استضاف برنامج "كتاب في الذاكرة" الذي تبثه "القناة الثقافية " خلال شهر رمضان الكاتب الصحافي جمال المحافظ صاحب مؤلف" الاعلام في زمن اللايقين" في اطار لقاءات مع العديد من الكتاب والمفكرين والمبدعين والمثقفين، الذين ظلوا متصالحين مع كتاب أو أكثر، أثر في مسارهم الشخصي والمهني والمعرفي. البرنامج من إعداد وتقديم باسم الهور وإخراج توفيق مستبلد عبد العالي البيضاوي ويوسف وثيق ويبث من الاثنين إلى الجمعة، يشكل مناسبة لكي يفصح ضيوف البرنامج عن الكتاب أو الكتب التي أبدعتها أقلامهم وتحظى بمكانة مميزة في ذاكرتهم ووجدانهم من مجموع ما تحفل به خزانة مؤلفاتهم .
وفي معرض رده على سؤال حول ما سر هذا الوفاء للإعلام طوال مسيرته المهنية وفي الكتابة والتأليف؟ أوضح جمال المحافظ، أن ذلك يعود انتباهه المبكر لأهمية الصحافة والاعلام، في ترسيخ الديمقراطية والتنمية المستدامة، فوسائل الإعلام ووسائط الاتصال أصبحت موجها لطريقة تمثل العالم، وجعلت علاقات بهذا العالم، لا تتم وفق تجربة الأفراد المباشرة، بل وفق ما يقدمه الإعلام جاهزة، إذ ساهم ذلك في انتقال الاعلام من سلطة رابعة الى سلطة أولى، وتحول الفضاء العمومي، نتيجة التوسع الهائل للتكنولوجيات الحديثة إلى فضاء إعلامي بامتياز.
وعلى الرغم من تكوينه الجامعي في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فإن التجربة التي راكمها في الصحافة والاعلام، سواء باشتغاله كصحفي بوكالة الأنباء المغربية التي كان قد تدرج بها في عدة مسؤوليات منها رئيس تحرير مركزي ومدير اعلام، جعلته يقف عن كثب على الدور الذي يمكن أن يضطلع به الاعلام، ليس فقط في توفير المعلومات، ولكن في تشكيل الرأي العام والرقابة على الشأن العام، يوضح جمال المحافظ الذي ذكر أن الاعلام لم يعد سلطة رابعة، بل سلطة أولىمستدلا في هذا الصدد بأن دولاند ترامب رئيس الولايات المتحدة، الذي جعل من وسائط الاعلام الجديد وسيلة لتمرير قراراته وتوجيه رسائله حول القضايا الداخلية والخارجية.
وعبر عن اعتقاده بأنه لا يمكن الحديث عن التحولات التي طالت وسائل الاعلام، بدون ربطها بالثورة التي طالت ميدان الاتصالات والمعلومات، الذي يعد أبرز ما يميز العالم الراهن الذي أخدت في ظله الحدود بين وسائط الاتصال، تنهار على نحو مضطرد خاصة منذ التسعينات من القرن الماضي، وأصبح بذلك من البديهيات القول بأنه لا ديمقراطية بدون ضمان حرية الصحافة والاعلام. وشدد على ضرورة إعادة الاعلام للثقافة، الذي يعد في الأصل فرعا منها.
وفي معرض حديثه عن أهمية الكتاب حاليا، ذكر بأن السويد التي كانت قد اتخذت قرارا جريئا عام 2009 يقضى باستبدال الكتب المدرسية بأجهزة الكومبيوتر والتقنيات الرقمية في مؤسساتها التعليمية رغبة منها بتحديث التعليم وإعداد التلاميذ والطلاب لعالم تكنولولجي متزايد، لكن بعد مرور عقد ونصف العقد ، لاحظت الحكومة أن هذا التحول لم يثمر عن النتائج المتوخاة، وأدى الى تراجع في المهارات الأساسية للمتمدرسين، مما جعلها تقرر إعادة تعميم الكتب على المدارس بين عامي 2022 و 2025 ، بهدف إيجاد نهج تعليمي أكثر توازنا، حيث لاتحل الأدوات الرقمية، مكان الأساسيات، بل تكملها، مع التأكيد على أن هذه العودة إلى الكتاب لا تعنى الرفض التام للأدوات الرقمية.
