الأحد 23 مارس 2025
فن وثقافة

مصطفى المصموضي: ما هي الرسالة التي تحملها الإنتاجات التلفزية لرمضان سنة 2025؟

مصطفى المصموضي: ما هي الرسالة التي تحملها الإنتاجات التلفزية لرمضان سنة 2025؟ صورة أرشيفية
تعرف شبكة التلفزة المغربية هذه السنة بث عدة إنتاجات فنية ودرامية عبارة عن سلسلة تعرض وقت الإفطار خلال ما يعرف بوقت الذروة في مشاهدة القنوات الوطنية، وكأي مواطن مغربي لا يمكن تفويت فرصة متابعة هذه الإنتاجات لحظة لمة الفطور كل مساء، ومحاولة التفاعل وفهم القضايا التي يحاول مبدعينا إثارتها، واستيعاب القيم التي يحاولون إيصالها للمجتمع وتربية الأجيال المقبلة عليها. هذا الدور القيمي والتربوي الذي يقوم به الإعلام العمومي قناة إيدولوجية مهمة في تناغم مع مؤسسة المدرسة والفن، إذ لا يمكن إنتاج قيم اجتماعية كيفما كانت خارج هذا الثالوث. لهذا يجب علينا أن نطرح السؤال عن نوع القيم التي يريد إعلامنا العمومي تصريفها للمجتمع من خلال الإنتاجات الرمضانية المعروضة على قنواتنا ؟ للتفاعل مع هذا السؤال لابد من الإحاطة بمضامين رسائل الإنتاجات المعروضة. قبل القيام بذلك لابد من إبداء الملاحظات التالية ، لأن دورنا كمتتبعين ليس قذف إعلامنا العمومي وإنتاجاته بالورود، بل الوقوف على نواقصه حتى يستطيع المسؤولون عنه الرفع من جودته اكثر .

