الأحد 23 فبراير 2025
اقتصاد

أريري: والماس.. "المدينة التي يهرب فيها المش من دار العرس" !

أريري: والماس.. "المدينة التي يهرب فيها المش من دار العرس" ! الزميل عبد الرحيم أريري بموقع المياه المعدنية والماس ببلدة تارميلات
هذه النقطة بالذات التي التقطت فيها الصورة زوال السبت 22 فبراير 2025، تمثل الضلع الثالث لميلاد مدينة والماس. ففي هذا الموقع توجد "عين لالة حيا"، وتحديدا المصنع الذي تعبئ فيه المياه المعدنية والماس.
فبسبب هذا الموقع سيتم شن أشرس عدوان في عهد الاستعمار ضد قبائل "أيت أعمر"، إحدى أهم القبائل المنحدرة من سلالة قبائل "أيت أومالو" الذي نزحوا من واد أم الربيع وواد لعبيد للاستقرار بهضاب والماس، بحيث أهلكت جيوش فرنسا أبناء القبيلة وأبادت زرعها وأحرقت ماشيتها بسبب مقاومة "أيت أومالو" العنيدة للاستعمار.

"عين لالة حيا"، التي تبعد عن مدينة والماس بحوالي 12 كلم، اكتشفها الجيولوجيون الاستعماريون عام 1917، وبعد تحاليل مخبرية تبين للمستعمر عام 1924 القيمة الكبرى لمياه والماس. لكن انشغال المستعمر بحروب التهدئة، تسبب في تأخير إنجاز المونطاج المالي والمؤسساتي لاستغلال مياه والماس، ولم يتحقق ذلك إلا في عام 1933، حيث بدأ الاستغلال التجاري للمياه المعدنية.

ولما قلنا بأن "عين لالة حيا" هي الضلع الثالث لخلق مدينة والماس، فلأن هاته الأخيرة كانت مجرد نواة يضم بضعة سكان، ولم تكن مركزا حضريا بمعنى الكلمة في مطلع القرن العشرين. إلا أن حاجة المستعمر الفرنسي لمركز عسكري يراقب من خلاله قبائل الأطلس المتوسط، جعله يختار بلدة والماس لموقعها الاستراتيجي بين قبائل زمور وقبائل زيان، فضلا عن كون والماس تعد نقطة محورية في كل تدخل عسكري لوجودها في ملتقى طرق مكناس وخنيفرة والخميسات، وهذا هو الضلع الثاني. أما الضلع الثالث فيتجلى في الثروات المنجمية بالمنطقة التي سالت لعاب الاستعمار، وهو ماقاد إلى انتفاخ ديمغرافي لوالماس، بفضل جاذبية العمل بهذه المناجم وللعمل بشركة المياه المعدنية، مما جعل المستعمر يبادر إلى إحداث النواة الإدارية الأولى لوالماس عام 1928.

بعد الاستقلال، وترقية الخميسات إلى عمالة، وترقية والماس من قيادة إلى دائرة تضم ثلاث قيادات عام 1973، زاد الانتفاخ العمراني والديمغرافي بوالماس، بفعل الهجرة الداخلية من الجماعات المجاورة، بشكل جعل السلطة تصحو عام 1994 على رقم مذهل يتجلى في كون والماس كانت تضم آنذاك 17.687 نسمة.

وبدل أن يرفل سكان والماس ومحيطها الضاحوي (نموذج: بوقشمير وأيت يشو) في الرفاهية، بفضل الثروة الغابوية والمنجمية والمياه المعدنية، تحولت هذه النعم الالاهية إلى نقمة لم تجلب لسلالة قبائل "أيت أومالو"، سوى الهشاشة والحرمان والفقر وانسداد الأفق.

الدليل على ذلك أن مدينة والماس التي تزخر بهذه الثروات الطبيعية لم تشهد تململا في بنيتها الديمغرافية طوال ثلاثة عقود. فبعد ارتفاع المنحنى عام 1994عاد المنحنى للجمود، بشكل لم يرتفع سكان المدينة سوى ب 1892 على امتداد 30 سنة، أي بمعدل 63 نسمة في العام! وهذه نسبة مخيفة بالنسبة للديمغرافيين الذين يربطون دوما منحنى هروب السكان بغياب حاضنة اقتصادية واعدة بهاته المنطقة أو تلك، بينما في حالة مدينة والماس نجد العكس: فالمنطقة تعرف تخمة في الإمكانيات الغابوية والثروات المنجمية والمياه المعدنية، بينما سكانها يهربون منها ويهجرونها، سواء نحو مدن مغربية أخرى أو نحو الخارج.

كيف لا يهربون من والماس، وأحداث رمضان الأسود الذي قمع فيها العمال قمعا شرسا عام 1999، وأحداث معركة العطش في عامي 2017 و2018، مازالت عالقة بذاكرة أبناء "قبائل أيت أومالو".
فكما يقول المثل الشعبي:" حتى مش ما كيهرب من دار العرس" !