Friday 2 May 2025
فن وثقافة

رشيد صفـَـر: فيلم "زاز" .. حين يفرض السيناريو أبطاله قبل ملصق التسويق !!!

رشيد صفـَـر: فيلم "زاز" .. حين يفرض السيناريو أبطاله قبل ملصق التسويق !!! رشيد صفـَـر، كاتب سيناريو وكوتش فيلم "زاز"
المعذرة يا سادة يا كرام نساء ورجالا وشبابا، سوف أستسمحكم لكي أغرد خارج العرض، لأن الفيلم السينمائي"زاز" في مرحلة التوضيب، استعدادا لعرضه في القاعات السينمائية في الأيام القليلة القادمة ...
 
يفتح فيلم "زاز" نافذة سينمائية على هشاشة  الشهرة حين تولد من رحم الصدفة، وتقتات من خوارزميات المنصات قبل أن تتحول إلى عبء. "زاز"، رجل بسيط، يجد نفسه في لحظة مفصلية بعد انتشار فيديو عفوي ينتقد فيه برلمانيا داخل مقهى شعبي. لكن ما يبدو لحظة عابرة، يتحول بسرعة إلى كرة ثلج، تُلقي به في قلب لعبة تسويق رقمي، تسلّع شخصيته وتُعيد تشكيل صورته لأغراض لا يتحكم فيها. وبين ضجيج المتابعة وصمت الذات، يدخل "زاز" عوالم أكثر قتامة، حين تتقاطع شهرته مع حدثين هامين في البناء الدرامي للفيلم : 
أولا : انتشار فضائحه مع أقرب الناس له.
ثانيا: تورط "زاز" في جريمة مدمرة للمجتمع خصوصا الشباب، ويطرح هذا الحدث الدرامي أسئلة أخلاقية حول الحقيقة والزيف، والنية والاستغلال.

 
والسؤال : هل سيتمكن "زاز" من تحمل تبعات لعنة الشهرة التي لم يكن مستعدا لها نفسيا واجتماعيا !؟..
"زاز" الرجل البسيط العفوي، الذي يحمل في وجدانه مأساة المعاناة من قسوة الأب بعد وفاة الأم، عاش يتيم الأم  واحتضنه بيت الجارة أم حليمة زوجته في الحاضر، يعيش على السخرة ومساعدة الناس وإضحاكهم، للحصول على دريهمات بالكاد تسد رمق الجوع، لكن بعد انتقاله بين ليلة وضحاها لنجم مواقع التواصل الاجتماعي، ستستقطبه وكالة للدعاية ليجد نفسه في صراع مع المؤثرين وأيضا وسط خيوط جريمة خطيرة.

 
حين قررت خوض تجربة كتابة سيناريو فيلم "زاز" إلى جانب الصديق الفنان عبدو الشامي بطل الفيلم، لم يكن في نيتنا أن نقدم مجرد حكاية خفيفة لملء الفراغات، بل كنا نرغب في اختبار الحدود بين الواقع والمتخيل، بين البساطة والسخرية، بين العادي وما يُفرض عليه أن يكون استثنائيا في زمن الرقمنة والنجومية السريعة.
 
خلال جلسات الكتابة، ومع توالي إعادة رسم معالم شخصيتي "زاز" و"حليمة"، بطلي القصة،  وفي نقاشنا كنا نعرف أن مثل هذه الأدوار، تحتاج إلى من يعيش الشخصيتين لا من يُقلد ملامحهما. وحين جاء اختيار المخرج يوسف المدخر، ليسند البطولة لعبدو الشامي وسارة دحاني وهما ليسا من نجوم الصف الأول، بدا الأمر للوهلة الأولى للبعض مغامرة، لكنه في الحقيقة كان انسجاما تاما مع رؤية فنية، تعطي الأولوية للمصداقية وليس للنجومية فقط، للتشويق بعيدا عن حسابات التسويق. 

ككوتش تمثيلي عايش التجربة عن قرب، أستطيع أن أؤكد أن ما قدمه الفنان عبدو الشامي والفنانة سارة دحاني، لم يكن مجرد أداء، بل كان تطورا وتحولا في درجة الاندماج المرتبط بالصدق، وهو في نظري نابع من انغماس كامل في تفاصيل الشخصيتين. لم تكن الفنانة سارة تُمثل "حليمة"، بل كانت تعيش بداخلها، في سلوكها، في ردة فعلها، في صمتها وكلامها، في ابتسامتها وبكاءها في غضبها واستسلامها أمام المواقف الصعبة .. أما الفنان عبدو الشامي، فقد تجاوز كونه صاحب الفكرة و"الكوسيناريست" بلغة موليير، ليتقمص "زاز" بكل تعقيداته، وتناقضاته، وأحلامه البسيطة، وانغماسه في عالم الشهرة التي لم يكن يفكر فيها قبل أن ينتقد برلمانيا ويصوره بالهاتف، سعد "الفنان لحرايفي مهدي تكيطو" ابن نعيمة "الفنانة الرائعة لبنى شكلاط" جارة "زاز" .. ينتشر الفيديو من هاتف "سعد" في منصات التواصل الاجتماعي، ليعلن عن ميلاد نجم من نجوم الشهرة السريعة عبر الويب. ورغم أن الفيلم يراهن على وجهين غير مشهورين في دورين رئيسيين، إلا أن كاستينغ "زاز" لا يخلو من أسماء وازنة في الساحة الفنية المغربية، ساهمت في بناء توازن درامي وإنساني مهم. فقد شارك في الفيلم نجوم معروفون في السينما والتلفزيون، وهو الدليل على أن اختيار المخرج لعبدو الشامي وسارة دحاني، لم يكن من منطلق الحسابات الضيقة.
 
