يسلّط سعيد العزوزي، رئيس جمعية الشعلة ونائب رئيس اتحاد المنظمات التربوية، الضوء على أعطاب المنظومة التخييمية بالمغرب، موجهًا نقدًا صريحًا لسياسات وزارة الشباب التي "أغلقت باب الحوار مع الجمعيات الجادة"، على حد تعبيره.
العزوزي يكشف بالأرقام عن تراجع مقلق في عدد المستفيدين، ويحمّل المسؤولية لما يعتبره "غياب رؤية استراتيجية وشراكة مؤسساتية عادلة"، مطالبًا بضرورة إعادة الاعتبار للمخيمات كرافعة للتنشئة الاجتماعية، لا كخدمة موسمية هامشية. كما يشدد على أن إصلاح العرض الوطني للتخييم يمر عبر مساءلة شفافة، وإخراج تقرير المهمة البرلمانية من الأدراج، وتطهير الحقل الجمعوي من "المتحولين والانتهازيين" الذين يسيئون لصورة الفاعل التربوي الحقيقي.
كيف تقيم العرض الوطني للتخييم لموسم 2025؟ هل لبّى الحد الأدنى من انتظارات الجمعيات والفاعلين التربويين؟
من المؤكد أن تقييم العرض الوطني للتخييم لهذا الموسم يبقى كسابقه لا يرقى إلى مستوى التطلعات والرهانات الكبرى التي تحملها الجمعيات التربوية ولا يستجيب حتى للحد الأدنى من انتظارات الفاعلين المدنيين في الحقل التربوي. فالمعطيات الميدانية تؤكد تراجعا مقلقا في عدد المستفيدين من هذا العرض، حيث انخفض الحصيص المخصص للجمعيات الوطنية من أكثر من 2400 مستفيد في السنوات الماضية قبل جائحة كورونا إلى حوالي 800فقط داخل فضاءات وزارة الشباب، وهو رقم لا يعكس لا حجم العمل القاعدي الذي تقوم به هذه الجمعيات، ولا الطموح المشروع في ضمان استفادة أوسع لأطفال ويافعي وشباب الجمعية، الذين لهم كامل الحق في الاستمتاع بعطلة تربوية خاصة وأن الفئات التي نشتغل معها في الأحياء الشعبية وأطفال العالم القروي يعيشون ظروفا اجتماعية قاسة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفه مغرب اليوم.
في نظرك ماهي الأسباب التي أدت لهذا التراجع؟
هذا التراجع لا يمكن فهمه إلا في سياق أوسع و رؤية شمولية للسياسات القطاعية في هذا المجال التي تعكس اختلالا في الرؤية القطاعية تجاه العرض الوطني للتخييم ومشتقاته، كما هو الحال بالنسبة لعديد البرامج والمشاريع التي أتبت الواقع أنها مجرد فرقعات إعلامية لم تحقق أي أثر يذكر في المشهد التربوي ببلادنا وذلك نتيجة إغلاق السيد الوزير لباب الحوار الجاد والمسؤول مع الجمعيات التربوية الجادة حيث أن الوزارة تنهج سياسة الأذن الصماء متجاهلة صوت الجمعيات الحقيقة التي شكلت لعقود من الزمن صمام أمان لاستمرار فضاءات التخييم ومراكز الاستقبال ودور الشباب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم... وهي المنظمات التي تشتغل طيلة السنة بشكل منتظم ومندمج في مختلف الفضاءات العمومية من دور الشباب إلى المؤسسات التعليمية، ومن الفضاءات الثقافية إلى الفضاءات السوسيوتربوية لتتوج موسمها التربوي بتنظيم مخيمات الأطفال وملتقيات اليافعين والجامعات الشبابية وهي جمعيات لا تقتصر وظيفتها على التنشيط المناسباتي، بل تلتزم بتنفيذ مشروع تربوي متكامل، يهدف إلى ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة، وعلى رأسها قيم الحرية، والإبداع، والتعايش، والمواطنة، والتضامن، من خلال أنشطة فنية وتعبيرية وتربوية متنوعة: من الموسيقى والمسرح والسينما والتشكيل، إلى الرحلات والخرجات الاستكشافية، ومن الورشات اليدوية إلى الأنشطة الرياضية والحملات التحسيسية في مجالات البيئة والصحة وحقوق الطفل.
