Monday 16 June 2025
مجتمع

محمد أمين المحفوظي: ثقافة المعدلات والرتب في المغرب.. حين يتحول التلميذ إلى مجرد رقم

محمد أمين المحفوظي: ثقافة المعدلات والرتب في المغرب.. حين يتحول التلميذ إلى مجرد رقم الدكتور محمد أمين المحفوظي
في السنوات الأخيرة، أصبحت نتائج امتحانات الباكالوريا في المغرب عُرسا إجتماعيا وفي نفس الوقت مشهدًا دراميًا يتكرر كل سنة: عناوين الصحف تتسابق لتقديم أسماء أصحاب المعدلات القياسية، منصات التواصل الاجتماعي تعجّ بصور التهاني والمباركات، وأعين آلاف التلاميذ ترنو بخليط من الأمل والإحباط نحو تلك الأرقام الثلاثية التي تحدد مصيرهم. ما الذي حدث حتى تحوّل التعليم من رحلة لاكتساب المعرفة إلى حلبة سباق نحو المعدلات؟ ولماذا أصبحت الرتبة أقدس من المجهود؟
 
المعدلات المرتفعة: إنجاز أم خدعة؟
حين نرى تلميذًا يحصل على 19,50 في الباكالوريا، فإننا أمام رقم مذهل حقيقة، لكنه يطرح سؤالًا مشروعًا : هل هذا يعكس واقعًا تعليميًا مزدهرًا؟ الجواب غالبًا لا. ففي ظل الحديث المتزايد عن تراجع المستوى العام للتلاميذ، وتدني الكفايات الأساسية في الرياضيات واللغات، تبدو هذه المعدلات كواجهة براقة تخفي واقعًا هشًا.
 
التفسير الأقرب لهذا التناقض هو تنامي ما يُعرف بـ مافيا الدعم المدرسي الخاص، التي تحولت من وسيلة مساعدة إلى صناعة مربحة تُغذيها هيستيريا النقاط. اليوم، لم يعد الدعم المدرسي حكرًا على من يعاني صعوبات، بل صار شرطًا أساسيًا للتفوق في الامتحانات، مما يعمّق الفوارق الطبقية بين التلاميذ ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص في العمق.
 
الرتبة كعقدة نفسية
التركيز المفرط على الرتبة والمعدل يُولّد ضغوطًا نفسية رهيبة. أصبحنا نرى تلاميذًا متفوقين، لكنهم يعيشون في حالة رُهاب من الإخفاق، وآخرين يشعرون بالعار لأنهم حصلوا على معدل "غير مشرف" – حتى لو كان يفوق المعدل الوطني. هذه الهستيريا الجماعية غذّت ما يمكن تسميته بـ "عقدة النقص المدرسية"، التي تلاحق التلميذ المغربي منذ المراحل الأولى.
 
كواليس الولوج إلى المدارس العليا: الجدارة أم الحظ؟
يُفترض أن يكون ولوج المدارس العليا (طب، هندسة، معاهد التجارة...) مبنيًا على مبدأ الاستحقاق. لكن الواقع يكشف عن خلل هيكلي في نظام الانتقاء، حيث تُعتمد معدلات جهوية غير موحدة، ويتم تغييب الاختبارات التكميلية (concours) في عدد من المسارات. وهذا ما يدفع البعض للتساؤل : هل يتم تقييم الكفاءات فعلاً أم فقط مهارات الحفظ والتكتيك في الامتحان الوطني؟
 
رأي المجتمع: النجاح كمظهر اجتماعي
أولياء الأمور بدورهم لم يعودوا يبحثون عن تربية متوازنة أو بناء شخصية مستقلة، بل عن طفل متفوق بمعدل مرتفع، أيًّا كانت الوسائل. وهنا تتحول الباكالوريا إلى مناسبة اجتماعية استعراضية، يتباهى فيها الآباء بنجاح أبنائهم كما لو كانت ميدالية أولمبية. وهذا يخلق مناخًا خانقًا، حيث يُقاس التلميذ بمعدله لا بإنسانيته.
 
أخيرا: نحو مدرسة تُنصِف و لا تُرٓقِّم
إن تصحيح هذا الوضع يمر حتما عبر إعادة النظر في فلسفة التقويم بحد ذاتها. يجب أن تتحول المدرسة المغربية من مؤسسة تمنح النقط إلى مؤسسة تمنح المعنى. فالتعليم لا يُقاس بالأرقام، بل بالكفاءات المكتسبة، والقدرة على التفكير، والإبداع، وروح المواطنة.
 
ما نحتاجه اليوم هو ثورة هادئة تعيد الاعتبار للمعلم، وللقسم، وللجهد، بعيدًا عن منطق السوق وهيستيريا التصنيفات. فـ"النجاح الحقيقي" لا يكتبه المعدل... بل يكتبه الإنسان.