وبخصوص القراءات التي انفتح عليها، قال جمال المحافظ ، إنه من الصعوبة تحديد كتاب معين، لأن لكل مرحلة كتبها، وتختلف نوع القراءة من مرحلة لأخري باعتبار اختلاف السياقات، فمثلا روايات نجيب محفوظ، وأدب طه حسين ومحمد العقاد وجبران خليل جبران، شكلت أبرز الاهتمامات في مرحلة الشباب والدراسة الثانوية في نهاية سبعينات وبدايات ثمانينات القرن الماضي، في مرحلة الجامعة التي تحول الانشغال بمؤلفات المفكرين العالميين منهم كتب الفرنسيين جان بول سارتر والبير كامو، والفلسطيني أدوار سعيد صاحب كتاب "الاستشراق" وفرنسوا فانون، مؤلف "المعذبون في الأرض" وكذلك غارسيا ماركيز الذي انتقل من الصحافة إلى عالم الأدب ونالت روايته " مائة سنة من العزلة " بجائزة نوبل للأدب فضلا عن كبار الأدباء والمفكرين الروس من قبيل ألكسندر بوشكين وليو تولستوي وأنطون تشيكوف. غير أن قراءات الكتب لم تكن فقط لمفكرين من المشرق والغرب، بل كان هناك اهتمام وانشغال بكتب المفكرين والأدباء المغاربة في مقدمتهم علال الفاسي صاحب كتاب " النقد الذاتي" وكتب عبدالله العروي منها " ال‘يديولوجية العربية المعاصرة" ومحمد عابد الجابري " نحو والتراث" عبد الله ابراهيم " صمود وسط الأعاصير" وعبد الكريم غلاب " دفنا الماضي" ومقالات محمد باهي " رسالة باريس".
وفي معرض جوابه عن سؤال حول الكتاب الذي أثر وترك بصمة في مساره؟ أوضح جمال المحافظ، أنه كتاب " الثورة الرقمية ثورة ثقافية" للكاتب الفرنسي ريمي ريفيل ( Remy Rieffel ) الذي يعتبر أن "الثورة الرقمية" أحدثت تغييرًا في العالم، وأن آثارها لا تقتصر على الصناعات وطرق الإنتاج، بل تمتد كذلك إلى المنظور المعرفي، وأن ظهور العصر الرقمي يرتبط بسياق نمط مزدوج يتعلق بالتقنية والدراسات الثقافية.
وأضاف أن الفكرة الأساسية لهذا الاختيار هي أن التكنولوجيا الرقمية تعتبر مجالًا تتعايش من خلاله المنتجات الثقافية على اختلافها مع الأقطاب التكنولوجية. ويدعو إلى القيام بتحليل اجتماعي من شأنه أن يتجنب التركيز فقط على الابتكارات التكنولوجية، بل يتعين كذلك ملاحظة تأثير التكنولوجيات الرقمية على العالم الثقافي، ليخلص إلى القول إن التكنولوجيات الرقمية، ليست سوى انعكاس الاستعمال الذي يقوم به المرء، إذ لا يمكن أن تحلل بمعزل عن الفاعلين الذين يمتلكونها.
وإن كانت التكنولوجيا لم تضع حدًا لعدم المساواة فيما يتعلق بالاستخدام، ولم تخف سوء التفاهم بين البشر ولم تقلص بتاتا النزاعات والحروب لكنها وسعت بشكل ملموس الإطار الزماني والمكاني، ووفرت وصولا غير محدود إلى المعارف، ورفعت من القدرة على التبادل والمشاركة؛ لأنها تحاول بشكل ما تغيير تصور المرء للعالم، وبذلك يظل عالم التكنولوجيا الرقمية، وسيلة للتحرر والهيمنة في الوقت نفسه، حسب صاحب " الثورة الرقمية ثورة ثقافية."
وبخصوص الكتاب الذي يفضله عن بقية كتبه المتعددة، أشار جمال المحافظ إلى أنه وإن كان من الصعوبة، أن يفاضل أي كاتب ما بين مؤلف له وآخر ، فإن كتاب الموسوم ب" حفريات صحافية.. من المجلة الحائطية إلى حائط الفيس بوك"، له طبيعة خاصة لكونه يوثق بطريقة أو أخرى، لمرحلة غنية من التاريخ الوطني للشباب المغربي موضحا أن الكتاب يبرز أن المجلة الحائطية والفيسبوك، في خصائص متعددة أبرزها كتابة كل منهما على الحائط، وإن كان حائط المجلة عالم مادي فيزيقي، وحائط الفيسبوك افتراضي رقمي، ورغم اختلاف أزمنة نشأتهما ودعاماتهما، فإنهما يتقاسمان خاصية "الفعل التواصلي".
من مؤلفات جمال المحافظ: " الصحافيون المغاربة والأداء النقابي في الإعلام.. المسار والتحول" وحفريات صحافية من المجلة الحائطية الى حائط فيس بوك" والعقل السياسي والعقل الصحافي" و " الاعلام في ومن اللايقين" ومحمد الحيحي .. ذاكرة حياة " بالاشتراك مع الفاعل الحقوقي عبدالرزاق الحنوشي، و" الإعلام ومونديال 2030".