وما يعزز موقع هذه الجمعيات في النسيج المجتمعي والتربوي، هو توفرها على تاريخ مشرف ورأسمال بشري مؤهل، يتجسد في مئات الأطر التربوية المتواجدة عبر فروعها الجهوية والمحلية، والتي يتم تأهيلها بشكل دوري ومستمر عبر برامج تكوينية داخلية وأخرى وطنية. وهذه الكفاءات ليست فقط خزانا للمعرفة البيداغوجية، بقدر ما هي رافعة حقيقية للمشروع التربوي الجاد والهادف لخدمة قضايا الطفولة والشباب ناهيك عن مشروعها المجتمعي المبني على رؤية متكاملة واستراتيجيات واضحة إلى جانب حكامتها التنظيمية وشفافيتها المالية.
إن الجمعيات التربوية، ومنها جمعيتنا، لا تطالب فقط بحصيص عادل في العرض الوطني للتخييم، بل تدعو إلى تأسيس شراكة استراتيجية واضحة وشفافة مع الدولة (قطاع الشباب)، تقوم على الاعتراف بدورها الحيوي في مجال تربية الطفولة والشباب، وعلى مشاركتها الفعلية في رسم السياسات العمومية التربوية على اعتبار أن التخييم ليس مجرد "خدمة" موسمية، بل هو امتداد طبيعي لمشروع مجتمعي ينبني على التربية عبر القيم، والإبداع، والمواطنة.
لذلك، فإن إعادة النظر في هندسة العرض الوطني للتخييم، وتوسيع فضاءاته العمومية، وضمان الإنصاف في توزيع الحصص، أصبح ضرورة ملحة لحماية حق الأطفال واليافعين في العطلة التربوية، ولتمكين الفاعلين التربويين من أداء أدوارهم التربوية والثقافية والتنموية في مناخ من الثقة والاحترام المتبادل.
هل تعتقد أن النظام الحالي في توزيع الحصص عادل وشفاف؟
قبل الخوض في تقييم نظام توزيع الحصص، ينبغي أولا التوقف عند جوهر العرض الوطني للتخييم نفسه، والذي لم يعرف أي تطوير نوعي منذ سنوات. فالعرض ما يزال يراوح مكانه، دون أن تبذل الوزارة الوصية أي مجهود حقيقي لتجويده أو توسيع فضاءاته وخلق فضاءات جديدة ...وكذا من حيث فلسفة المشروع وانسجامه مع الخيارات الكبرى للدولة الاجتماعية ورهانات المستقبل. بل إن الأمر ازداد تراجعا مع التخلي عن عدد من المراكز الحيوية التي كانت تعد من أبرز فضاءات التخييم التاريخية، لما لها من رمزية وقيمة استراتيجية، كمخيمات الهرهورة، والانبعاث، طماريس وسيدي رحال وتيومليلين وعدد من فضاءات الأطلس ...وغيرها.
أما بخصوص معايير التوزيع والولوج، فإن الحديث عن العدالة والشفافية يظل شعارات معلقة ما لم تقنن العملية بمعايير دقيقة، ويعلن للرأي العام التربوي والوطني عن الحصيص الإجمالي، وعدد الجمعيات المستفيدة، وكذا نصيب كل جمعية والمراكز المخصصة لها. وحدها هذه المعطيات تمكن من تقييم مدى احترام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وتسمح ببناء ثقة حقيقية بين الفاعلين التربويين والوزارة الوصية.
في ظل غياب هذه المعطيات، فإن الباب يظل مفتوحا أمام اختلالات حقيقية، سبق تسجيلها مرارا، من بينها استفادة جمعيات محدودة الامتداد من حصص أكبر مقارنة بجمعيات وطنية لها حضور تنظيمي واسع وشبكة فروع كثيفة. فعلى سبيل المثال، قد نجد جمعية محلية تستفيد من 200 مستفيد في مرحلة واحدة، بينما لا تحصل جمعية وطنية تتوفر على أكثر من 50 فرعا إلا على 800 مستفيد في فضاءات تابعة للوزارة، وهو أمر غير متوازن ولا يعكس معيار العدالة.
