
يضطر رجال الشرطة والدرك في المغرب، في العديد من الحالات الخطرة، وخاصة في المحاضن الشعبية للإجرام إلى استعمال سلاحهم الوظيفي لرفع خطر السلاح الأبيض المسلط على أعناقهم، أو لشل حركة عتاة المجرمين الذي يهددون الأمن العام بجرعات عنيفة زائدة من الثقة، في إشارة واضحة إلى أنهم أصبحوا "أسياد الشارع".
ولعل تنامي اللجوء إلى استعمال السلاح الوظيفي لفرض احترام القانون، خلال السنوات الأخيرة، يكشف بوضوح وبالأرقام، أن المغرب يعاني من ارتفاع مهول في مؤشر الإجرام العنيف بكل أنواعه «اعتداءات، اعتراض السبيل، السلاح الأبيض...»، مما قد يهدد حتى المسؤولين عن إنفاذ القانون، من رجال شرطة ودرك وقوات مساعدة وجمارك، الأمر الذي يفرض تحوّلا نوعيا في طرق التدخل الأمني، والانتقال من التريّث المفرط سابقًا إلى التدخل الحازم باستعمال السلاح الوظيفي ضد المجرمين، كما هو الحال في العديد من الدول التي تعمل بقانوني «الدفاع الشرعي» و«الضرورة الأمنية».
ويطرح استعمال السلاح الوظيفي في المغرب جملة من الإشكالات المرتبطة بالسؤال التالي: هل لتواتر استعمال السلاح في توقيف المجرمين الخطرين في المغرب بالوتيرة السريعة والمتنامية التي يعرفها، درع تشريعي يحمي عناصر القوة العمومية الذين يتدخلون لحماية أرواح الناس من المتابعة القانونية، ويردع في الوقت نفسه المجرمين من الاستمرار في تعريض حياة الأشخاص للخطر؟
إن تواتر استعمال السلاح الوظيفي في مواجهة المجرمين الخطرين في المغرب يعكس واقعًا أمنيًا معقدًا يتطلب وضوحًا تشريعيًا أكبر من الأنظمة الداخلية أو التعليمات، ذلك أنه بينما يُنتظر من رجل الأمن أو الدركي أن يتدخل بحزم لحماية الأرواح والممتلكات، فإن غياب إطار قانوني دقيق يُحدد شروط استعمال السلاح ويحمي الشرطي والدركي من «التجرجير»، يجعله عُرضة للتقدير الشخصي المقيد بالمساءلة القضائية، ما قد يُؤثر حتما على سرعة وفعالية التدخل الأمني، إذ يضطر أفراد القوة العمومية إلى التفكير طويلا في عواقب استعمال سلاحهم الوظيفي قبل التفكير في تحييد الخطر على وجه السرعة، ودون تردد.
ومن ثمة، فإن التحدي الحقيقي الذي يعيشه رجال الشرطة ورجال الدرك لا يكمن في مدى مشروعية استخدام السلاح الوظيفي فحسب، بل في ضرورة إيجاد توازن تشريعي يحمي العنصر الأمني، ويُرسي مبدأ الردع في وجه الجريمة، دون المساس بالحق في الحياة أو ترك الحبل على الغارب أمام حاملي السلاح، مما سيضع بالضرورة حدا للتردد الميداني، ويفتح المجال للتقدير الشخصي المقيد بشروط صريحة ودقيقة لاستعمال السلاح في مواجهة المجرمين.
ففي فرنسا، على سبيل المثال، يُحدد القانون رقم 2017-258 الصادر في 28 فبراير 2017، بشكل واضح، الحالات التي يُسمح فيها لعناصر الشرطة والدرك باستخدام أسلحتهم، بشرط أن يكونوا بالزي الرسمي أو يحملوا ما يُظهر بوضوح أنهم من عناصر الأمن، وأن يكون استخدام السلاح في حالة ضرورة قصوى وبطريقة متناسبة مع الخطر. (انظر في الصفحة الموالية):
وإذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة، فإن قوانين استخدام الشرطة للسلاح تختلف بين الولايات، حيث تضع كل ولاية ضوابطها الخاصة. لكن يُسمح للشرطة، عمومًا، باستخدام السلاح في حالات الدفاع عن النفس أو عن الآخرين، أو لمنع جريمة خطيرة، كما تخضع هذه الاستخدامات لمراجعة قضائية، وتختلف معايير التقييم بين الولايات.
