شكلت دائماً مسرحاً للفرجة بالهواء الطلق، وبالأسواق لاستقاء الأخبار والأحوال، إذ واكب منظموها أحداث السياسة والمجَاعات والزلازل والاستعمار...كما تخصّصُوا في مجالات متعددة كأنواع الطرب ومدح الصّحابة والأنبياء، أو تفسير القرآن وشرح قضايا الفقه والشرع، واستقبال تساؤلات الناس، والتباري مع فقهاء آخرين حول النوازل والفرائض.. بعضهم تخصص في الأزليات ورواية سير وملاحم الأبطال كعنترة بن شداد وسيف بني ذي يزن والأميرة ذات الهمة وابنها الأمير عبد الوهاب، والسيرة الهلالية وألف ليلة وليلة، بعضهم تخصص في العلاج وأنواع الطب، وبعضهم في ترويض الأفاعي وشرب الماء الساخن مثل الرحالية، أو الألعاب البهلوانية مثل أولاد سيدي احماد أوموسى وعبيدات الرما، وبعضهم في رياضة البوكس أو الملاكمة...وبعضهم في السخرية من كل شيء ونقد القضاء والتعليم وغيره، والحكم والإصلاح ونقد ظواهر وأحوال المجتمع.. مثل ولد قرد والطاهر زعطوط، وبعضهم برع في العزف على الأوتار أو العود ، ومن أشهرهم حميد الزاهر في بداياته الأولى. وصالح والمكي والشيخ الضو والغازي.
بعضهم خلط فرائض الدين والصّلاة بمستجدات التكنولوجيا الحديثة ، والحديث عن صعوبات الناس في الحصول على كبش العيد وانصياع الرجال أمام النساء من أجل شراء أكبر وأجود كبش ، رغم فقرهم ، وصياغة كل ذلك في زجل بديع ومؤثر طبع على كتيبات لم يكن ثمنها يتجاوز ال 4 ريالات مثل ولد قربال.. دون نسيان نجوم ورواد كبار الحلقة مثل الطويل والكرايمي.
بعضهم شكل تراثاً، مغربياً حقيقياً أرخ لمراحل تاريخية وسياسية مغربية مفصَلية هامة مثل دخول الاستعمار ومقاومته ، مثل ولد قرّد وولد قربال والطّويل وعبد الكريم الفيلالي بآسفي الذي نظم قصصاً تراثية على شكل قصائد زجلية جميلة مثل ملحمة بوفسّيو ، وطبع بمهارته المتميّزة وثقافته الخاصة أجيالاً بأكملها حين كان الفلاحون بالأسواق يستقون أخبار السياسة والطقس والتراث من هؤلاء الأفذاذ العظماء الذين فضلوا الحلقة وإدارتها بحنكة وتميز عن أي شيء آخر. وأيضا عيساوة وضاربي العوادة على الطريقة الجزائرية والمنطقة الشرقية ، اولاد سبيطة.. ورثاء محمد الخامس والݣُوّالة الذين يمدحون النبي وغزواته والصّحابة وسيدنا علي ورواة الأزلية وسيرة الأميرة ذات الهمة ، وعنترة بن شداد والملاكمة ومهارة ركوب الدراجة ، ومغنو أغاني فريد الأطرش واسمهان ومحمد عبد الوهاب ..وأغاني سوس وزايان والطقطوقة الجبلية ، والصقايرية والمسلّون عن طريق النعرات القبَلية ، "الدكالي العبدي" و "الشلح اليهودي" و "العروبي المديني"
لقد شكلت الحلقة تراثاً مغربيا حقيقياً وزاخراً بالمعلومات والقصص الديني والتراثي عن سيدنا ابراهيم والنمرود بن كنعان وعناق بن عواج وشداد بن عاد وفرعون وسيدنا يوسف وزليخة مرت العزيز ...حفظها آباؤنا عن ظهر قلب بالأسواق والمدن وسردوها علينا خلال الليالي القائظة والمقمرة في الصيف بعد انتهاء عمل الحقول والبيادر .