الأحد 23 مارس 2025
اقتصاد

إسمهان الوافي.. عالمة زراعة مغربية رائدة في خدمة الأمن الغذائي العالمي

إسمهان الوافي.. عالمة زراعة مغربية رائدة في خدمة الأمن الغذائي العالمي إسمهان الوافي ووزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن

بإرادة قوية جعلت المستحيل ممكناً، نجحت الدكتورة إسمهان الوافي في رسم مسار مهني حافل بالمنجزات العلمية، لا سيما في مجال أبحاث علم وراثة النباتات. وقد أهلها هذا التميز لتولي منصب "كبيرة العلماء" لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في شتنبر 2020، قبل أن تُعين لاحقاً في عام 2023 مديرة تنفيذية للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR).

 

لم يكن اختيار الدكتورة الوافي لهذين المنصبين الدوليين المرموقين محض صدفة، بل جاء تتويجاً لعمل دؤوب ومسار علمي ومهني متميز. قبل ذلك، تولت منصب المديرة العامة للمركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا" في دبي، الإمارات العربية المتحدة، منذ التحاقها به سنة 2012.

 

يُبرز مسارها الأكاديمي والمهني تميزاً واضحاً، حيث جمعت بين تكوين علمي متين في مجال الزراعة داخل المغرب وخارجه، وشغف كبير بالعمل التنموي الموجه لتحسين ظروف عيش السكان في المناطق الهامشية من خلال مشاريع زراعية مدرة للدخل، تسهم في محاربة الفقر والجوع، كما تهدف إليه منظمة الفاو ومنظمة CGIAR.

 

وقد أشادت منظمة الفاو بمؤهلاتها العلمية، معتبرة عند تعيينها كبيرة للعلماء أنها "تملك معرفة علمية غنية وواسعة بمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، وستشكل ثروة حقيقية لمواجهة التحديات التي تعانيها المنطقة".

 

تُعرف الخبيرة المغربية دولياً بدعمها لتنويع المحاصيل المهملة وغير المستغلة بالكامل، وإعادة النظر في النظم الغذائية التقليدية. وهي من أبرز المدافعات عن استخدام المياه غير العذبة في الزراعة، إلى جانب تمكين المرأة في مجالات العلوم.

 

نشأت الدكتورة الوافي في مدينة اليوسفية، قبل أن تنتقل إلى مراكش، حيث حصلت على شهادة الباكالوريا من الثانوية الملكية للثقنيات الجوية، وتميزت بتفوقها في المواد العلمية، مما أهلها للالتحاق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. حصلت منه على درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية سنة 1993، ثم الماجستير في علم الوراثة وتربية النبات سنة 1995.

 

واصلت مسيرتها في كندا حيث عملت في وزارة الزراعة الكندية والوكالة الكندية لرقابة الأغذية لمدة 7 سنوات، قبل أن تنتقل في 2012 إلى الإمارات العربية المتحدة لتتولى منصب المديرة العامة لمركز "إكبا" في دبي، وهو ما شكل تحولاً كبيراً في مسارها المهني في التنمية الدولية.

 

وخلال قيادتها للمركز، أطلقت مبادرات نوعية في البحث العلمي، جعلت المؤسسة رائدة في الابتكار وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، من خلال تحسين الإنتاجية واستدامتها في البيئات الهامشية. ومن أبرز إنجازاتها إدخال محاصيل بديلة وتقنيات زراعية ذكية مناخياً، مثل الكينوا والساليكورنيا.

 

ساهمت الدكتورة الوافي في تطوير خمسة أصول وراثية من الكينوا مقاومة للملوحة والحرارة، وذات إنتاجية تصل إلى 3 أطنان للهكتار، وقد تم إدخالها في بلدان عدة من بينها المغرب، مصر، تونس، والإمارات. كما حقق المركز تحت إشرافها تقدماً كبيراً في زراعة الساليكورنيا، القابل للري بمياه البحر، والذي يُستخدم كعلف ووقود حيوي، ما يوفر دخلاً لمزارعي البيئات الساحلية الهامشية.

 

حصلت على درجة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة قرطبة بإسبانيا سنة 2001، وعملت خبيرة في مؤسسات بحثية دولية مثل المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والمركز الياباني الدولي لبحوث العلوم الزراعية JIRCAS، والمركز الدولي للذرة والقمح CIMMYT.

 

لم تقتصر مسيرتها على الشهادات العلمية، بل حازت على جوائز وأوسمة مرموقة، أبرزها وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط الذي وشحها به جلالة الملك محمد السادس سنة 2014، وجائزة الامتياز في العلوم من منتدى المفكرين العالميين في العام ذاته، وجائزة المرأة العربية في فئة العلوم سنة 2016.

 

كما صنفتها مؤسسة علوم المسلمين ضمن "أكثر 20 امرأة تأثيراً في مجال العلوم في العالم الإسلامي"، وأدرجتها مجلة الشرق الأوسط ضمن أقوى 100 امرأة عربية في فئة العلوم لعامي 2014 و2015.

 

على المستوى الإفريقي، أدرجت مجلة فوربس – إفريقيا الدكتورة الوافي ضمن قائمة أفضل 50 سيدة في القارة لعام 2025، كما اختارتها مجلة "نيو أفريكان" ضمن لائحة 100 شخصية الأكثر تأثيراً في القارة عام 2023 إلى جانب أسماء بارزة مثل التونسي منجي الباوندي الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، والتي تطمح العالمة المغربية لنيلها يوماً ما.

الوافي.. انخراط دائم في الجهود الدولية لتنويع المحاصيل وإدخال تقنيات زراعية ذكية مناخياً

 

تنقلها بين المغرب، وكندا، وإسبانيا، واليابان، ومنطقة الشرق الأوسط، أتاح لها الوقوف عن كثب على أوضاع النساء في هذه البلدان، لتصل إلى قناعة بأن المرأة المغربية، بما تمتلكه من كفاءة علمية وتكوين اجتماعي متين، قادرة على التألق عالمياً حين تتوفر البيئة المشجعة.

 

وأشارت في أكثر من مناسبة إلى تزايد عدد الكفاءات المغربية في الإمارات، خاصة القادمة من أمريكا الشمالية وأوروبا، واعتبرت أن المغرب قطع أشواطاً مهمة في السياسات والتشريعات الخاصة بالمرأة، غير أن الحواجز الاجتماعية والثقافية لا تزال تعرقل مسارها نحو تحقيق المساواة الكاملة، داعية إلى نهج تدريجي يضمن للمرأة فرصاً فعلية لتطوير قدراتها وتحقيق ذاتها.

 

إن الاجتهاد والجدية والتفاني في العمل، سمات أساسية جعلت من إسمهان الوافي واحدة من أبرز نساء مغاربة العالم، ونموذجاً يُحتذى به للشباب المغربي في الداخل والخارج، لما تقدمه من إسهامات متميزة في مجالات العلوم والبرامج الزراعية الدولية.

 

 الوافي تتحدث في منتدى دولي