تساءل الأستاذ الباحث عبد الرحيم شرّاد بصفته مهتما بالتراث الشعبي المغربي، عن الضوابط التي تحدد اختيارات إنتاج وتقديم أنماط الغناء والموسيقى الشعبية المغربية عبر القنوات الإعلامية بما فيها إذاعات الراديو، سواء الرسمية أو الخاصة، وكذلك التلفزيون بباقة قنواته.
في سياق متصل ساهم الكاتب والباحث عبد الرحيم شراد في ملف جريدة “الوطن الآن” بورقة في موضوع: ـ لماذا “تحتقر” الحكومة موروث المغاربة الغنائي الشعبي ـ مستحضرا ما يسجله العديد من المثقفين المغاربة، من قبيل “أن الدولة ليست لها إرادة لرد الاعتبار لموروثنا الثقافي والغناء الشعبي بمختلف أنماطه وروافده وتعبيراته”، والدليل أنه إلى حدود اليوم لم يتم تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة دستورية.
الأغرب من ذلك ـ حسب العديد من المراقبين ـ يتم التسويق للموروث التراثي الموسيقي والغنائي الشعبي بشكل مبتذل بعد إفراغه من محتواه ومضمونه الجميل، في الوقت الذي كان لزاما على الدولة أن تعتبر هذا الموروث التراثي الشعبي من أولويات أجنداتها الوطنية على مستوى الحماية والتثمين والتحصين.
فهل هناك ما يبرر تقاعس الدولة المغربية التي ترفض إلى حدود اليوم، رد الاعتبار للموروث الشعبي والثقافي والغنائي والفني العريق سواء تعلق الأمر بالأغنية الشعبية الأصيلة، أو تعلق بفن العيطة المغربية؟
وكيف سمحت مؤسساتنا الوطنية ذات الصلة بترويج خطاب منحط يسفه ويبخس تراث فن العيطة خاصة والغناء الشعبي عامة؟ ومن هي الجهة التي تستفيد من تعميم صورة مبتذلة عن شخصية "الشِّيخَةْ" وتوجيه سهام النقد الهدام لها وإلصاق مختلف الصفات والنعوت والكلام الساقط المقرون بالفساد والعهر؟.
ـ إليكم جواب الباحث عبد الرحيم شرّاد
شخصيا لقد اطلعت كغيري من المهتمين بالشأن الثقافي المغربي، بكل مجالاته المتعددة، على القانون التنظيمي رقم 16-04 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، ووجدت أن كل أبوابه وأحكامه العامة لا تخالف أو تعارض الدستور المغربي، بل إن جميع مواد هذا القانون مطابقة لروح الدستور ـ غير أني وحتى أكون صريحا معك ـ لم يشغل بالي أبدا السؤال عن الأسباب التي حالت دون تفعيل هذا المجلس الدستوري.
لم أطرح على نفسي هذا السؤال لقناعة شخصية تكونت عندي، كان دائما يحزّ في نفسي أن أرى بعض المثقفين سامحهم الله، يتحيّنون الفرص للحصول على عضوية داخل الكثير من المؤسسات، وبمجرد جلوسهم على الكراسي يكتفون بالاستفادة من الامتيازات دون القيام بأي عمل يذكر.
لقد كان السؤال الذي يشغلني أكثر حول الإضافة النوعية التي يمكن أن يحققها هذا المجلس أو غيره، خصوصا أن وظيفة هذا المجلس هي وظيفة استشارية واقتراحية، زد على ذلك هذا التداخل بين اهتمامات أكثر من هيئة أو مؤسسة، على سبيل المثال "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" و "الهيأة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث" و "أكاديمية محمد السادس للغة العربية"...أعتقد أن لدينا ما يكفي من المؤسسات، وأن ما ينقصنا هو الهندسة الثقافية وفق خطط وبرامج عمل هدفها إبراز الجانب الهوياتي الذي يحقق الفرادة والتميز للثقافة المغربية.
ونحن نتحدث عن أنماط الغناء والموسيقى الشعبية المغربية، يجب أن نطرح السؤال حول الضوابط التي تحدد اختيارات القنوات الإعلامية بما فيها إذاعات الراديو، سواء الرسمية أو الخاصة، وكذلك التلفزيون بباقة قنواته.
أعتقد أن الجميع يشتغل وفق دفاتر تحملات معينة، لكن بتمثلات تختزل أنماط الغناء والموسيقى الشعبية المغربية في ما يسمونه "النَّشَّاطْ"، وكأن دور الغناء والموسيقى الشعبية يقتصر على الجانب الترفيهي فقط.
هناك تقصير وإجحاف حقيقي يمارس في حق هذه الأشكال التعبيرية، من هنا نشأ الإبتذال وظهرت الرداءة وشاعت التفاهة، وأصبح الترويج لأسماء ولجت ميدان الغناء الشعبي من باب الإسترزاق، حتى أصبحنا نرى منشطي الأعراس يحضرون للبرامج الإذاعية والتلفزية وتتم استضافتهم كنجوم ومشاهير، بل إن الأدهى والأمر أن بعض المسؤولين على البرامج أصبحوا يطلقون على ضيوفهم لقب “الأستاذ والأستاذة”.
ونحن نتحدث عن الغناء والموسيقى، لن أخفيك سرّا ، أن الولع بهما لم يكن يوما حكرا على شريحة معينة من أفراد المجتمع دون سواهم، التاريخ يذكر لنا على سبيل المثال أن السلطان عبد المالك السعدي كان ممارسا للموسيقى، يجيد العزف وكذلك الرقص، حتى أن ملكة انجلترا أرسلت له مع سفيرها هدية عبارة عن آلة عود .
إن النظرة الدونية للكثير من أنماط الغناء والموسيقى الشعبية هي وليدة جهل تام بحقيقة هذه الأشكال التعبيرية وبالظروف التاريخية التي ظهرت فيها، لهذا فإن البحث الأكاديمي في كل هذه الأنماط وتوثيقها ونشر نتائج الأبحاث والدراسات وتعميمها عبر مختلف وسائل الاتصال هو الخطوة الأساسية من أجل صيانة هذا التراث والمحافظة عليه، أما أن نترك الحبل على الغارب لمن يدعي المعرفة بهذا التراث وهو لايفقه حقيقته فلن يخدم ثقافثنا على الإطلاق ولو أسسنا المجالس من أجل النهوض بها .
عبد الرحيم شراد كاتب وباحث مهتم بالتراث الشعبي