من هنا، فإن أي نقاش جاد حول "عدالة النظام" لا يمكن أن يتم بمعزل عن إصلاح شمولي للعرض الوطني للتخييم، وإعادة النظر في منظومة التوزيع وفق رؤية تشاركية، تنطلق من الاعتراف بالوزن الحقيقي للجمعيات، وتمكن من احتساب «الحصيص» وفق الإمكانيات والامتداد والقدرة التأطيرية لكل جمعية.
لقد آن الأوان لإخراج هذا الملف من منطق «الغرف المغلقة»، وجعله موضوع مساءلة عمومية مفتوحة، تضع نصب أعينها مصلحة الطفولة أولا، وتكرس احترام الجمعيات الجادة وذات المصداقية، باعتبارها شريكا لا مجرد «زبون» في نظام موسمي غير عادل.
كيف تؤثر مشاكل النقل والتغذية والتأطير على فعالية البرنامج التربوي داخل المخيمات؟
من المسلم به أن نجاح العملية التربوية داخل المخيمات الصيفية رهين بتكامل عناصرها وضمان انسجام مكوناتها. فالمخيم في جوهره منظومة مترابطة تتطلب تضافر جهود مختلف المتدخلين، من قطاع وصي إلى الجمعيات الشريكة، حتى تتحقق الأهداف التربوية والاجتماعية المنشودة. غير أن واقع الحال يكشف عن عدد من الإكراهات التي تعيق فعالية البرنامج التربوي، وفي مقدمتها مشاكل النقل والتغذية والتأطير.
فعلى مستوى النقل، ورغم التحسن النسبي في خدمات القطارات وجودتها، إلا أن الإشكال يظل قائما من حيث البرمجة وفرض أجل 21 يوما لتقديم برامج الفروع، ما يربك استعدادات الجمعيات ويحد من هامش التفاعل مع المستجدات الطارئة، وتزداد المعاناة حدة بالنسبة للفروع القادمة من مناطق نائية، حيث تغيب شبكة السكك الحديدية، وتسجل محدودية دعم الجماعات الترابية، مما يدفع هذه الفروع إلى اللجوء إلى وسائل نقل مكلفة، ككراء الحافلات أو الاعتماد على النقل الخاص، وهو ما يثقل كاهل أسر الأطفال، خاصة المنحدرين من أوساط معوزة.
أما على صعيد التغذية، فرغم الجهود المبذولة لتحسين جودة الوجبات داخل بعض المخيمات، فإن العديد منها ما يزال يعاني من مشكل المناولة التي تستنزف الاعتمادات المخصصة للتغذية من طرف الوسطاء... ومن جشع بعض الممونين الذين يقدمون وجبات تفتقر إلى الحد الأدنى من التوازن الغذائي، من حيث الكم والنوع، وهو ما يتنافى مع حاجيات الطفولة في مرحلة النمو وساهم في إرباك البرنامج التربوي للمخيم
وقد زاد الوضع تفاقما عدم وجود المطاعم الفرعية داخل عدد من الفضاءات التخييمية، واعتماد مطاعم مركزية تستقبل أكثر من 500 طفل، كما هو الحال في مخيمي بوزنيقة والحوزية. الأمر الذي ينعكس سلبا على التنظيم، ويؤدي إلى تأخر الوجبات وخلق حالة من الفوضى داخل الجماعات التربوية.
ويرجع جزء كبير من هذه الاختلالات إلى غياب المقاربة التشاركية في تصميم ما يسمى بمخيمات الجيل الجديد، حيث لم يستأنس برأي الفاعلين الميدانيين ولا بأصحاب الخبرة والتجربة، ما أدى إلى تشييد فضاءات شبه عسكرية تفتقر للفعالية الوظيفية، ولا تواكب الحاجيات الحقيقية للطفل والمربي على حد سواء
كيف تقيم العلاقة الحالية بين الجمعيات النشيطة والوزارة الوصية؟ هل هناك حوار فعلي؟
تعيش العلاقة بين الجمعيات التربوية النشيطة والوزارة الوصية على قطاع الشباب والطفولة حالة من الجمود والتوتر، تعكسها مؤشرات واضحة على غياب الحوار الجاد والمسؤول وتكريس سياسة الإقصاء التي تتنافى مع التقاليد التشاركية التي راكمها المغرب على مدى عقود في تدبير الشأن التربوي والثقافي. فمنذ تنصيب الحكومة الحالية، أغلقت أبواب النقاش والتشاور، في تغييب متعمد لتعددية الفاعلين وللرؤى المتنوعة التي تشكل غنى المشهد الجمعوي التربوي والثقافي بالمغرب.
