الجمعة 18 إبريل 2025
كتاب الرأي

وصفي بوعزاتي: من الأغنام إلى أصل الداء..من يحاسب من؟

وصفي بوعزاتي: من الأغنام إلى أصل الداء..من يحاسب من؟ الدكتور وصفي بوعزاتي
تعيش الساحة الوطنية هذه الأيام على وقع نقاش متصاعد حول ملف استيراد الأغنام، والذي لم يعد مجرد قضية موسمية مرتبطة بعيد الأضحى، بل تحول إلى مدخل استراتيجي لكشف أعطاب منظومة الفلاحة برمتها، ومساءلة حقيقية حول مدى نجاعة السياسات العمومية التي التهمت على مدى 17 سنة ما يفوق 365 مليار درهم دون تحقيق السيادة الغذائية المرجوة. 

اللافت في الأمر هو توحّد موقف المعارضة والأغلبية على غير العادة في المطالبة بلجنة لتقصي الحقائق، وهي خطوة لا تخلو من الغرابة، وتدفعنا للتساؤل: هل نحن بصدد صحوة ضمير سياسي؟ أم مجرد مزايدة ظرفية لإنتاج كبش فداء جاهز قبل العيد؟ 

إخراج متقن ومشهد مرتب 
لنفهم المشهد جيدًا، علينا أن نبدأ من تصريحات محمد أوجار، وزير العدل السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، تلاها موقف نزار بركة الذي أطلق الرقم المفزع: 13 مليار درهم، لتأتي بعدها فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة النافذة في "البام"، بتصريح يصب في الاتجاه ذاته. 

هذه الخرجات لم تكن عشوائية، بل كانت – على الأرجح – جزءًا من خطة لإعادة توجيه النقاش العام من جذور الأزمة إلى أعراضها. وهكذا، تم استدراج المعارضة للمطالبة بتحقيق قد لا يخدم سوى هدف واحد: تبرئة الفشل البنيوي وتقديم المستوردين كأضحية سياسية بدل مواجهة الحقيقة المرة. 

من سيادة غذائية إلى بيان باسم المؤسسة الملكية: 
هل تعلمون ان المغرب كان قبل 2019 قريبًا جدا من تحقيق السيادة الغذائية في اللحوم الحمراء بنسبة 98%. كنا نستورد أقل من 6000 رأس عجل للتسمين فقط. و كنا نعيش حالة من الاكتفاء الذاتي بخصوص أضاحي العيد. أما اليوم، فبتنا نعتمد على السوق الخارجية لتأمين جزء مهم من الحاجيات، في وقت كان يُفترض أن نكون نموذجًا في الاكتفاء الذاتي. 

الخطير في كل هذا، ليس فقط هذا التراجع الفظيع في أرقام القطيع الوطني، بل أن الأمور بلغت درجة تم فيها الدفع بالمؤسسة الملكية إلى إصدار بيان رسمي تهيب فيه بالمغاربة الامتناع عن تقديم شعيرة الذبح هذه السنة. وهو بالمناسبة اختصاص جلالة الملك حصريًا، ما يعني أن الحكومة عجزت عن إيجاد حلول واقعية، واضطرت إلى اللجوء إلى رأس الدولة لاحتواء الأزمة. 

توريط المؤسسات بدل تحمل المسؤولية: 
في خضم كل هذا، يظهر أن الحكومة لم تستطع الاعتراف الصريح بالفشل. فبدل أن تخرج لتوضح للشعب المغربي كيف تم إنفاق 365 مليار درهم (مخطط المغرب الاخضر و الجيل الاخضر و صندوق تنمية العالم القروي و صندوق محاربة آثار الجفاف...)، وأين تبخر الوعد بتحقيق الأمن الغذائي، اختارت الهروب إلى الأمام عبر تركيز النقاش على من استورد الأغنام، وليس من سمح له بذلك، ومن صاغ دفاتر التحملات، ومن اختار هذا المسار من الأساس. 