أولا، فلن يخطئ أي متتبع أن تكرار حضور وجوه فنية بعينها رغم احترامنا وتقديرنا لها، لدرجة أن نفس الوجوه حاضرة في كل هذه الإنتاجات طيلة أيام رمضان خلال فترة إقبال المشاهد المغربي في الفترة الممتدة بين الإفطار ومنتصف الليل، الملاحظة الثانية، أي مشاهد متمعن سيلاحظ استعمال هذه المسلسلات نفس أماكن التصوير، بل أماكن استغلت في تصوير إنتاجات السنة الماضية من منازل وشقق، مما يجعلنا أمام مجموعة من التأويلات أولها أن الدعم الذي يقدم لهذه الإنتاجات شحيحا أو أن المنتجين يحاولون تقليص تكلفة الإنتاج إلى أقصى حد على حساب المشاهد أو جاذبية لا نعرفها لهذه الأماكن بالضبط. الملاحظة الثالثة هي الدور الذي أصبح يتمدد "للمؤثرين "على مواقع التواصل الاجتماعي الذي وصل الى حد إشراكهم في هذه الإنتاجات دون تجربة إبداعية ودون مراعاة لمدى اتفاق المغاربة مع محتواهم من عدمه بالمقابل غياب مجموعة كبيرة من الممثلين المسرحيين ذوي التجربة عن المشهد التلفزي، الملاحظة الأخيرة حول الخلفية الموجهة لتوزيع هذه الإنتاجات على طول زمن المشاهدة بالأمسيات الرمضانية دون إدراج برامج ثقافية وتوعوية مثلا تمنح فيه الكلمة لمثقفينا لنشر المعرفة بدل الاقتصار على النشاط والتنشيط فأرواحنا أشد حاجة للشعر والمسرح والبرامج الثقافية والروحية. بعد إبداء هذه الملاحظات الشكلية والتي تخفي وراءها أكيد رؤية موجهة لهذا المشهد بالإعلام العمومي. بعد ابداء هذه الملاحظات نصل الى مربط الفرس في هذه الوجبة الإنتاجية الرمضانية كلها، وكي نكون صادقين أكثر لابد من تسمية الأشياء الجميلة بمسمياتها والهمس للأشياء المسيئة دون تسميتها، حتى لا نسقط في الابتذال القيمي الذي تريد ابداعاتنا جاهدة إسقاطنا فيه من خلال ما سبق، من منا لا يتذكر الجدل الذي عرفته السنة الماضية إحدى المسلسلات الرمضانية التي أمعنت في التقليل من القيمة الرمزية للأستاذ/ المعلم والذي نتج عنه استنكارا واسعا ولم يتم إيقاف عرض السلسلة في حينها ، لتطل علينا نفس السلسلة هذه السنة رغم فراغها من أي تيمة اجتماعية أو إبداعية. فإذا سلمنا مبدئيا أن الفن بصفة عامة يقوم برصد ظواهر المجتمع ومحاولة معالجتها بطريقة إبداعية أو التنبيه لها بطريقة هادفة أو في حالات أخرى رصد بعض السلوكيات الاجتماعية وبلورتها في قوالب فكاهية تخرج المشاهد من واقع الرتابة التي يعيشها إلى لحظات من الضحك على تفاهة الذات الجماعية أو الاعتزاز بها ،فعلى هذا المقاس لن ينكر أحد إتقان سلسلة الشعيبية وكبور لهذا الشكل الإبداعي كما لا يمكن أن نغفل استمرار سلسلة صلاح وفاتي في القيام بنفس الفعل الإبداعي وإتقان فن اللعب بالكلمات ومعانيها وخلق جو المرح لدى المشاهد دون ابتدال، بل بروح إبداعية متجددة مع توسيع قاعدة المشاركين فيها وإعطائها فرصة لوجوه جديدة للظهور على الساحة الفنية لا يمكن سوى تشجيع منتجيها والمشرفين عليها، في مقابل هذه الواجهة المشرقة ،يجب تسجيل سقوط الإنتاجات الأخرى التي تعرف استحواذها على معظم زمن المشاهدة المسائي، سقوطها في بث مشاهد غير مناسبة لتربية النشا وكانت الدافع لكتابة هذا المقال، يمكن إيجازها في ثلاث لحظات تلخص نوع الصورة المجتمعية التي يريد إعلامنا من خلال هذه الإنتاجات الرمضانية ترسيخها في عقول المشاهدين في غياب رؤية نفسية واجتماعية، فإذا كان الإبداع كما سبق الإشارة إلى ذلك يرصد الظواهر المجتمعية، فإن تعريف الظاهرة سوسيولوجيا عند اميل دوركايم باعتباره أول من عرفها ودرسها في كتابه الانتحار هي كل ضرب من السلوك ثابت أو غير ثابت يباشر أو أي سلوك يعم المجتمع بأسره وله وجود خاص مستقل عن الصور التي يشكل بها الحالات الفردية، من هذا المنطلق لا يمكن تصنيف مشاهد حصول قاصر على هاتف بمساعدة صديقتها لتسهيل استغلالها، إثارة لظاهرة أو معالجة لها فليس في المشهد من المعالجة سوى فتح أعين القاصرات على هذا الفعل كفعل ممكن ، نفس الأمر نلمسه في مشهد تشجيع الأب لابنه على السرقة،. اعتقاد المنتج بإدراج هذه المشاهد ينبه إلى المشكل اعتقاد جانب الصواب بالمرة لأن الرسالة ذو حدين خصوصا لدى القاصر فالمشهد ربما فتح أعين القاصر على قبول أفعال ممكنة للحصول على المبتغى في غياب الرقابة الأبوية أو بتشجيع منهم وهو أمر مرفوض إبداعيا، في مفارقة غريبة تصور الأم كسيدة تهتم بتربية ابنها تربية حسنة في المقابل يشجع الأب على التربية السيئة، تقديم المنتج والقنوات التلفزية لمشاهد تفاضل فيها بين الأم والأب خلال مرحلة يعرف المجتمع مناقشة مدونة الأسرة يجعلها رسالة غير بريئة بالمرة ومتحيزة للمرأة ومتماهية مع رؤية الحكومة للموضوع في شخص وزير العدل . نفس التماهي نلمسه من خلال تصوير الإصلاحيات على أساس أنها مكان جميل يتمتع فيه الأطفال بلحظات الترفيه و ليس مؤسسة عقابية / إصلاحية كما يجب أن تصور لرفع مستوى الردع الرمزي الذي تمثله، أعتقد أنها من أضر المشاهد بالمجتمع والمشاهد فقد قام من خلالها المنتج أو السيناريست بمحاولة تجميل وجه المؤسسة السجنية وفي المقابل أضر بالمجتمع رغم أنه لم يكن مرغما على ذلك، فعندما تطغى المصلحة على الأخلاق نقتل المجتمع والوطن.