وفي الوقت الذي ينص فيه الفصل 12 من الدستور المغربي على كون الجمعيات شريكا أساسيا في إعداد وتفعيل وتقييم السياسات العمومية، اختار الوزير المعني أن يتحرك في مسار أحادي، يتخذ فيه قرارات مصيرية تهم القطاع وترصد لها ميزانيات ضخمة دون أي إشراك فعلي للجمعيات ذات الخبرة والتجربة الطويلة في الميدان. هذا الإقصاء لم يكن دون نتائج، بل أدى إلى فشل ذريع لعدد من المشاريع التي استنزفت موارد الدولة دون أن تترك أثرا ملموسا على الواقع
أبرز مثال على ذلك مشروع «متطوع» الذي كلف أكثر من ثلاثة ملايير ونصف سنتيم، دون أن يحقق أي تحول نوعي داخل دور الشباب أو الفضاءات التربوية. ويضاف إلى ذلك مشروع الألعاب الإلكترونية الذي خصصت له اعتمادات مالية هامة، بينما التجهيزات التي اقتنيت لهذا الغرض لا تزال مكدسة دون تأطير، ولا استثمار حقيقي في خدمة الطفولة والشباب.
واقع الأطر المساعدة بدوره يعكس حجم الاختلالات التي يعرفها القطاع، حيث تشتغل هذه الفئة في ظروف هشة، وتتقاضى أجورها من شركات وسيطة، دون أن تقدم قيمة مضافة فعلية للعمل التربوي أو تسهم في تجويد خدمات المؤسسات التابعة للوزارة. أما الشراكات التي كانت تجمع الوزارة مع الجمعيات، فقد تراجعت بشكل لافت، مما أضعف دينامية الميدان وساهم في تعطيل العديد من المبادرات الجادة.
من الخطأ الكبير اختزال الجمعيات النشيطة في دورها الموسمي المرتبط بالمخيمات فقط، فهي في الحقيقة حاملة لمشروع تربوي وثقافي وتنموي متكامل، قائم على قيم التطوع والمواطنة والتكوين المستمر، ويشتغل على مدار السنة، في مختلف ربوع الوطن، ومع مختلف الفئات العمرية من هذا المنطلق، فإن تجاهل صوت هذه الجمعيات والإصرار على الانفراد بالتدبير هو ضرب لمبدأ التعددية والشراكة، وتفويت لفرصة إصلاح قطاع حيوي وحساس بحجم قطاع الطفولة والشباب.
إن المرحلة تستدعي وقفة مسؤولة تعيد الاعتبار للحوار الوطني، وتفتح قنوات تواصل فعلي بين الوزارة والجمعيات الجادة، بعيدا عن منطق التهميش والانتقاء. كما أن من الضروري تقييم السياسات والمشاريع التي أطلقتها الوزارة خلال السنوات الأخيرة، عبر آليات شفافة، بمشاركة المجتمع المدني، بما يضمن ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويعيد الثقة إلى فاعلين لطالما اعتبروا الشأن التربوي والثقافي قضية وطنية بامتياز.
في رأيك، ما الأولويات العاجلة لإصلاح منظومة التخييم الوطنية؟
من بين الأولويات العاجلة لإصلاح منظومة التخييم، ضرورة اعتماد مقاربة مؤسساتية واضحة تنبني على الشفافية، وتستحضر الرؤية التشاركية مع كل المتدخلين الفاعلين في الحقل التربوي وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير بأن السيد الوزير قرر بشكل انفرادي تنظيم مناظرة وطنية حول واقع ومستقبل المخيمات، نهاية هذا الموسم، وهو قرار نثمنه من حيث المبدأ، رغم كونه جاء متأخرا وفي نهاية الولاية الحكومية، في حين كان الأجدر أن يتم ذلك في بدايتها، حتى يتسنى للوزير تتبع تنفيذ توصيات ومخرجات هذه المحطة الوطنية الهامة الى جانب كافة الشركاء.