نحن لا نبرئ المستوردين، لكن تحميلهم كامل المسؤولية هو تزوير للوقائع. هم تجار، استغلوا ثغرات تركتها الحكومة عمداً أو عجزًا. و هم بالمناسبة في غالبيتهم أبناء لهذه الاحزاب المشكلة للحكومة. المسؤولية تبدأ من أعلى الهرم التنفيذي، وتصل إلى كل من شارك في تدبير القطاع الفلاحي منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، ثم الجيل الأخضر، دون نتائج ملموسة على أرض الواقع. 

من كذب على الملك؟ 
الحكومة اليوم تبرر لجوءها لدعم استيراد الأغنام خلال سنتي 2023 و2024 بـ"عدم توفر حلول بديلة" و"ندرة القطيع الوطني" مع "توالي سنوات الجفاف". لكن هذا التبرير سقوط أخلاقي وسياسي لا يمكن التغاضي عنه. 
فمن كان إذن يخرج للإعلام ليطمئن المغاربة بوجود الأضاحي وبأثمنة مناسبة؟ حيث انه صرح في إحدى الخرجات بوجود خرفان ب 800 درهم للرأس الواحد... 

من كان يتحدث عن وفرة القطيع و ان الاستيراد هو خطوة لتخفيف الضغط على القطيع الوطني و ان الهدف من الاستيراد هو تمكين شريحة مهمة من المغاربة من شراء أضاحي عيد بأثمنة معقولة و في متناول الجميع؟ 

أليس هو وزير الفلاحة السابق، السيد محمد صديقي؟  أليس هو من نفى وجود أي أزمة، في وقت كانت البلاد تعيش على حافة انهيار الأمن الغذائي في شق اللحوم الحمراء. 

لو كانت الحكومة تتحلى بالحد الأدنى من المسؤولية، لأخبرت المؤسسة الملكية بالحالة الحقيقية للقطيع آنذاك (2023) وطلبت إلغاء شعيرة الذبح مؤقتًا، مع توجيه الدعم المالي مباشرة للفلاح المغربي، عوض ضخ مئات الملايين من الدراهم في جيوب الفلاح الأوروبي والمستوردين من أبناء هذه الأحزاب. 

اليوم، بعد أن فشل المخطط الأخضر في تحقيق السيادة الغذائية، وبدأت أحزاب الأغلبية والمعارضة تطالب بتقصي الحقائق... يجب أن نعيد طرح السؤال المؤلم: 
من كذب على الملك؟
ومن تواطأ في إخفاء الحقيقة عن المغاربة؟
ومن سيدفع ثمن هذه الأكاذيب السياسية الفادحة؟ 

السيادة ليست لعبة سياسية: 
السيادة الغذائية والأمن الغذائي يدخلان في صلب السيادة الوطنية، ولا يمكن التساهل في هذا الباب. الفشل في تحقيق هذا الهدف لا يمس فقط المواطنين، بل يهدد السلم الاجتماعي ويُضعف شرعية السياسات العمومية. وإن وصل الأمر إلى الاضطرار إلى إلغاء شعيرة دينية حفاظًا على صورة الدولة أو لتفادي كارثة اجتماعية، فذاك قمة الفشل السياسي. 

الخلاصة: 
ما نحتاجه اليوم ليس لجنة برلمانية تحاسب المستوردين. ما نحتاجه هو محاسبة سياسية شاملة تبدأ من أعلى المسؤولين عن القطاع، وتضع اليد على الجرح: أين ذهبت الملايير؟ ولماذا فشلنا رغم الإمكانيات؟ 
الملف أكبر من أغنام العيد. إنه ملف خيارات اقتصادية ومسارات سياسية يجب أن تعاد دراستها بمنظور استراتيجي، لأن ما يحدث الآن هو تسيير أزمة، وليس بناء وطن.