الفيلم يعتمد على التنوع في الكاستينغ .. نجوم و وجوه جديدة، وقد خلق هذا الأمر حالة من الانسجام داخل "البلاتو"، حيث التقى الحماس بالتجربة، والبساطة بالحِرَفية، فكان العمل يطرز في التصوير، بإيقاع متوازن يراعي روح النص من جهة، ورؤية المخرج من جهة أخرى.
 
الندوة الصحفية التي ستُنظم في الأيام القليلة القادمة، للإعلان عن موعد عرض الفيلم، ستكشف تفاصيل أكثر حول هذه التجربة التي يمكن وصفها بـ"التوليفة"، التي  راهنت على التماسك الإبداعي بين النص، والإخراج، والكاستينغ.
"زاز" تجربة أعتز بها، وأتحمل أي انتقاد لها بحياد وموضوعية، ولن أتحمل التحامل عليها بلغة "الأبطال بجوج ما مشهورينش" أي بطلا الفيلم ليسا من نجوم الصف الأول !!!. شاهد واحكم و انتقد كما شئت فحريتنا في السينما أن نبدع وحرية المتلقي أن بعبر عن رأيه في الفيلم بتجرد.
 
في فيلم "زاز" أبطال كثر لهم تجربة محترمة وقاموا بأدوارهم في نظري كما ينبغي، انسجاما مع الرؤية الإخراجية.. ومن بينهم : عبد اللطيف شوقي، زكريا عاطفي، كريم سعيدي، صالح بن صالح، سحر المعطاوي، جواد السايح، إبراهيم خاي، عباس كاميل، لبنى شكلاط، مهدي تكيطو، وآخرين من الجيل الحالي الشاب مثل زياد الفاضلي المعروف في الويب ويشارك أيضا في الأعمال التلفزيونية والسينمائية وزكرياء مسكابي وأمين حسناوي إضافة إلى مريم الزبير، وأيوب حكيم ضمن دورين لمؤثرين سينافسهما "زاز" في عالم الشهرة الرقمية، حيث منح المخرج فرصة للعديد من الوجوه الجديدة، لدخول غمار السينما، كالممثلة لبنى ماهر التي جسدت شخصية زوجة أب "زاز"، والتي تشارك في العروض والورشات التكوينية في المسرح، وسفيان سميع صاحب كبسولة "هاشتاغ سميع" على منصات التواصل الاجتماعي، بمحتوى هادف، وهو صحفي مهني ..
 
 يشارك في الفيلم المغني مامون صلاج، ومصطفى التابوتي، مهدي شنتوف، عادل العماري، أمين لمرابط، إسماعيل عرباز، سكينة بوزيد، عبد الهادي التازي، حنان لماوي، والطفل جاد الله الرشيد والطفلة أفنان والشاف سيمو، والعديد من الكومبارس، الذين أضفوا طابع الواقعية على المشاهد التي ظهروا فيها، ضمن متواليات الفيلم بالسوق و الشارع والمقهى وأمام باب منزل "حليمة" و "زاز" ... 
 
فيلم "زاز" بالنسبة لي تمرين جماعي على إعادة تعريف البطولة خارج معايير الواجهة. في زمن تختلط فيه الشهرة بالموهبة، يأتي هذا العمل ليراهن بالأساس على : السيناريو، والكاستينغ ثم الأداء، وباقي المهام ... ضمن رؤية إخراجية تستثمر بجدية عناصر الفرجة السينمائية لاستقطاب الجمهور.
وفي النهاية، لا يصنع العمل الفني اسمه من نجومية أبطاله فقط، بل من انسجام مكوناته وشجاعة الفريق وعلى رأسه المخرج في الدفاع عن اختياراته. و مخرج فيلم "زاز" فعل ذلك .. 

 
والآن، يجب التريث إلى حين إطفاء أضواء القاعة السينمائية وصعود جينيريك النهاية، والحكم حينها للجمهور والنقاد، الذين ستكون لهم الكلمة الفصل في تقييم هذا العمل السينمائي، الذي اعتبره مغامرة جريئة في ساحة السينما المغربية .. 
وليس من رأى كمن سمع أو قرأ مقالا فحسب.