ورغم ذلك، نعتبر هذه المبادرة خطوة إيجابية من شأنها فتح نقاش وطني حول مستقبل التخييم ببلادنا، شريطة أن تندرج ضمن رؤية شمولية تتجاوز التدبير الموسمي الظرفي، وتقطع مع منطق الارتجال والانفرادية في القرار. لكن لا يمكن لهذا النقاش أن يكون جديا ومثمرا دون أن تخرج أولا إلى العلن نتائج المهمة الاستطلاعية التي قامت بها اللجنة البرلمانية التي شرعت في عملها منذ 27 يونيو 2022. وها نحن اليوم بعد مرور ثلاث سنوات وما زلنا ننتظر صدور تقريرها الرسمي الذي سيشكل لامحالة أرضية للنقاش العمومي حول واقع و آفاق المخيمات التربوية ببلادنا ....
لقد وقفت هذه اللجنة على واقع عدد كبير من المراكز التخييمية، ولامست بشكل مختلف الإشكالات و الاختلالات المرتبطة بالبنيات التحتية، والمضمون التربوي، ووسائل النقل، والتغذية، والتأطير، وهي جوانب تشكل صلب النقاش حول إصلاح منظومة التخييم، غير أن مصادر برلمانية كشفت عن وجود تواطؤات وضغوطات مورست على أعضاء اللجنة، بغرض إقبار التقرير وعدم عرضه على الجلسة العامة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول الجهات التي تسعى إلى التستر على مكامن الخلل، خصوصًا تلك التي استفادت لسنوات من صفقات المخيمات في غياب معايير الشفافية والحكامة.
إن صدور هذا التقرير باعتباره وثيقة صادرة عن مؤسسة دستورية من شأنه أن يضع اليد على مكامن القوة والضعف في منظومة التخييم، وأن يشكل أرضية صلبة لأي نقاش وطني جاد، بما في ذلك المناظرة التي نأمل أن تكون محطة تأسيسية لمقاربة جديدة تقطع مع أعطاب الماضي، وتؤسس لمخيمات تليق بأطفال وشباب هذا الوطن.
وعلى السيد وزير الشباب أن يعي جيدا أن الجمعيات الوطنية التربوية ليست مجرد مكونات ثانوية في المشهد العام، بل هي جزء أصيل من ذاكرة المغرب النضالية والثقافية والتربوية ... فهي التي حملت منذ بدايات بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال مسؤولية تأطير الأجيال، وساهمت في ترسيخ قيم المواطنة والكرامة، وأدت أدوارا محورية في بناء الإنسان المغربي، و تشكل الهوية الوطنية حتى قبل أن تتشكل المؤسسات الحديثة للدولة هذه الجمعيات، بامتداداتها التاريخية، لم تكن يوما تابعة ولا طارئة بقدر ما هي سباقة في صناعة المعنى التربوي والثقافي والاجتماعي.
واليوم، وفي ظل غياب حوار جاد ومسؤول مع هذه الهيئات، تتعرض المنظومة التربوية برمتها لضربات متتالية من التهميش والعشوائية، ويفقد الفعل التربوي توازنه واتساقه. فما يخطط له من فوق، دون إشراك الفاعلين الحقيقيين في الميدان، يظل حبيس الرؤى التقنية المجردة، وينتج مبادرات ظرفية موسمية، تفتقر إلى العمق والاستمرارية.
إن تغييب الجمعيات الوطنية عن دائرة القرار والتشاور ليس فقط تجاهلا لتجربتها المتراكمة بل هو إضعاف لبنية المنظومة التربوية نفسها، التي باتت رهينة للاحتفالية الجوفاء والقرارات الفجائية والرؤية التجزيئية. وفي غياب شراكة استراتيجية مع من خبروا خبايا الميدان وتفاعلوا لسنوات مع انتظارات الأطفال والشباب تصبح التربية فضاء للتجريب لا للبناء ويفقد العمل التربوي بوصلة التوجيه والتحصين.
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للجمعيات، ليس فقط بما راكمته من تجربة، بل باعتبارها شريكا معرفيا ومجتمعيا لا يمكن تعويضه أو الاستغناء عنه، ولإرساء حوار حقيقي يعيد للتربية معناها وللشباب أملهم.