أما في المغرب، فرغم تواتر استعمال السلاح الوظيفي، فإنه لا يوجد قانون محدد يعدد الحالات التي يُسمح فيها باستخدامه، رغم أن استخدام السلاح يخضع لضوابط قانونية صارمة، ويُسمح به في حالتين اثنتين: أولا، الدفاع الشرعي عن النفس، أي في حالة اعتداء وشيك على سلامة الشرطي أو المواطنين. ثم ثانيا: في حالة التناسب بين التهديد واستخدام السلاح، لأن استخدام السلاح الوظيفي يخضع للمراقبة القضائية البعدية، ويتم التحقيق في كل حالة استخدام للتأكد من قانونيتها، ذلك أن أي تجاوز أو استخدام غير مبرر للسلاح يعرض الشرطي للمساءلة التأديبية والجنائية، ويُمكن أن يتابع عون القوة إذا اعتُبر تجاوزه مفرطًا أو غير مبرّر. بمعنى أن رجل الأمن في المغرب ليس محصّنًا كليا ضد المتابعة إذا أساء تقدير الوضع وانتهى به المطاف إلى إطلاق الرصاص، بل معرض للمساءلة الجنائية أحيانا، وهذا يجعل الكثير منهم يتحفظون عن استعمال سلاحهم الوظيفي، حتى في حالات الخطر الماحق أو الداهم؛ وهذا التردد الموضوع أمام القانون هو النقطة التي يستغلها المجرمون بالمغرب للتمادي في العنف، عكس الشرطي الأمريكي أو الفرنسي الذي يعمل داخل إطار قانوني يتميز بمستوى عال من التفصيل. ففي فرنسا، ينظم القانون بوضوح ودقة الحالات التي يُسمح فيها لعناصر الشرطة والدرك باستخدام أسلحتهم، كما أسلفنا؛ وهو ما يُظهر توجهًا نحو تقنين دقيق يحد من هامش الاجتهاد الشخصي. بينما لا يتوفر المغرب على قانون مفصل مماثل، يوفر الحماية لرجل الأمن.
ومن هنا، بات من الضروري أن يُطوّر المغرب منظومته القانونية بما ينسجم مع التوجه الحقوقي الدولي، ويضمن في الآن ذاته الحماية القانونية لرجال الأمن ورجال الدرك والجمارك حين يتحركون ضمن حدود المشروعية، دون أي خوف من ارتداد استعمال السلاح عليهم، مما قد يعرضهم للعقاب.
صحيح أن هناك طرقا أخرى غير مميتة لتحييد خطر المجرمين، والمغرب يتوفر على العديد منها، مثل الصاعق الكهربائي (taser)، رذاذ الفلفل المُهيّج «الغاز المسيل للدموع»، الرصاص المطاطي أو الإسفنجي، الهراوات «العصي التلسكوبية»، كلاب الشرطة المدربة، تقنيات التفاوض والإقناع النفسي. غير أن هذه الطرق لا تكون ناجعة في كل الحالات، وخصوصا في حالة الخطورة القصوى التي يمثلها المجرمون الانفعاليون أو الواقعون تحت تأثير المخدرات القوية، وعلى رأسها البوفا وحبوب القرقوبي بكل أنواعه، لأن هؤلاء لا يمكن ردعهم بالكلام أو التفاوض. كما أن بعض المواقف «كاحتجاز رهائن أو إطلاق نار في مكان عام» تستدعي تدخلًا فوريًا لحماية أرواح الناس. ولذلك، فإن استعمال السلاح في مثل هذه الحالات يمثل الحل المثالي للتدخل.
إن وجود السلاح بيد الشرطة والدرك يعني نوعا من الردع المسبق للمجرمين، بل يعني أيضا أن التهديد ينتقل في أغلب الحالات من الضحايا إلى المجرمين، مما يؤدي إلى منع العديد من الجرائم المميتة. وإذا كان صحيحا أن استعمال السلاح دون إطار قانوني قد يؤدي إلى انتهاكات إذا لم يقيد بضوابط صارمة، فإن التكوين الجيد لرجال الأمن ورجال الدرك على تقنيات التدخل، وتأطيرهم قانونيا ونفسيا لتلافي الاستعمال المفرط للقوة، وبناء الثقة المتبادلة بين المواطن وأفراد القوة العمومية، هي السبل التي تمهد لشل الإجرام وإخضاع المجرمين ومنعهم من التسرب إلى مفاصلنا.
بناء على ما سبق، نستنتج أن هناك، أولا، ضرورة إخراج قانون إطار واضح لاستعمال السلاح يوازن بين الحماية القانونية لرجال الأمن والدرك والمحاسبة على التجاوزات. ثانيا، لا بد من تعزيز التكوين القانوني والنفسي والحقوقي للعناصر الأمنية، خاصة أن الحق في الحياة هو حق أساسي لا يجوز المساس به إلا في أضيق الحدود، إذ تنص المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن «لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا». ثالثا، لزوم إطلاق حملات تحسيسية حول مشروعية تدخل الأمن في حالات الخطر القصوى. ذلك أنه رغم الشارع المغربي يظهر موقفًا يتسم بالتفهم لضرورة استخدام السلاح الوظيفي في مواجهة التهديدات الخطيرة، فإن الصوت الحقوقي ما زال يرفض «إطلاق يد الشرطي» خوفا من تطبيع التدخلات المميتة.
وإذا كان لا أحد ينكر أن العديد من النقط الحضرية السوداء تعرف إجراما يهدد حياة الشرطة والدرك والمواطنين على حد سواء، فإن لا أحد بإمكانه تجريد الشرطي والدركي المسؤول عن إنفاذ القانون وحماية الأرواح والأمن العام من أدوات الحماية حين يكون الخطر حقيقيًا ووشيكًا، وإلا فإننا سنلتحق ببعض دول أمريكا اللاتينية «السلفادور، فنزويلا، كولومبيا، غواتيمالا، هندوراس، جمايكا» أو الإفريقية «جنوب إفريقيا، نيجيريا» التي بات فيها التهديد بالقتل هو القاعدة الأمنية الكبرى.