Thursday 19 June 2025
مجتمع

حين تُملِي التضاريس الجغرافية قانونها.. تصبح الديالسة البريتونية Dialyse Péritonéale ضرورة صحية وإستراتيجية

حين تُملِي التضاريس الجغرافية  قانونها.. تصبح الديالسة البريتونية Dialyse Péritonéale  ضرورة صحية وإستراتيجية الدكتور أنور الشرقاوي والبروفسور إدريس القباج (يسارا)
بقلم الدكتور أنور الشرقاوي بتعاون مع البروفسور إدريس القباج رئيس الجمعية المغربية لطب الكلي 
في المغرب، كما في العديد من بلدان شمال إفريقيا، لا ترسم التضاريس فقط الملامح الجغرافية للبلاد، بل تفرض واقعًا اجتماعيًا وصحيًا صعبًا، حيث الوصول إلى العلاج المتخصص أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر.
 
هناك العديد من المواطنين القاطنين في أعالي الجبال، من الأطلس المتوسط إلى جبال الريف، يواجهون يوميًا عراقيل الطرق الوعرة، وقساوة الشتاء، وغياب البنى التحتية الصحية المتوازنة.
 
في هذا السياق القاسي، لا تكون الديالسة البريتونية Dialyse Péritonéale  مجرد بديل عن غسيل الكلى الدموي، بل خيارًا عقلانيًا، ورافعة لإنصاف اجتماعي حقيقي. إنها صيغة علاجية تجمع بين البساطة، والسيادة، والكرامة.
 
علاج يصعد القمم، ويُقرّب الرعاية الصحية من المواطنين 
بينما يتطلب غسيل الكلى الدموي Hémodialyse  بنية تحتية ثقيلة، ومراكز مختصة، ومواعيد منتظمة ثلاث مرات في الأسبوع، تعني لساكني القرى الناءية ساعات من التنقل الشاق، وأحيانًا النوم في العراء بسبب صعوبة الطقس، تتيح الديالسة البريتونية للمرضى البقاء في بيوتهم، وسط أسرهم وحقولهم.
 
يكفي تدريب متقن، وإشراف طبي دوري عن بعد، ليصبح المريض سيدًا على علاجه، دون الحاجة إلى قطع عشرات الكيلوميترات بحثًا عن مراكز العلاج.
 
منظومة قابلة للتكيّف في التضاريس الصعبة 
تُشكّل الديالسة البريتونية (DP) فرصة حقيقية لصنّاع القرار الصحي في المغرب لتقليص الفجوة بين المدن والجبال. فبدلاً من بناء مؤسسات إستشفاءية، يكفي إعداد مسارات لوجستية لتوزيع المحاليل، وتكوين فرق صحية متنقلة.
 
 
النتيجة؟ اقتصاد في الكلفة، وتوسيع فعلي للتغطية الصحية في المناطق المهمشة.
بلدان ككولومبيا والنيبال واليونان سبقتنا إلى هذا النموذج، فاستثمرت في الديالسة البريتونية (DP) كأداة لفرض السيادة الصحية على أراضيها وجزرها التفرقة، حيث لا يمكن للمريض أن ينتظر الطريق أو الطقس ليقرر متى يحق له أن يتلقى علاجه.
 
علاج ينسجم مع الثقافات المحلية ولا يصطدم بها 
في البيئات القروية ، حيث الحياة اليومية مبنية على التلاحم الأسري، والاعتماد على الذات، تأتي الديالسة البريتونية ( DP) كخيار يحترم النمط المعيشي المحلي. لا يُنتزع المريض من بيئته، ولا تُقتلع العائلات من جذورها يؤكد البروفسور إدريس القباج رئيس الجمعية المغربية لطب الكلي. 
 
الأمهات العجائز لا يُجبرن على ترك أحفادهن، والفلاح لا يهجر أرضه، والنساء – اللواتي كثيرًا ما يُقصين عن المراكز الصحية – يجدن في هذا النموذج الصحي فرصة لاستعادة موقعهن في القرار الصحي والعائلي.
 
من أجل طب قريب، حديث، ومتضامن 
إنّ الديالسة البريتونية ليست فقط حلاً طبّياً، بل مشروع مجتمعي متكامل. إنها طب الكرامة، الذي لا يستسلم للواقع الجغرافي، بل يتجاوزه.
 
وتقول الأستاذة الدكتورة نادية قباالي، أستاذة طب الكلى بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس، وممن كان لهن السبق في إدماج هذا النوع من العلاج في ممارستهن اليومية بالمستشفى الجامعي لفاس، إن "المناطق الجغرافية والظروف الإجتماعية لا يجب أن تكون عائقًا أمام الحق في العلاج، بل دافعًا لتصميم نماذج صحية متكيفة، ذكية، ومرتكزة على الإنسان".
 
آن الأوان لأن تتحول الجبال من رموز للعزلة، إلى رموز للريادة في تجديد الرؤية الصحية.
 فالحق في العلاج لا يجب أن يكون مرتبطًا بعنوان السكن، بل بإنسانية السياسة الصحية.