منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يتوانَ الرئيس دونالد ترامب عن توجيه انتقادات حادة إلى إدارة بايدن، معتبرًا أن الحرب الأوكرانية لم تكن سوى نتيجة مباشرة للسياسات الفاشلة لسلفه، وأنها لم تكن لتندلع أصلًا لو لم تعتمد واشنطن نهجًا تصعيديًا مع موسكو. في تصريحاته الأخيرة، شدد ترامب على أن بايدن لم يبذل أي جهد حقيقي لإيقاف الحرب، بل سعى إلى تأجيجها عبر دعم غير مشروط لكييف، مما أدى إلى تورط أوروبا في نزاع لا يخدم مصالحها، بل فرض عليها كلفة اقتصادية هائلة لا تزال شعوبها تدفع ثمنها.
ترامب يرى أن الدول الأوروبية انساقت وراء واشنطن دون مساءلة، متجاهلة التداعيات الاقتصادية الكارثية للحرب. ارتفاع تكاليف الطاقة، زيادة معدلات التضخم، وتراجع مستوى المعيشة ليست سوى بعض من الأثمان الباهظة التي دفعتها أوروبا بسبب دعمها غير المشروط لأوكرانيا. وفقًا للرئيس الأميركي، كان بإمكان أوروبا اتخاذ موقف أكثر استقلالية، لكن الخضوع لسياسات بايدن أدى إلى توريطها في حرب طويلة الأمد لا تخدم سوى مصالح معينة داخل المؤسسة الحاكمة في واشنطن.
على صعيد آخر، لم يسلم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من انتقادات ترامب، الذي اعتبره غير مؤهل لإدارة هذه الأزمة، بل ووصفه بأنه كان مجرد أداة تم تحريكها لمنع أي محاولات جدية للحوار مع موسكو. ترامب يؤكد أن زيلينسكي لم يكن في مستوى الحدث، وأنه قاد أوكرانيا إلى حرب أكبر من قدراتها، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع شعبيته إلى مستويات متدنية للغاية. وفقًا للرؤية الجديدة للإدارة الأميركية، فإن بقاء زيلينسكي في السلطة أصبح غير مقبول، وأنه لا بد من انتخابات رئاسية جديدة في أوكرانيا لإيجاد قيادة أكثر واقعية قادرة على التعامل مع الوضع الراهن بمرونة أكبر.
لكن أخطر ما ورد في تصريحات ترامب الأخيرة كان تلميحه إلى إمكانية الكشف عن الجهات الحقيقية التي تقف وراء تفجير خط الغاز نورد ستريم. هذه الحادثة، التي شكلت ضربة كبرى للعلاقات الروسية الأوروبية، لا تزال تثير الكثير من التساؤلات، خاصة بعد أن بدأت بعض التقارير تشير إلى احتمال تورط أطراف غربية في العملية. الرئيس الأميركي أوضح أن الكشف عن هذه المعلومات قد يؤدي إلى فضيحة عالمية بامتياز، وهو ما قد يعيد خلط الأوراق على الساحة الدولية بشكل غير مسبوق.
منذ عودته إلى الحكم، يسعى ترامب إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأميركية، وتحديدًا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية التي يعتبرها واحدة من أكبر أخطاء إدارة بايدن. لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: هل سيتمكن من إنهاء الحرب دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد؟ وإذا قرر ترامب الكشف عن أسرار نورد ستريم، فهل سيكون ذلك بداية لانهيار التحالف الغربي الذي تشكل خلال الحرب؟.
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة، إذ من المتوقع أن تبدأ واشنطن في الضغط على كييف للتوجه نحو المفاوضات، في حين أن أي كشف جديد حول نورد ستريم قد يغير جذريًا موازين القوى. الحرب الأوكرانية لم تعد مجرد نزاع إقليمي، بل تحولت إلى ملف دولي معقد تداخلت فيه المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، ومع وجود ترامب في السلطة، يبدو أن مرحلة كشف المستور قد بدأت بالفعل، فهل يكون ذلك مقدمة لنهاية الصراع أم بداية لمعادلات جديدة في النظام العالمي؟.