليوم يأخذ بعدًا جديدًا يُعرف بـ"العزلة الرقمية".
فالعزلة لم تعد تعني فقط الابتعاد الجغرافي أو الانقطاع عن العالم المادي، بل أصبحت تتجلى في الانفصال عن البنية الرقمية التي باتت تُشكّل عصب الحياة المعاصرة. فقد أصبحت الخدمات الرقمية ذات طابع أفقي، تخترق مختلف القطاعات: من السياحة، إلى الخدمات المالية، إلى الإدارات العمومية، وهو ما نلاحظه في بوابات الترويج السياحي، ومنصات التحويلات المالية، ومنظومة "المغرب الرقمي"، وغيرها.
في هذا السياق، هناك منصات رقمية متقدمة، كبوابات الترويج السياحي، وخدمات التحويل المالي، ومنصات "المغرب الرقمي"، وغيرها من الخدمات التي أصبحت شرطًا أساسيًا للانخراط في الحياة اليومية.

إلى أي حد تبدو وعود المسؤولين بتحسين البنية التحتية من طرق، ومرافق صحية، ومؤسسات تعليمية في آيت بوكماز، قابلة للتصديق من منظور الساكنة؟ وهل هناك مؤشرات واقعية على تنفيذها؟
 
إن تحقيق هذه المطالب يُعد أمرًا بسيطًا وعاديًا في سياق طبيعي، لأنها تدخل ضمن المهام الأساسية للقطاعات المعنية بالتنمية، والعمل، وتوفير شروط العيش الكريم لساكنة المناطق الجبلية.
كانت تلك المسيرة إشارة واضحة إلى مدى معاناة هذه المناطق من ضعف تغطية الإنترنت، وهو ما يمسّ قطاعات حيوية تمثل ركيزة للتنمية في العالم القروي والجبلـي. غير أن البرامج والمبادرات التي طُبّقت حتى الآن لم تُحقق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المنشود، مقارنةً بحجم الإمكانيات المرصودة لها.
وأعتبر شخصيًا أن الوقت قد حان لوقف هذا الهدر في الطاقات والموارد، وذلك من خلال اعتماد مقاربة أكثر واقعية وفعالية. ولله الحمد، كان الاحتجاج سريعًا، وساد الهدوء، وارتكز على مطالب مشروعة، كثير منها كانت حلولُه في المتناول، وكان من الممكن تلبيتها دون الحاجة إلى تنظيم مسيرة أو احتجاج، لأنها مطالب بديهية تتعلق أساسًا بالصحة، وفك العزلة الرقمية، وضمان الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسية.
واليوم، وقد تمت الاستجابة الأولية لهذه المطالب، فإن مسؤوليتنا تكمن في مواكبة تنفيذ الوعود، والحرص على أن تُترجم الالتزامات إلى أفعال ملموسة، حتى تمضي الأمور بسلام وبما يليق بتطلعات المواطنين في هذه المناطق.