الثلاثاء 15 إبريل 2025
كتاب الرأي

سعيد عاتيق: اليسار المغربي بين اعتلال الذات وطموح مداواة جراح الوطن.. أي علاقة؟ وأي آفاق؟

سعيد عاتيق: اليسار المغربي بين اعتلال الذات وطموح مداواة جراح الوطن.. أي علاقة؟ وأي آفاق؟ سعيد عاتيق
اليسار المغربي اليوم يعيش مفارقة صارخة: إذ أن جسمه متخم بالاعتلالات الداخلية – من انقسامات تنظيمية، وتصلب في الخطاب، وضعف في تجديد النخب، وابتعاد عن نبض الشارع – ومع ذلك، ما زال يحلم بلعب دور المداوي لجراح وطن مثقل بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومثخن بكل الإكراهات العميقة التي ترسبت منذ عقود خلت .
فاليسار تاريخيًا، كان حاملًا لمشروع تحرري، مدافعًا عن الفئات الشعبية، ومعبرًا عن نبض الشارع. لكن، عبر العقود، توالت عليه ضربات ذاتية وخارجية:

فالصراعات التنظيمية أفرغته من حيويته وأفقدته توهجه حتى شككت في كامل توجهاته. فالتشظي جعل صوته متضاربًا، ومواقفه غير مؤثرة.
لأن العزلة الفكرية عمّقت الهوة بينه وبين الجيل الجديد من المناضلين، كما كان الإنسحاب من الفعل الاجتماعي الحقيقي لصالح خطاب نخبوي بعيد عن الواقع.
لكن طموح المداواة ظل شعارا رغم هذه الأعطاب،إذ ما يزال اليسار منغمسا في رفع شعارات العدالة الاجتماعية، والمساواة، والديمقراطية، وهي مطالب مشروعة وملحّة أكيد ، لكن السؤال الجوهري: كيف يمكن لمن يعاني داخليًا أن يُعالج جراحًا خارجية؟
الجواب، في جزء منه، يكمن في الإعتراف بالعلّة أولًا، ثم الانخراط في ورش نقد ذاتي عميق، يسمح بإعادة البناء على أسس جديدة قوامها الواقعية وروح القانون والديمقراطية الداخلية أولا، وهل يستقيم الأمر؟ نعم، يستقيم إذا توفرت الشجاعة السياسية.
شجاعة في مصارحة الذات، في تجاوز الحسابات التنظيمية العقيمة، في العودة للشارع لا فقط كجغرافيا، بل كقضية ووجع وهمّ يومي.
ويستقيم كذلك، إذا فتح اليسار أبوابه للأجيال الجديدة، وترك مكانًا للفعل لا للرمزية فقط. فاليسار المغربي في بعض اللحظات التي يكون فيها حاضرًا في معارك نضالية مهمة، سواء على مستوى القضايا الوطنية أو الأممية، كما هو الحال في القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا التي ترفعها الأحزاب اليسارية. لكن في العديد من الأحيان، يتحول الحضور إلى فرجة -رغما عنا - أكثر منه فعلًا نضاليًا حقيقيًا.
لنأخذ القضية الفلسطينية كمثال:
اليسار المغربي كان دائمًا في الصفوف الأمامية في دعم القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من مظاهرات التضامن والبيانات التي تُصدرها الأحزاب اليسارية، إلا أن الفعل النضالي غالبًا ما يبقى في إطار الإحتجاج الرمزي، ولا يتحول إلى عمل مؤثر على المستوى الوطني أو الدولي. هذا يطرح سؤالًا عن استمرارية الموقف والقدرة على التأثير الفعلي.
هل هي فرجة على حساب العمل الميداني ؟ مظاهرات سنوية، بيانات نارية منددة ، تصريحات صحفية حارقة، ولكن في كثير من الأحيان، يقتصر العمل على الفرجة أكثر من أن يكون تحركًا ميدانيًا منظمًا يتجاوز السطحية. لا نجد اليسار المغربي، في الغالب، في طليعة المبادرات التي تخرج من الحركات الاجتماعية أو حتى التحركات الاقتصادية التي قد تؤثر في تحولات الوضع لا محليا ولا إقليميا ولا دوليا . الفرجة لا تقتصر فقط على القضية الفلسطينية، بل تتعداها إلى العديد من القضايا الأممية الأخرى مثل العدالة الاجتماعية، الإحتجاج ضد الهيمنة الاقتصادية العالمية، أو المقاومة ضد الأنظمة القمعية. في هذا السياق، نجد أن اليسار المغربي يقف عند الخطاب العام والشعارات الحماسية دون أن يكون له حضور مؤثر في بناء تحالفات سياسية حقيقية أو في تنظيم نضال مستمر على الأرض وهذا هو الأهم وهو المفروض كأرضية صلبة تشكل محطة إقلاع آمن ومضمون. اليسار بحاجة إلى نقلة نوعية في أساليبه النضالية. يتطلب ذلك التوجه إلى الأرض، والعمل الميداني، وتنظيم مبادرات عملية ليست فقط لحظية أو عاطفية، بل متواصلة وذات أفق طويل المدى. اليسار يجب أن يبتعد عن كونها فرجة أو مجرد رصد للأحداث وبدلاً من ذلك، يتحتم عليه أن يكون قوة ميدانية تقود التغيير، لا مجرد شاهدة على التغيرات.
وختامًا ، إن حضور اليسار في معارك نضالية كبرى بغية تحقيق كل الطموحات الواسعة يجب أن يتحول من فرجة إلى فعل نضالي حقيقي. لا يكفي أن نرفع الشعارات أو أن نتظاهر، بل يجب أن يكون الحضور مؤثرًا، منظمًا، و مستمرًا، إذا أردنا أن نعيد لليسار مغزاه الحقيقي كمحرك للتغيير.
 
 
سعيد عاتيق، مستشار جماعي